اعتقال الشخص رقم 2 في داعش وضرورات تقوية الحزام الأمني بين بغداد ودمشق
بينما كانت وسائل الإعلام والمراقبون السياسيون يركزون على الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، كشف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 11 اكتوبر عن أحد أعظم إنجازات جهاز المخابرات والأمن العراقي باعتقال أحد أهم قادة داعش.
فبحسب الكاظمي، تم اعتقال سامي جاسم، المشرف المالي لتنظيم داعش الإرهابي ونائب زعيم داعش المقتول أبو بكر البغدادي، في عملية خارج حدود العراق – ربما في تركيا، وفقاً لتقارير بعض وسائل الإعلام.
ورافق اعتقال نائب البغدادي خارج العراق أصداء واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم وذكر كإنجاز كبير للمؤسسة الأمنية العراقية. وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي الرسائل والأبعاد المهمة التي يحملها اعتقال سامي جاسم خارج العراق فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
سامي جاسم من السجون الامريكية الى نائب للبغدادي
سامي جاسم والاسم الكامل سامي جاسم محمد الجبوري، المعروف بـ “حاج حميد” بين الدواعش، يبلغ من العمر 60 عاما تقريبا، من مواليد مدينة الموصل العراقية. كان من أعضاء القاعدة البارزين قبل أن تسيطر داعش على مناطق واسعة من سوريا والعراق. يقال إن سامي جاسم كان مسؤولاً عن تمويل داعش منذ 2014. وكان له دور رئيسي في بيع شحنات النفط والمعادن والآثار المسروقة من المتاحف والمواقع الأثرية في العراق وسوريا.
أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في قائمة الإرهابيين في عام 2015. وقيل أن سامي جاسم قُتل في صيف 2016 بعد عملية مشتركة للقوات الخاصة الأمريكية وكردستان العراق عند معبر القائم الحدودي. وتبين لاحقا أنه لم يكن في ذلك المكان وأن أهداف العملية قد تم تحديدها بشكل غير صحيح.
اعتقل سامي جاسم من قبل القوات الأمريكية في العراق في فبراير 2005 بعد عام واحد من انضمامه إلى القاعدة ، وقضى خمس سنوات في السجن. عاد إلى تنظيم القاعدة في العراق بعد إطلاق سراحه. كان سامي جاسم أيضًا على قائمة “المكافأة من أجل العدالة” الأمريكية. وبعد مقتل أبو بكر البغدادي على يد القوات الأمريكية، بايع سامي جاسم زعيم داعش الجديد أبو إبراهيم الهاشمي.
ضرورات ربط الحزام الأمني بين بغداد ودمشق
في السنوات الأخيرة، أكدت قوات الحشد الشعبي مرارا على زيادة التعاون الأمني بين العراق وسوريا كدولتين يرتبط أمنهما ببعضهما البعض، لكن القوى الغربية ، وخاصة الولايات المتحدة، سعت دائما إلى عرقلة برنامج الحشد الشعبي في الدفاع عن الأمن القومي العراقي خارج حدود هذا البلد. حتى ان جميع الأدلة والتقارير تشير إلى أن واشنطن استخدمت الحدود السورية لنقل الإرهابيين إلى العراق في سياق تنفيذ خططها لزعزعة استقرار العراق.
و يدرك الأمريكيون أنه لن يكون لهم مكان بين المواطنين والمجتمع العراقي بعد قرار مجلس النواب العراقي بطرد القوات الأجنبية من هذا البلد الذي تمت المصادقة عليه في 5 كانون الثاني / يناير 2020. ومع ذلك ، من أجل إيجاد الذرائع والأدوات اللازمة للبقاء في العراق، خلقوا أزمة واستخدموا تهديد تنظيم داعش الإرهابي لتهيئة الأرضية لاستمرار وجودهم.
لكن اعتقال سامي جاسم خارج حدود العراق يؤكد بوضوح رغبة وخطة الحشد الشعبي بأن مكافحة الإرهاب والقضاء على التهديدات الأمنية للعراق تتطلب إجراءات خارج الحدود.
اعتقال سامي جاسم أساس تعميق العلاقة بين بغداد ودمشق
على صعيد آخر، فإن اعتقال سامي جاسم، يسلط الضوء بشكل خاص على أهمية التعاون بين العراق وسوريا كمحورين رئيسيين لتواجد وتخفي عناصر التنظيم الإرهابي . كان قادة تنظيم داعش الإرهابي يترددون على الحدود العراقية السورية خلال السنوات القليلة الماضية وخططوا لتنظيم خلاياهم المخفية في أجزاء مختلفة من البلدين. لكن أمريكا وبعض الدول العربية العميلة حاولوا دائما منع التعاون بين بغداد ودمشق على مختلف المستويات.
لكن التشابك الأمني بين العراق وسوريا بات الأن قضية لا يمكن إنكارها وقد أبرزها اعتقال سامي جاسم أكثر من أي وقت مضى. إن سوريا والعراق، باعتبارهما المركزين الرئيسيين لنشاط الجماعات الإرهابية الأكثر فظاعة في التاريخ، أي داعش، بحاجة بالتأكيد إلى تعاون مكثف للحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية وكذلك داخل المدن. على الرغم من أن بغداد وواشنطن تدركان ذلك وترغبان في التعاون مع بعضهما البعض ، إلا أن داعمي داعش والجماعات الإرهابية الأخرى التي تقودها أمريكا حاولوا دائمًا منع تعزيز التعاون بين البلدين.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، يمكن مشاهدته خلال مؤتمر بغداد الأمني في آب / أغسطس، حيث منع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شارك في المؤتمر نيابة عن الغرب، دعوة دمشق لحضور المؤتمر على الرغم من رغبة الحكومة العراقية ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وحتى بعد القمة، أعلن الكاظمي أنه أبلغ دمشق بنتائج المؤتمر، مما يدل على رغبة الجانبين بتعزيز التعاون الثنائي على مختلف المستويات.
بشكل عام، يمكن القول إن اعتقال سامي جاسم يمكن أن يمهد الطريق لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني بين العراق وسوريا في المستقبل، وهذا سيمهد الطريق لتعزيز العلاقات على مستويات أخرى. أو بالنظر إلى الاحتياجات الأمنية والاقتصادية الموجودة، فإن تعزيز العلاقات ليس مجرد حقيقة لا يمكن إنكارها، بل يمكن ذكرها على أنها ضرورة لتعزيز مكانة وقوة العراق وسوريا في المنطقة.
المصدر/ الوقت