اعتذار ماكرون من الحركيين الجزائريين.. تضميد للجروح أم كرم انتخابي
طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الاثنين، باسم فرنسا، “الصفح” من الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر معلناً إقرار قانون “تعويض” قريباً.
وأضاف الرئيس الفرنسي خلال مراسم تكريم في قصر الإليزيه بحضور حركيين سابقين وأسرهم ومسؤولين عن جمعيات وشخصيات، “أقول للمقاتلين: لكم امتناننا، لن ننسى. أطلب الصفح، لن ننسى”. ووعد “قبل نهاية السنة بطرح مشروع يهدف إلى أن نُضَمن قوانيننا اعترافا بالحركيين والتعويض لهم”.
وأكد “شرف الحركيين يجب أن يحفر في الذاكرة الوطنية” داعيا إلى “تضميد الجروح التي يجب ان تندمل من خلال كلام يشدد على الحقيقة وبادرات تعزز الذاكرة وتدابير ترسخ العدالة”.
وخلال حفل الاستقبال، قلد الرئيس وساما لصلاح عبد الكريم وهو ممثل للحركيين جرح في القتال وللجنرال الفرنسي فرنسوا ميير الذي نظم عمليات إجلاء “مئات الحركيين عاصيا الأوامر” وبورنيا تارال ابنة أحد الحركيين و ”الناشطة من أجل مساواة الفرص والتنوع”.
وأوضح قصر الإليزيه في وقت سابق “يرى الرئيس أن العمل المنجز منذ ستين عاما مهم لكن ينبغي القيام بخطوة إضافية في الاعتراف بالإهمال الحاصل في حق الحركيين فضلا عن اخلال الجمهورية الفرنسية بقيمها الخاصة”.
من هم الحركيون؟
الحركيون هم مقاتلون سابقون يصل عددهم إلى 200 ألف مقاتل، حاربوا إلى جانب الاستعمار خلال حرب تحرير الجزائر، حيث تمّ تجنيدهم في صفوف الجيش الفرنسي للقيام بعمليات خاصة، قبل أن تتخلى فرنسا عنهم عند مغادرتها البلاد.
ورفضت الحكومة عند استقلال الجزائر وانتهاء الحرب عام 1962، إجلاء الحركيين جميعاً، واكتفت بنقل 42 ألفاً منهم فقط إلى فرنسا، لكنّها سمحت لبعضهم بجلب زوجاتهم وأطفالهم، حيث تمّ نقلهم إلى مخيمات “مؤقتة” قاسية لا تضمن أدنى معايير العيش الكريم.
ولم تكتفِ فرنسا بذلك، بل إنّها أودعت بعض العائلات في السجون فور وصولهم الأراضي الفرنسية، وهو ما أقرّ به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الحفل التكريمي الاخير، مؤكداً أنّ الحركيين عانوا المرض والتهميش والعنصرية، في ظل إغلاق المدارس أمام أطفالهم بين عامي 1962 و1970.
ونجح 40 ألف من بقية الحركيين في الوصول إلى فرنسا بطرق أخرى؛ إذ تُشير التقديرات بأنّ حوالي 80 إلى 90 حراكياً وصلوا فرنسا بين عامي 1962 و1965.
أمّا بقية الحركيين فقد جُرّدوا من أسلحتهم وواجهوا مصيراً قاسياً في الجزائر، بسبب اعتبارهم عملاء للاستعمار، وقد تعرّضوا لأعمال انتقامية دموية.
علاوة على ظروفهم الصعبة، واجه الحركيون صعوبة كبيرة في الاندماج بالمجتمع الفرنسي غير الودود مع المهاجرين، وفشلوا بالاندماج مع المهاجرين أيضاً، وخاصة الآتين من الجزائر، وذلك بسبب تاريخهم بالتعاون مع الاستعمار.
وأصبح الحركيون يُشكّلون مجموعة تضم مئات الآلاف في فرنسا اليوم، حيث يتواجدون بشكل كبير في الجنوب الفرنسي، وتعتبرهم الأحزاب السياسية هدفاً للاستقطاب في الانتخابات.
وتطالب جمعيات الحركيين منذ أعوام بـ “قانون يعترف بالتخلي عن الحركيين وإيداعهم في مخيمات في ظروف بائسة”، بالإضافة إلى زيادة التعويضات المعتمدة لهم.
وأعد مؤرخون فرنسيون بالتنسيق مع جمعيات وممثلين عن الحركيين تقريراً من 188 صفحة عن وضع الحركيين وعائلاتهم منذ وصولهم فرنسا عام 1962.
يتضمن التقرير، الذي عنوانه “فرنسا تكن الاحترام والتقدير للحركي”، 56 إجراءً لمساعدة الحركيين، أبرزهم: إنشاء صندوق للتضامن ولمساعدة الحركيين بقيمة 40 مليون يورو، يهدف إلى تقديم الدعم المالي لهم وتمويل بعض المشاريع الاقتصادية.
لا يفصل المحللون في قراءتهم لإجراء ماكرون الأخير الأمر عن توقيت الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أقل من سبعة أشهر، مفسرين الأمر على أنه طوق نجاة للرئيس الذي ينوي إعلان ترشحه لولاية ثانية، بعد كل الهزائم التي عرفتها ولايته الأولى. كما يحاول خوض حملة انتخابية سابقة لأوانها من باب هذه الشريحة من الشعب الفرنسي.
فيما رأت جريدة لوموند الفرنسية أن الرئيس الفرنسي بدأ يلتجئ إلى شريحة استراتيجية من السكان استعداداً لخوض انتخابات 2022 بعد ولاية أولى لم تعرف سوى الانتكاسات المتتالية.
الشيء ذاته قرأه سياسيون فرنسيون، أغلبية ومعارضة، في إجراء الرئيس. حيث وصفت السيناتورة الجمهورية (أغلبية)، فاليري بويير، خطاب الرئيس بـ”كلمة الحق”. قبل أن تتأسف قائلة: “إنه من المحزن انتظارنا إلى حين اقتراب السباق الانتخابي لنرى الرئيس يقوم بإجراءات جرى رفضها في السابق حينما كان الجمهوريون من يقترحونها”.
على جانب المعارضة، غرَّدت زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، مارين لوبان معلِّقة على الأمر بـ “الكرم الانتخابي” لرئيس الجمهورية الذي “لن يمحو عقوداً من الاحتقار والمساس بذاكرة هؤلاء المحاربين لصالح فرنسا الذين جرى اتهامهم سنة 2017 بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية”. في إشارة إلى خطاب ماكرون أثناء حملته الانتخابية السابقة حين زار الجزائر وقال بأن الاستعمار الفرنسي “ارتكب جرائم ضد الإنسانية” هناك.
تعيد خطوة ماكرون إزاء “الحركيين” إلى الأذهان ما حدث سنة 2016، خلال ظرفية سياسية مشابهة للتي تعرفها فرنسا اليوم، أثناء إحياء “اليوم الوطني لذكرى الحركيين” الذي يحل في 25 سبتمبر/ أيلول من كل سنة. هذا اليوم الذي غالباً لا يثير اهتمام السياسيين، لكن في ذلك الوقت حضرت مراسيمه كل الزعامات السياسية الفرنسية والمرشحين للرئاسيات التي كانت ستبدأ لتوها.
وقتها، أوردت صحف فرنسية بأن علة هذا الحضور هو الرهان الانتخابي على تلك الشريحة من الفرنسيين. بالمقابل يمثِّل “الحركيون” بضع عشرات الآلاف من الأصوات، لكن “التوجه إليهم بالتكريم يحمل رسالة كذلك لشريحة الفرنسيين المزدادين بالجزائر الفرنسية والذين يمثلون أكثر من ثلاثة ملايين صوت”.
وقبلها لم يفت المرشح الرئاسي الاشتراكي فرانسوا هولاند أثناء حملته الانتخابية سنة 2012 تقديم وعود لـ “الحركيين” حيث تعهَّد بـ”الاعتراف بخطأ فرنسا في التخلي عنهم”. فيما يعود ترسيم يومهم الوطني إلى ولاية الرئيس السابق جاك شيراك، الذي قرر تخليد ذلك اليوم في تاريخه المذكور بداية من سنة 2001.
المصدر/ الوقت