الشارع التونسي بين تخوين المعارضة ومخاوف عودة التضييق
رفع أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد خلال مسيرات مؤيدة له مؤخرا لافتات تتضمن ما أسموه “قائمة الخونة” وتتضمن حركة النهضة والرئيس السابق منصف المرزوقي والأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي، فضلا عن الخبير الدستوري جوهر بن مبارك وعدد من النواب المعارضين لسعيد.
كما تداولت صفحات اجتماعية فيديو يظهر عددا من أنصار سعيد في مدينة “المنستير” (شرق) ينظمون “جنازة لحركة النهضة”، حيث قاموا بحمل تابوت رُسم عليه شعار لحركة النهضة، مرددين عبارات تخوّن الحركة وتدعو للاعتداء على المنتمين لها.
وكتب محمد القوماني النائب عن حركة النهضة “تهديدات ميليشيات الشعبوية وعنفهم خطر داهم على تونس. أوقفوا العبث قبل الانهيار”.
كما اعتبر، في تصريح إذاعي أن المعجم السياسي الذي يعتمده الرئيس قيس سعيد في خطاباته يتسم بالعنف، ودعا سعيد إلى تجميع التونسيين والابتعاد عن منطق الإقصاء، مشيرا إلى أن البلاد بصدد الانزلاق إلى مربع خطير جدا.
وكتب الرئيس السابق منصف المرزوقي “رئيس يمزق وحدة شعبه لأنه لا يعلم أن أولى وظائفه التجميع مثل طبيب يسمم مرضاه لأنه لا يعرف أن مهمته الأولى علاجهم. اسمعوا خطابه وقارنوا مع خطاب أنصاره لتدركوا حجم الجريمة الثانية: تفجير ما كان مطمورا في الصدور من حقد وضغينة وكره وبذاءة وعنف، استعدادا وإعدادا لرمي التونسيين في أعناق بعضهم البعض. هذا هو الفرق بين الثورة والثورة المضادة. بين ثورة 17 ديسمبر (كانون الأول) التي أخرجت أجمل ما فينا وما فيهم، وبين انقلاب 25 جويلية (تموز) الذي فجّر أسوأ ما فيهم وما فينا”.
واستنكر حزب العمال تنامي النزعات الشعوبية الفاشية المعادية للحريات والحقوق، وأجواء التحريض السافل والتخوين التي قال إنها سبقت موجة العنف والإرهاب خلال حكم الترويكا، محملا الرئيس سعيد مسؤولية أي اعتداء يتعرض له رئيسه حمة الهمامي “لمسؤوليته الشخصية في إشاعة خطاب التخوين لمجمل الساحة السياسية دون استثناء ولا تمييز”.
كما أدان “الحملات المتصاعدة في الفضاء الافتراضي وفي تحركات الشارع في حملات تخوين وتكفير وتحريض على مناهضي الانقلاب من أحزاب وجمعيات ومنظمات وشخصيات، وهي حملات تحمل مخاطر جدية وحقيقية لتتحوّل لاحقا إلى أفعال إجرامية تستهدف أمن وكرامة المعنيّين”.
وكتب الخبير الدستوري جوهر بن مبارك “احمّل قيس سعيّد المسؤولية الكاملة والمباشرة عن أي اعتداء يطال سلامتي الجسدية أو سلامة عائلتي وسلامة أي مناضل معارض ورد اسمه في قائمات التخوين والتحريض التي يرفعها ويروّجها أنصاره. وصلنا الى مراحل مخيفة لم نصلها من قبل على الإطلاق”.
وأضاف “الى كلّ حرّ وحرّة. الى كلّ ديمقراطي وديمقراطية. الى كلّ مناضل ومناضلة مهما كان موقفه ممّا جرى: انظروا الى ما يجري الآن قبل فوات الأوان الأهم من الماضي هو الحاضر والمستقبل. مستقبل الدولة المدنية ومجتمع العيش المشترك صار في خطر جدّي غير مسبوق يتعاظم مع كلّ يوم صمت أو مناورة”.
كما أثارت سلسلة حوادث تتعلق بإغلاق قناة تلفزيونية ومحاولة اقتحام منزل الناشط المعارض جوهر بن مبارك فضلاً عن إيقاف صحافيين معارضين للرئيس التونسي، موجة استنكار واسعة في البلاد دفعت عدداً من السياسيين والحقوقيين لاتهام الرئيس قيس سعيد بمحاولة ترهيب معارضيه.
وقامت السلطات التونسية بإغلاق مقر قناة الزيتونة المعارضة وإتلاف معدات البث الخاصة بالقناة، وذلك تنفيذاً لقرار أصدرته هيئة الاتصال السمعي والبصري ضد القناة المقربة من حركة النهضة، والتي قالت إنها تبث خارج إطار القانون.
وجاء القرار بعد ساعات من قيام السلطات باعتقال الإعلامي في القناة عامر عياد، رفقة النائب عبد اللطيف العلوي، عقب توجيههما انتقادات لاذعة للرئيس قيس سعيد.
وكتب غازي الشواشي، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي: “المناخ الذي يطغى عليه خطاب التخوين والترهيب والتخويف وبث الفتنة بين صفوف الشعب الواحد يستحيل معه تحقيق الاستقرار المنشود أو إنجاز أي نوع من الإصلاحات المرجوة، وهو يفتح الباب على مصراعيه نحو عودة الاستبداد في أبشع صوره أو إحلال الفوضى في البلاد أو الانزلاق -لا قدر الله- نحو الاحتراب الأهلي. الحذر كل الحذر قبل فوات الأوان”.
وأضاف رضا بالحاج، المدير التنفيذي لحزب الأمل: “ما حدث اليوم للسيد جوهر بن مبارك وما حدث منذ يومين للصحافي عامر عياد، يؤكد أن نظاماً تسلطياً في أتعس تجلياته بصدد الانتصاب، غير ملتفت لأي اعتبارات، وهو يستهدف كل نفس مخالف، بل أكثر من ذلك؛ أصبح هدفه التخويف والترويع لبسط سلطته على الجميع دون تفرقة، فالدعوة اليوم لكل الديمقراطيين والحقوقيين لوضع حد لترددهم في الوقوف ضد هذه الدكتاتورية الناشئة قبل فوات الأوان”.
ويعبر نشطاء حقوقيون عن مخاوفهم الجدية من استهداف السلطات لـ”حرية التعبير” التي يصفونها أنها المكسب الوحيد لثورة 2011.
وفي هذا الإطار، يقول عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين، سامي نصري، إن “حرية الإعلام باتت مهددة بعد 25 يوليو الذي اعتقد الكثير أنه جاء لتصحيح مسار الثورة قبل أن يتم الانزلاق به”.
وأضاف نصري إن “مثول الصحفيين أمام المحاكم العسكرية أمر غير مقبول ويعد تراجعا عن حرية التعبير وخاصة في ظل وجود قوانين منظمة لمهنة الصحافة وهيئات تعديلية من دورها النظر في الأخطاء المرتبكة”.
ودعا نصري “رئاسة الجمهورية إلى التراجع عن سياساتها إزاء قطاع الصحافة لضمان حرية التعبير المكسب الوحيد لثورة 2011”.
في المقابل، فنّد المحامي رابح الخرايفي الروايات التي تتحدث على وجود حملة لاستهداف حرية الصحافة والإعلام، قائلا إنه “لا يوجد أي استهداف لحرية الإعلام وقد أكد الرئيس في أكثر من مناسبة أنه لا مساس بالحريات”.
وتعهد الرئيس سعيد مرارا بأنه سيحافظ على الحقوق والحريات الواردة في دستور 2014، غير أن منظمات حقوقية وجهت له انتقادات بسبب تضييقات على الصحفيين وإجراء محاكمات عسكرية لمدنيين.
وأشار الخرايفي إلى أن “توقيف الإعلامي بقناة الزيتونة لم يتم على خلفية آرائه بل جاء بسبب اتهامه بارتكاب جرائم بالقول أو بالفعل”، داعيا إلى “عدم الاختفاء وراء يافطة الصحافة للقيام بأفعال يُجرّمها التشريع التونسي”. وتساءل أنه “تم أيضا توقيف محامين وقضاة وصحفيين فهل هذا يعني أن السلطة تستهدف هذه القطاعات”.
المصدر/ الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق