التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

تقييم حجم تمثيل التيارات السياسية في الحكومة اللبنانية الجديدة 

نجح رئيس الوزراء اللبناني المنتخب نجيب ميقاتي أخيرًا في تشكيل الحكومة، منهياً بذلك الجمود السياسي الذي دام 12 شهرًا في هذا البلد.

وكان ميقاتي ثالث شخص يشكل حكومةً جديدةً منذ استقالة الحكومة السابقة بعد الانفجار الهائل الذي شهده مرفأ بيروت الصيف الماضي، والذي أودى بحياة 214 شخصاً على الأقل.

تستعد الحكومة المكونة من 24 وزيراً، والتي تضم امرأةً عزباء ومقدم تلفزيوني معروف، لمهام شاقة، بما في ذلك الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدولي، من أجل جذب المساعدات المالية الدولية.

وضع توزيع السلطة في الحكومة اللبنانية الجديدة

تتكون حكومة ميقاتي الثالثة من 12 مسلمًا و 12 مسيحيًا، بناءً على صيغة لتقسيم المناصب بالتساوي بين التيارات الرئيسية الثلاثة للسلطة.

حصلت أحزاب المقاومة علی ما مجموعه ست وزارات، ثلاث لحزب الله وثلاث لحركة أمل. حيث حصل حزب الله على وزارات الأشغال العامة والنقل والزراعة. وكانت الأشغال العامة خيارًا مهمًا لحزب الله، حيث ستكون آلية إعادة بناء مرفأ بيروت من مهام هذه الوزارة.

وکان سعد الحريري قد رفض منح حزب الله وزارة الأشغال العامة حتى استقالته من الحكومة في يوليو تموز، بذريعة العقوبات الأمريكية ومعارضة المستثمرين الخليجيين.

الوزير الذي اختاره حزب الله هو “علي حمية”، 44 عاماً، وهو تكنوقراط وحاصل على دكتوراه في الإلكترونيات من فرنسا. وفيما يتعلق بوزارة الزراعة، فقد عيّن حزب الله “عباس الحاج حسن”، الصحفي البالغ من العمر 46 عامًا.

کما مُنحت وزارات المالية والعمل والثقافة لحركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري. كانت وزارة المالية تاريخياً في أيدي حركة أمل، والوزير المختار هو يوسف خليل مدير العمليات المالية في مصرف لبنان المركزي. وهکذا، فإن ثقل المقاومة في مجلس الوزراء يمنح هذين الحزبين الشيعيين حق النقض اللازم لأي قرار في حكومة ميقاتي.

کذلك، سلم نجيب ميقاتي وزارتي الإعلام والاتصالات إلى حزب “المردة” المسيحي بقيادة سليمان فرنجيه، عضو تحالف 8 آذار الذي يقوده حزب الله. حزب المردة نصير قوي لسوريا ويدعمه حزب الله، وكذلك الحزب السوري القومي الاجتماعي(SSNP) الذي حصل علی منصب نائب رئيس الوزراء.

وبذلك يرتفع عدد الوزراء المؤيدين للشراكة الاقتصادية والسياسية الواسعة مع دمشق إلى 15 من أصل 33، وهي الحكومة الأكثر مواليةً لسوريا التي وصلت إلى السلطة منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005.

ومن بين الوزارات الحساسة والمثيرة للجدل التي كانت من أهم أسباب الخلافات، وهي منصب وزير الداخلية، وصلت هي الأخرى إلى شخص مقرب من الحريري.

کان الرئيس اللبناني ميشال عون يعتقد، حسب مبادرة ماكرون، أن هذا المنصب لا ينبغي أن يصل إلى تيار المستقبل، لكن الحريري أراد بشدة الاحتفاظ بالمنصب، بل عرض على عون انتخاب عضو مسيحي من المستقبل، وهو ما رفضه عون. وصل هذا المنصب الآن إلى بسام مولوي، وهو قاض سابق في بيروت وشمال لبنان. كما حصل الحريري علی وزارة الصحة التي كان يديرها حزب الله في الحكومتين السابقتين.

وكان عون قد دعا إلى أن يتم انتخاب وزير الخارجية حصريًا من قبل الرئيس وصهره جبران باسيل من التيار الوطني الحر( (FPM. لكن في النهاية، وبموجب اتفاق مع الحريري، اضطر عون إلى الموافقة على انتخاب عبد الله بو حبيب، سفير لبنان السابق لدى الولايات المتحدة من 1983 إلى 1990، لكن هذا المنصب لا يزال يتبع التيار الوطني الحر.

أصر عون على تولي الوزارات الاستراتيجية مثل الدفاع والشؤون الخارجية. لکن تخلی عون عن وزارة الدفاع وحصل على 6 مقاعد من أصل 33، وهي مجموعة من وزارات الطاقة والسياحة والشؤون الاجتماعية المهمة، ومناصب قوية في وزارتي الدفاع والعدل، الأمر الذي لا يزال يمنحه أكثر المناصب الوزارية في الحكومة. وتضم كتلته البرلمانية، التي يتزعمها صهره جبران باسيل، 29 عضواً وهو أكبر کتلة في البرلمان اللبناني.

وزارة الطاقة انتصار مهم للتيار الوطني الحر، وقد كافح عون وباسيل بقوة من أجلها. إذ يجري لبنان حاليًا، بدعم من الأمم المتحدة، مفاوضات بحرية مع الکيان الصهيوني لترسيم الحدود، وبمجرد اكتمالها سيسمح للبنان بالتنقيب عن الغاز، الذي من المرجح أن يصبح أهم مصدر دخل للحكومة. وفي الواقع، إذا تم إجراء هذه الاكتشافات، فستلعب وزارة الطاقة دورًا مهمًا في إدارة الميزانية.

وبالنسبة إلی وزارة العدل، فسيكون دور هذه الوزارة مهمًا للغاية، في ظل الاتهامات المتبادلة بين التيارات بشأن العملية القانونية للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت في آب 2020.

الطريق الصعب لحكومة ميقاتي

تتشكل الحكومة الجديدة في الوقت الذي يواجه فيه لبنان ما وصفه البنك الدولي بأنه إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.

حيث تكافح الغالبية العظمى من اللبنانيين لتغطية نفقاتهم، وسط ارتفاع التضخم ونقص الوقود والأدوية وانقطاع التيار الكهربائي على مدار الساعة. ويعيش جزء كبير من الناس في الفقر، بينما غادر آلاف الأشخاص البلاد.

ويدل وجود مثل هذه الأرضيات المتأزمة على المسار غير المستقر للحكومة الجديدة للنهوض بالأهداف والبرامج بأقل قدر من المتاعب وتحسين الأوضاع وفقًا لإرادة الشعب.

في غضون ذلك، وعد ميقاتي في خطاب مؤثر يوم الجمعة بأنه لن يدخر جهداً لإنقاذ هذه الدولة المتوسطية.

وحول خطط الحكومة الجديدة لتنفيذ الإصلاحات التي يتوقعها المجتمع والجهات الأجنبية، قال لصحيفة “الجريدة” الكويتية: “لقد أنشأت مجموعة عمل وليس حكومة بالمعنى التقليدي؛ ولهذه المجموعة مهام محددة لتحقيق برنامج إصلاح شامل يهدف إلى إنقاذ لبنان من الأزمة الحالية”.

کما شدد ميقاتي على أنه منذ تشكيل الحكومة، بدأ الاتصالات مع الدول العربية لتفعيل مشاريع الدعم في لبنان. وفي هذا السياق، رحبت جامعة الدول العربية بالأمس بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، لكن السعودية، كلاعب أجنبي معارض لمشارکة المقاومة في الحكومة الجديدة، لم تبد رأيها بعد، وهو ما قد يعني أن الرياض غير راضية عن مسار التطورات.

لا شك أن الوقت لا يزال مبكراً للتنبؤ بقدرة الحكومة الجديدة على معالجة مشاكل لبنان الصعبة، لكن ميقاتي أيضًا يعرف أنه لا يملك الکثير من الفرص.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق