وزير خارجية قطر يشنّ هجوماً حاداً على التطبيع.. ما الذي تخفيه تلك التصريحات
بعد أكثر من عام على دخول بعض العواصم العربيّة في حظيرة التطبيع الأمريكيّة (أبو ظبي، المنامة، الخرطوم، الرباط)، كشف نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطريّ، محمد آل ثاني، مؤخراً أنّ اتفاقيات التطبيع أو ما تُسمى إسرائيليّاً “اتفاقية أبراهام” لا تتلاءم مع سياسة دولة قطر لأنّها لا تقدم أيّ أفق لإنهاء الاحتلال، مضيفاً أنّه “لا يمكن الاعتماد على التطبيع الاقتصاديّ مع اسرائيل ما دام الاحتلال قائماً”، حيث إنّ منهج العدو الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته، يتصاعد يوماً بعد آخر لقتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض.
جوهر المشكلة
خلال كلمه له في اليوم الثاني لمنتدى الأمن العالميّ لعام 2021 المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، قال المسؤول القطريّ أنّ خطوات اتفاقية “أبراهام” لا تتلاءم مع السياسة الخارجيّة لبلاده، ورأى أن الإجراءات الاقتصاديّة التي تتخذها حكومة العدو الإسرائيليّ من أجل تحسين حياة الفلسطينيين لا تساهم إلا في حل جزء صغير من المشكلة، مؤكّداً أنّ القيادة القطريّة لم تشهد السلوك والموقف المناسبين من الكيان الصهيونيّ للتوصل لحل سلمي مع الفلسطينيين، وهذا هو جوهر المشكل بين الدول العربيّة والعدو، وهو احتلال الأراضي الفلسطينيّة.
“طالما لا يوجد أيّ آفاق لإنهاء الاحتلال والتوصل لحل عادل لن تتخذ قطر أيّ خطوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”، هكذا لخص الوزير القطريّ موقف بلاده تجاه التطبيع، حيث إنّ كيان الاحتلال اللقيط منذ ولادته بني على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة.
ويأتي استبعاد المسؤول القطريّ الرفيع تطبيع العلاقات بين بلاده وتل أبيب، على غرار “اتفاقات أبراهام”، في الوقت الذي عبر فيه مسؤولون كبار بوزارة الخارجية الأمريكيّة عن أمل الإدارة الأمريكيّة في أن تساعد اتفاقات التطبيع بين عدو العرب والمسلمين الأول والدول العربية في إحراز تقدم على صعيد حل الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ، في ظل غض الطرف عن تسارع المخططات الاستيطانيّة للكيان الصهيونيّ في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس بشكل كارثيّ خلال السنوات الأخيرة، من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال الغاشم وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي تستمر فيه قوات العدو بمنهج النهب والسلب الصهيونيّ لأراضي الفلسطينيين، يُثبت الصهاينة كل يوم أنّهم لن يكونوا في أيّ وقت مستعدين للقبول بدولة فلسطينيّة على حدود كيانهم السياسيّة وتحويلها إلى تهديد بالنسبة له، مع تجاهلهم لكافة القوانين الدوليّة والإنسانيّة بكل وقاحة وإجرام في الهيمنة على الضفة الغربيّة بأكملها من خلال شراء الوقت وإرهاق الفلسطينيين وتنفيذ سياسات التهجير القسريّ والتوسع التدريجيّ، ناهيك عن المجازر والدمار الذي تسببه الآلة العسكريّة الإسرائيليّة كل مدّة.
تاريخٌ تطبيعيّ
تناقض التصريحات القطريّة الواقع السياسيّ الذي تنتهجه الدوحة مع العدو الصهيونيّ، حيث تتحدث تقارير كثيرة أنّ أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، بعد عام واحد من انقلابه على أبيه وتوليه الحكم، سارع إلى إقامة علاقات مع تل أبيب، وافتتح المكتب التجاريّ في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الصهيونيّ آنذاك، شمعون بيريز، عام 1996، وكان رئيس المكتب يحوز على رتبة سفير في الخارجيّة الصهيونيّة.
إضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطريّ إلى العدو الغاشم، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلاميّ على مدار الساعة وفتح شاشاتها لاستقبال رموز الصهاينة، وفقاً لمراقبين، رغم انتقاداتها بين الفينة والأخرى لممارسات الكيان، وقد كشف عضو “الكنيست” أو البرلمان الصهيونيّ، إيلي أفيدار، والذي تولى رئاسة مكتب التمثيل التجاريّ التابع للعدو في قطر خلال الفترة بين عامي 1999 و 2001 أن قطر تنتهج أسلوب الخداع والكذب في طبيعة علاقاتها القوية مع الكيان الصهيونيّ، مبيناً أنّ النظام الحاكم حاول إيهام شعبه بعدم وجود أي علاقات مع الصهاينة، وروج بأنّ قطر لا توافق على العلاقات مع تل أبيب، في حين أن النظام هو من طلب عقد اتفاق معها، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي بالعاصمة القطريّة.
وفي هذا الشأن، تُحافظ السياسة القطريّة على منهج رئيس وزراء قطر الأسبق وأحد المتحكمين في سياستها حتى اليوم، حمد بن جاسم، التي تلعب على الجبهتين، حيث أكّد الأخير في حوار مع محطة “cnn” يوم مايو/أيار 2013، أنّ بلاده قد تفكر في توقيع اتفاقية “سلام” مع العدو الصهيونيّ إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحتها، فيما كشفت القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، أنّ بن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية العدو السابقة، تسيبي ليفني، في أحد الفنادق بمدينة نيويورك الأمريكيّة، وأكّد التقرير رغبة قطر في إقامة علاقات دبلوماسيّة مع الصهاينة عبر إنشاء سفارات وتمثيل تجاريّ، دون شرط قامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس.
أيضاً، اعترف حمد بن جاسم في حوار مع التلفزيون القطريّ يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 ، بأنّ بلاده أقامت علاقات مع الكيان الغاصب تزلفاً وتقرباً من الولايات المتحدة، وأنّه كان من المهم إقامة علاقة مع تل أبيب كي تفتح لهم أبوابا كثيرة في واشنطن، وبعد تولي تميم بن حمد الحكم في يونيو/حزيران 2013، واصل السير على نهج أبيه، واستمرت قطر في تطبيعها السريّ مع الكيان الصهيونيّ، بحسب تقارير إعلاميّة.
المصدر/ الوقت