تاريخ حافل بالجرائم ضد المدنيين الأبرياء… الإرهاب متجذر في جيش القوة العظمى في العالم
أصبح مقتل 10 مدنيين، بينهم سبعة أطفال، في غارة بطائرة من دون طيار على سيارة بالقرب من مطار كابول في 29 أغسطس 2021، فضيحةً جديدةً للحكومة الأمريكية.
الآن، بعد حوالي 20 يومًا من حادثة 17 سبتمبر 2021، قال الجنرال ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، فيما يتعلق بالحادث إن “ما حدث بالقرب من مطار كابول كان خطأ وأنا أعتذر عنه”. كما أكد المسؤول الأمريكي أن البنتاغون يدرس دفع تعويضات مالية لأسر الضحايا.
تصريحات الجنرال ماكنزي في الاعتراف بقتل المدنيين، ليست سوى عدد قليل من الجرائم العديدة التي ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان. لكن على الرغم من حقيقة أن السجل الأسود لحملات البيت الأبيض(مثل الحرب في أفغانستان) مليء بأحداث مشينة تمثلت في قتل المدنيين، إلا أن الحكومة الأمريكية برأت نفسها دائمًا من الاتهامات والمحاكمات الدولية من خلال استخدام وسائل الإعلام والضغط السياسي.
والأکثر وقاحةً، أن حكومة الولايات المتحدة ليس فقط لا تری نفسها في مقام المساءلة لارتکاب هذه الجرائم، بل تدعي بوقاحة دائمًا أنها مدافعة عن حقوق الإنسان في بقية أنحاء العالم، وتقدم الوصفات للآخرين في هذا المجال.
20 عاماً من الجرائم الأمريكية في أفغانستان
سجل الجرائم الأمريكية ضد المدنيين وتبريرها كأخطاء فردية وحسابية له تاريخ طويل. وفي هذا الصدد، تشير الإحصاءات إلى أنه في العقود الأخيرة، قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص على يد الولايات المتحدة في أفغانستان، ومئات الآلاف في أجزاء أخرى من العالم.
جرائم الولايات المتحدة في قتل المدنيين في الحرب العالمية الثانية، حرب فيتنام، حرب الخليج الأولى عام 1991، غزو أفغانستان عام 2001، غزو العراق عام 2003، قتل المدنيين في سوريا والعراق في السنوات التي تلت صعود داعش (2014)، أو حتى مهاجمة طائرة ركاب إيرانية في 3 يوليو / تموز 1988 وغيرها، كلها أمثلة رئيسية على قتل المدنيين على يد الجيش الأمريكي الإرهابي في جميع أنحاء العالم، والتي تم تبريرها دائمًا بحجة ارتكاب خطأ بشري أو أخطاء استخباراتية.
وفي العصر المعاصر، دفع الشعب الأفغاني أكثر من بقية العالم ثمن عدوانية مسؤولي البيت الأبيض. ويكفي إلقاء نظرة على أمثلة جرائم الولايات المتحدة بقتل المدنيين في أفغانستان.
ويمكن رؤية المظهر الأول لهذا الأمر في الهجمات العنيفة للجيشين الأمريكي والبريطاني ضد طالبان في عام 2001، والتي تم خلالها مهاجمة مقاطعات كابول وقندهار وننكرهار وقندوز وجوزجان ولوغار وتخار ونمروز وفرح وغزني بطائرات مقاتلة من طراز B-52 وصواريخ كروز، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 مدني.
علی سبيل المثال، في يوليو 2002، هاجمت طائرتان أمريكيتان حفل زفاف، مما أسفر عن مقتل 48 مدنياً.
کذلك، قُتل ما لا يقل عن 42 شخصًا، من بينهم عدد من النساء والأطفال، في يومين من الغارات الجوية الأمريكية على قرية بالقرب من هرات في مايو/أيار 2007، وفقًا لتقرير للحكومة الأفغانية. وقد دمر هذا القصف 100 منزل وشرَّد حوالي 1600 شخص.
وفي مثال آخر، في 22 أغسطس/آب 2008، عقب غارة جوية على قرية عزيز آباد في منطقة شينداند بإقليم هرات، قال سكان محليون ومصادر حكومية أفغانية إن نحو 90 مدنياً قتلوا في الهجوم، لكن الجيش الأمريكي قال في تقرير إن عدد الضحايا المدنيين بلغ سبعة أشخاص.
وفي حدث آخر، أعلن مسؤولون أمنيون أفغان في 4 مايو/أيار 2009، أن الضربات الجوية لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة على منطقة غرناي بمحافظة فرح قتلت 145 مدنياً، بينهم 92 طفلاً و 22 امرأة.
كما قتلت الغارات الجوية الأمريكية في 23 يوليو/تموز 2010 في منطقة بمحافظة ننجرهار، أكثر من 52 شخصًا من النساء والأطفال الأبرياء.
وفي مأساة أكبر، اعترف روبرت بيلز في محكمة عسكرية في سياتل بواشنطن، أنه في عملية 11 مارس/آذار 2012 بعد مغادرة قاعدة قندهار العسكرية في أفغانستان، هاجم سكان قريتين قريبتين من القاعدة، مما أسفر عن مقتل 16 مدنياً، معظمهم من النساء و الأطفال.
وفي 3 أكتوبر 2015، هاجمت القوات الجوية الأمريكية عبر طائرة لوكهيد AC-130U مستشفى قندوز في شمال أفغانستان. وقُتل ما لا يقل عن 42 مدنياً وأصيب 30 شخصًا في هذا الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك، في عام 2017، أدى هجوم مروحية أمريكية على مستشفى أطباء بلا حدود في قندز بأفغانستان إلى مقتل 42 شخصًا. بدأ هذا الحادث عندما تم إرسال مروحية هجومية من طراز AC-130 لقتل عدد كبير من طالبان، لکن نظام التوجيه الخاص بها استهدف عن طريق الخطأ منطقةً أخرى.
بالطبع، بالإضافة إلى هذه الأمثلة التاريخية خلال 20 عامًا من الوجود العسكري الأمريكي وحلفائها في أفغانستان، يجب أيضًا التذکير بالهجمات الجوية العمياء والغارات الليلية المتكررة، التي ربما قُتل وجُرح خلالها آلاف المدنيين.
حيلة واشنطن للتقليل من شأن مقتل المدنيين
لطالما كانت التغطية الإعلامية والسياسية لقتل المدنيين في أنحاء مختلفة من العالم على يد الجيش الأمريكي، علی شکل تقليص للكارثة إلى خطأ بشري وعدم تعمد الحدث، وأن المسؤولين السياسيين والعسكريين يخجلون وينزعجون من مثل هذه الأحداث، وذلك أولاً للتخفيف من حدة الغضب الشعبي من وقوع مثل هذه الجرائم، وثانيًا إلغاء أي عقوبة على جرائمهم.
وأصبحت هذه الإستراتيجية حيلةً لمسؤولي واشنطن السياسيين والعسكريين لعقود من الزمن، وهم عملياً يمنعون معاقبة جنودهم من خلال معارضة أي تحقيق دولي مستقل، وتجاهل رغبات الناجين من الأحداث الذين يريدون العدالة.
وفي الجريمة الأمريكية الأخيرة في مطار كابول في 29 أغسطس، رفض المسؤولون الأمريكيون حتى تقديم اعتذار جدي للضحايا، وكما في الماضي اکتفوا بمناقشة تعويض أسر الضحايا، رغم أن أقارب الأفغان الذين قتلوا في الهجوم لم يقبلوا اعتذار البنتاغون، وقالوا “إن الاعتذار الأمريكي ليس كافياً، وعلى الأمريكيين أن يعتذروا لوجودهم في أفغانستان”.
الغطرسة الأمريكية علی غرار الغرب المتوحش
الجرائم الأمريكية ضد المدنيين في أفغانستان وأماكن أخرى ليست مخفيةً، وقد رأينا مرات عديدة أن منظمات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية قد دعت إلى إجراء تحقيق في تصرفات الجيش الأمريكي.
والأهم من ذلك، في مارس 2019، أذنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ببدء تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان. وقضت محكمة الاستئناف بأنه بالإضافة إلى دراسة دور القوات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية، يتم التحقيق في دور طالبان والقوات الحكومية الأفغانية في جرائم الحرب اعتبارًا من 1 مايو 2003.
فور صدور حكم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أعلنت الإدارة الأمريكية آنذاك برئاسة دونالد ترامب: أن “الولايات المتحدة ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعترف باختصاص هذه المحكمة في التحقيق مع المواطنين الأمريكيين”.
وبعد إعلان قرار محكمة لاهاي بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان، وقع ترامب عقوبات اقتصادية وقيود سفر على أعضاء هذه المحكمة.
حتى أن ترامب أمر بتمديد القيود المفروضة على منح التأشيرات الأمريكية للموظفين في المحكمة الجنائية الدولية وعائلاتهم. وهذا مؤشر واضح على نهج التنمر الذي تتبعه أمريكا تجاه القانون الدولي والإرادة العالمية في إقامة العدل.
المصدر / الوقت