“إسرائيل” والأردن.. سنوات من العلاقات المضطربة
عقب سنوات من حالة التوتر والفتور التي شهدتها العلاقات الأردنيّة – الصهيونيّة وما أثارته من جدل كبير في الفترة الماضية، تحدث الكاتب الصهيونيّ، روعي كايس، في مقابلة مع هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الصهيونيّ “كان”، أنّ السفير الإسرائيلي المنتهية ولايته في عمّان، أمير ويسبورد، لخص له ما قال إنّها 3 سنوات مضطربة من عمله في الأردن، سواء وقف الأخيرة تأجير المناطق الزراعية الحدوديّة للعدو الصهيونيّ الغاصب، أو الأزمة مع ولي العهد الأردنيّ حمزة حول زيارة المسجد الأقصى المبارك، وصولاً إلى التوتر بين الملك عبد الله الثاني ورئيس الحكومة الصهيونيّ السابق، بنيامين نتنياهو، الشيء الذي يضع على سفير العدو الجديد في الأردن، إيتان سركيس، مهمة ليست سهلة أبداً.
سنوات اضطراب
في ما يزيد على ثلاث سنوات عمل ويسبورد الذي يُعد أحد المخضرمين في السلك الدبلوماسيّ التابع لكيان الاحتلال الصهيونيّ في الدولة الجارة مع فلسطين في الشرق، ومن داخل سفارة العدو في عمان، وقد حاول تحريك سفينة العلاقات الحساسة بين الطرفين في بحر عاصف، حيث تولى الدبلوماسيّ السابق في الأردن، منصب السفير في أبريل/ نيسان عام 2018، بعد أزمة ثقة حادة في العلاقات بين الأردن والكيان العنصريّ، تخللها جريمة قتل مواطنين أردنيين اثنين برصاص حارس في السفارة الإسرائيليّة في عمان، واستقبال رئيس وزراء العدو حينها لهذا الحارس بطريقة أغضبت الشعب الأردنيّ، ودفع الكيان المجرم لدفع تعويضات لعائلات الضحايا، إضافة إلى استبدال السفيرة السابقة، عينات شلاين.
ووفقاً للسفير الصهيونيّ السابق، فإنّ مهمته ركزت على استعادة الثقة بين عمان وتل أبيب، وصولاً لإعادة العلاقات لمسارها الصحيح، وبعد بضعة أشهر بدأت الأمور تسير وفق مسار جيد حسب زعمه، لكن لحظة الإعلان الأردنيّ عن عودة المناطق الزراعيّة الحدوديّة التي استأجرها الكيان الصهيونيّ منذ اتفاق “وادي عربة” عام 1994 (يدعى بالسلام البارد بين الأردن والعدو)، رغم التفاوض الإسرائيليّ مع الأردن في هذه القضية لمدة عام كامل دون نجاح، مع أن العلاقات الصهيونيّة مع الأردن أكبر من هاتين المنطقتين حسب تعبيره.
وعلى الرغم من احتواء هذه الأزمة أيضاً بين الجانبين، إلا أنّ الانطباع السلبيّ بقي مسيطراً على علاقاتهما، وخاصة مع تفاقم الأزمات بينهما في السنوات الأخيرة، وهو ما ارتبط في الأساس بانقطاع الاتصالات بين بنيامين نتنياهو والملك عبد الله، لاسيما عندما منعت حكومة العدو ولي العهد الأردنيّ من زيارة المسجد الأقصى بمرافقة وفد حمايته الأمنية، حيث رد الأردن بمنع طائرة نتنياهو من التحليق فوق الأردن أثناء رحلة إلى الإمارات.
وفي ظل تلك المرحلة من التوتر بين الكيان الصهيونيّ والأردن، عادا ليصبحا أكثر حدة حسب تعبير أمير ويسبورد الذي أوضح أنّ القيادة الأردنيّة عام 2020 غيّرت من اتجاهها بعد توقيع اتفاقات التطبيع، التي ساعدت في إعادة الدفء العلاقة مع الصهاينة من جديد رغم العلاقات الشخصيّة المهتزة بين نتنياهو الملك الأردنيّ، الشيء الذي دفع الأردنيين لفهم أنّ هناك علاقات أمنيّة مهمة، وأنّه لا بد من التحرك في العلاقات الثنائيّة.
وفي إجابة على سؤال حول استقرار حكم الملك عبد الله، بيّن السفير الإسرائيليّ السابق في الأردن أنّ حكم الملك الأردنيّ ليس مهدداً، مبرراً ذلك بوجود إجماع واسع في الأردن حول قيادته، إضافة إلى أن العديد من الأردنيين شاهدوا ما حدث في سوريا ودول أخرى، وهم قلقون بشدّة من تكرار تلك السيناريوهات، وعند الحديث عن الفلسطينيين المقيمين في الأردن، فإنّ النخبة الاقتصادية فيه هي بالأساس فلسطينية، ولها مصلحة في استقرار الدولة.
ويزعم سفير العدو أنّ الأردن يريد عملية سياسيّة معينة مع الصهاينة باعتباره يملك حدوداً مشتركة مع الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها الكيان الصهيونيّ، وادعى وجود طبقات معينة في الأردن أكثر انفتاحاً على العلاقة مع العدو، خاصة رجال الأعمال، وتحدث عن ضرورة انتقال هذه العلاقة بشكل أكبر مع الشباب الأردنيّ، متناسيّاً الرفض الشعبيّ القاطع لأي علاقات مع الصهاينة.
تفاقمٌ كبير
تفاقمت الأزمة بين العدو الصهيونيّ والأردن بشكل كبير منذ وصول رئيس الوزراء الصهيونيّ بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وما تبعها من أزمات سياسيّة ودبلوماسيّة متلاحقة، أوصلت الأمور الى الحد الذي وصف فيه الملك عبد الله العلاقة مع “إسرائيل” بأنها في “أسوء حالاتها” وإمكانيّة أن تتفاقم الأزمة في حال قام العدو بتشريع قانون ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربيّة.
ولا تزال بين الجانبين متوترة بشدّة، إذ شهدت السنوات الأخيرة حلقات جديدة من مسلسل الفتور الذي بدأ منذ مدة طويلة، وتصاعدت حدته إبان حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وما سميت “صفقة القرن” التي تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة وما تلاها من دخول بعض الدول العربيّة حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع العدو الغاشم.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن، وما تبع ذلك من تطورات حول أزمة الأخ غير الشقيق للملك، الأمير حمزة، وبالتزامن مع الأزمة الدبلوماسيّة بين الجانبين، والتي أدت إلى تفاقم المشكلات بينهما، ظهر هذا التوتر على السطح أكثر من مرة، وقد قامت عمّان في نوفمبر/ تشرين الثاني بمنع دخول الصهاينة إلى منطقتَي “الباقورة” و”الغمر” اللتين كانتا مستأجرتين من العدو المُستبد، وإعلان الأردن رفضه طلب تل أبيب مد فترة الاستئجار، إلا أنّ الخلاف مؤخراً أصبح يأخذ أشكالاً جديدة ربما تكون أكثر جدية من ذي قبل.
وهذا بدوره يقوض المصلحة المشتركة، غير أنّ هذا ليس موضوعًا شخصيًا، فاتفاقية السلام مع العدو الصهيونيّ هي حجر أساس في أمن الكيان، ويمنحه عمقًا إضافيًا من 350 كيلومترا حتى حدود العراق، فيما تشير تقارير إلى أنّ حكومة العدو تجد صعوبةً في فهم أن التعاون مع الأردن في المسائل المتعلقة بالحرم القدسي، ليس موضوعًا دينيًا من ناحية النظام الأردني، بل هو موضوع وجوديّ، في ظل المحاولات الإسرائيليّة لتقليص صلاحيات المملكة الأردنيّة على الأوقاف الإسلاميّة في القدس وعلى المسجد الأقصى الذي يتعرض منذ مدة طويلة لهجمة شرسة من الاستهداف الممنهج.
ومنذ فترة طويلة يمارس الاحتلال الغاشم ضغوطاً شديدة على وزارة الأوقاف والأردن من أجل إحداث تغييرات جذريّة في مجلس الأوقاف الإسلاميّة، لتحقيق مبتغى العدو في أن تنوب السعوديّة عن الأردن في تلك المسألة، ناهيك عن الصراع الخفيّ بين المملكة الأردنيّة والسعودية حول الوصاية على الأماكن الإسلاميّة بمدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يشهد بشكل متواصل اقتحاماً لحرمته من قبل الجماعات المتطرفة اليهوديّة، التي تسعى لأن يكون لها موطئ قدم داخل المسجد المبارك، بغطاء سياسيّ وقانونيّ من قوات الاحتلال المعتدية.
وبما أنّ السعودية تسعى لأنْ يكون لها موطئ قدم في المسجد الأقصى، كقوة إسلاميّة عظمى تسيطر على مكة والمدينة، تحاول إقامة وضع جديد في القدس، وهي مستعدة للاستثمار بمبالغ طائلة لتحقيق ذلك، إلى جانب تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيونيّ بشكل علنيّ، ولا غرابة في أن يستميت العدو في وضع السعوديّة على خط المقدسات، لأنّه يعلم أنّ من ضحى بكامل القضيّة لن يأبه بما سيحِل بمقدسات فلسطين ورجال دينها، وإنّ أيّ محاولة إسرائيليّة لنقل المسؤولية عن الحرم إلى السعودية ستكون تبعاتها غير متوقعة لأنّها خط أحمر للعائلة المالكة في الأردن
ومراراً أشار الإعلام الصهيونيّ إلى أن “اتفاق السلام” الموقع بين الكيان الباغي والأردن أكثر أهمية بأضعاف من اتفاقات الخيانة مع الدول الخليجيّة، بما يتقاطع مع تصريحات سابقة لوزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، تحدث فيها أنّ العلاقات مع الأردن تمثل “ثروة عظيمة”، مشيراً إلى أنّها من الممكن أن تكون أفضل بألف مرة، حسب تعبيره، في الوقت الذي كانت فيه علاقات عمّان وتل أبيب تتجه نحو المجهول مع اتجاه الأخيرة نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية والتلويح بضم غور الأردن، الأمر الذي أثار حفيظة الملك الأردنيّ ودفعه للحديث عن “صدام كبير” بين بلاده والكيان الصهيونيّ الغاصب في حال أقدم على مثل هذه الخطوة.
المصدر/ الوقت