قياديون بارزون يستقيلون من “النهضة” التونسية.. الأسباب والتوقعات
أعلن أكثر من مئة قيادي وعضو بارز في حزب النهضة الإسلامي التونسي من بينهم نواب ووزراء سابقون استقالتهم من الحزب، يوم السبت احتجاجا على أداء القيادة.
ووقع 113 عضوا نهضويا استقالاتهم من الحركة، من بينهم قياديون من الصف الأول على غرار عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، ونواب من الكتلة البرلمانية لحركة النهضة مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب بن لطيف، وأعضاء في المجلس التأسيسي على غرار امال عزوز ومنية بن إبراهيم، وأعضاء في مجلس شورى الحركة مثل زبير الشهودي وحمدي الزواري وهيثم شطورو، وأعضاء في المكاتب المحلية والجهوية للحركة.
ويرى المستقيلون أن السبب الرئيسي وراء استقالتهم هو “إخفاقهم في معركة الإصلاح الداخلي لحزب حركة النهضة”، منتقدين تعطل الديمقراطية الداخلية للحركة وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها راشد الغنوشي بالقرار خاصة في السنوات الأخيرة، وهو ما أفرز “قرارات وخيارات خاطئة أدت إلى تحالفات سياسية لا منطق لها ولا مصلحة ومتناقضة مع التعهدات المقدمة للناخبين”.
وقالت القيادية البارزة المستقيلة من حركة النهضة آمال عزوز، إن “أسباب الاستقالة من حركة النهضة عديدة، ولكن أهمها هو استنفاد كل محاولات الإصلاح داخل الحركة، ونحن نقر بهذا الفشل، لم ننجح في الإصلاح داخل النهضة، كنا نناضل ضد تعطيل الديمقراطية في الحركة وتهميش المؤسسات ومركزة القرار والاستفراد به”.
وأوضحت آمال عزوز: “بالنسبة لنا كل ما حصل من الماضي من بقي داخل الحركة ربما يواصلون النضال داخل الحركة للإصلاح، ولكن لم يعد يهمنا ذلك، نحن ننظر للمستقبل، هناك سبب آخر، وهو خيارات وسياسات الحركة الخاطئة، ووجود قيادة حالية سببت عزلة حقيقية”.
وأضافت: “حصل زلزال ما بعد الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، والأمر يتطلب انخراطا في جبهة وطنية مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الحقيقي الذي أقدم عليه الرئيس قيس سعيد”.
بدوره، قال القيادي المستقيل والوزير السابق سمير ديلو: “بيّنّا أسباب الاستقالة في البيان الذي أعلنّا فيه عنها، وهي أساسا استحالة الإصلاح الدّاخلي نتيجة لتعطيل المؤسّسات وانفراد الغنّوشي والمجموعة المحيطة به بالقرار”.
وأضاف متحدثا عن الأسباب: “عزلة قيادة حركة النّهضة في المشهد السّياسي والمدني نتيجة سياساتها التي خلقت الظّروف المناسبة للنّقمة على المشهد السّابق لـ 25 يوليو، ولعلّ الترحيب الشعبي بطيّ تلك الصفحة التي تصدّرتها حركة النّهضة دليل على مسؤوليّتها الكبرى في الوصول إلى الخروج الكامل عن الشّرعيّة الدّستوريّة في 22 أيلول/ سبتمبر 2021”.
وقال القيادي المستقيل من حركة النهضة، محمد بن سالم، إن هذه الاستقالة الجماعية تعود بالأساس إلى فشلهم في اصلاح الحركة من الداخل والتأثير على سلطة القرار فيها منذ ما يزيد عن 8 سنوات.
ولفت بن سالم إلى أن العزلة السياسية التي أضحت عليها حركة النهضة وعدم قدرتها على التنسيق مع القوى الوطنية الأخرى قادت المجموعة المستقيلة إلى التحرر من قيود الحركة من أجل المشاركة في الدفاع عن الديمقراطية والحرية التي ضحى من أجلها المئات من الشهداء وعشرات الآلاف من سجناء الرأي في العهود السابقة.
وتابع “من الأساسي أن لا يتم التفريط في مكاسب الثورة، لذلك فإن الواجب الوطني دفعنا إلى الخروج من حركة النهضة لتعزيز الجبهات الموجودة في الشارع والتي تدافع عن الحرية والديمقراطية وتسعى إلى تخليص البلاد من الحكم الفردي”.
وأضاف “اختيار هذا التوقيت الحساس فرضه الواجب الوطني الذي يقتضي تكاتف كل الجهود لمقاومة الانقلاب وتجميع كل السلطات في يد رئيس الدولة لوحده دون أي رقيب أو سلطة مضادة”.
واعتبر بن سالم أن حرية التعبير أصبحت مهددة في تونس وكذلك الحريات، قائلا “مستقبل البلاد لا يمكن أن يكون مرتهنا بالوعود، فرئيس الجمهورية الأسبق زين العابدين بن علي سبق وإن قال لا ظلم بعد اليوم ورئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد قال لن أصبح دكتاتوريا في مثل هذا العمر، لكن ما تشهده تونس اليوم من تضييق على الحريات ومنع للسفر وفرض للإقامة الجبرية هي بوادر لتشكل نظام دكتاتوري”.
وشدد بن سالم على أن مجموعة المستقيلين لن تلتفت إلى الوراء ولن تنبش في الماضي أو في الخلافات السابقة، مشيرا إلى أن إصلاح حركة النهضة لم يعد من شأنهم بل أصبح على عاتق من رضوا بالبقاء فيها.
ويرى المحلل السياسي، فريد العليبي أن هذه الاستقالة الجماعية من حزب النهضة لم تكن مستغربة باعتبار الانشقاقات والصراعات المعلومة التي شقت صفوف الحركة منذ مدة وأدت إلى انسحاب عدد هام من رموزها وشبابها بسبب الخيارات الخاطئة والسياسات التي اتبعتها والتحالفات التي عقدتها، لتشمل اليوم قيادات معروفة سبق وأن هددت بالاستقالة.
وقال العليبي “إن اختيار هذا الظرف بالذات له علاقة بالأزمة التي شهدتها حركة النهضة على ضوء ما حدث في تونس يوم 25 يوليو بعد أن عبر جزء التونسيون عن رغبتهم في رحيل المنظومة الحالية ومن ضمنها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي”.
وأضاف أن حركة النهضة وجدت نفسها في موضع ضعف بعد أن كانت في موضع قوة، وهو ما قاد عددا من أعضائها إلى القفز من السفينة للحفاظ على “عذريتهم السياسية” وعدم تحمل وزر ما قامت به الحركة من خيارات وتحالفات فاشلة، وفقا لقوله.
وتابع “هؤلاء الذين يقفزون اليوم من سفينة راشد الغنوشي إنما يريدون التأسيس لحزب جديد تم الحديث عنه ولن يكون فقط مكونا من طرف هؤلاء المستقيلين وإنما أيضا من آخرين يشاركونهم نفس الأماني فيما يتصل بالانتخابات القادمة، بمعنى أنهم سوف يخوضون الاستحقاق الانتخابي المقبل تحت راية جديدة”.
وأشار العليبي إلى أن ما يحدث مع حركة النهضة ليس بالحالة السياسية المعزولة عن بقية التجارب الاقليمية في كل من تركيا ومصر، قائلا “أثبتت التجربة أنه كلما اشتدت أزمات الإسلام السياسي فإن الأحزاب الممثلة لهذا التيار تلجأ إلى تغيير التسميات والتشكل من جديد على غرار ما حدث مع حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي أسسه منشقون من حزب الفضيلة الإسلامي”.
وبيّن العليبي أن الاستقالات الجديدة داخل حركة النهضة سيكون لها تأثير على الحركة ولكنها لن تهدد وجودها السياسي على اعتبار أن النهضة تستمد قوتها وبقاءها من رئيسها راشد الغنوشي الذي يمتلك الحقيبة المالية من ناحية وشبكة علاقات واسعة من الداخل والخارج من ناحية أخرى، قائلا “إن حركة النهضة لن تموت بميلاد حزب جديد”.
المصدر/ الوقت