التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 2, 2024

ما مدى جدية تهديدات “أردوغان” وماهي أبعادها 

توعّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الاثنين، باتخاذ خطوات للقضاء على “التهديدات” التي تطال بلاده وقواتها من شمالي سوريا.

وقال إردوغان في مؤتمر صحافي: “صبرنا تجاه بعض المناطق التي تُعدُّ مصدراً للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا قد نفد، متوعداً بالقضاء على “التهديدات التي مصدرها من هناك (شمالي سوريا) إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة”.

وقتل ستة أشخاص بينهم مدنيون، الإثنين في انفجار سيارة مفخخة في مدينة عفرين في شمال سوريا، على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتشهد مدينة عفرين ومناطق أخرى واقعة تحت سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال سوريا بين الحين والآخر تفجيرات بسيارات ودراجات مفخخة، ونادراً ما تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. وغالباً ما تتّهم أنقرة المقاتلين الأكراد الذين تصنّفهم “إرهابيين” بالوقوف خلفها.

ولم يحدد إردوغان في حديثه ماهية “القضاء على التهديدات”، أو المناطق التي قد تستهدفها “العملية العسكرية”، بينما تحدث خبراء أمن ودفاع أتراك، الثلاثاء، أن الأيام المقبلة قد تشهد عمليات عسكرية بالفعل ضد مناطق سيطرة القوات الكردية، وأنه من الصعب تحديد نطاقها الجغرافي، إن كانت ستتركز في شرق الفرات أو غربه.

ومنذ مطلع 2018، وعقب عملية “غصن الزيتون” في عفرين، بقيت القوات الكردية محتفظة بالسيطرة على منطقة تل رفعت والقرى والبلدات في محيطها، ضمن ما يسمى بـ”جيب تل رفعت”.

ولطالما هددت أنقرة بالسيطرة على تلك المنطقة “الاستراتيجية”، واعتبرتها تهديدا لأمنها القومي والمناطق التي تديرها جنوبي حدودها.

لكنها، ومع ذلك، لم تتمكن من تحقيق أي هدف على ذاك الصعيد، لاعتبارات تتعلق بالاتفاقيات المبرمة مع موسكو.

هل يفعلها أردوغان ويشن هجوماً داخل الأراضي السورية؟

فعلها أردوغان سابقاً وربما يفعلها مجدداً ولكن ستكون خطوة خطيرة بعد فشل المباحثات التركية-الروسية في سوتشي بشأن مستقبل الوضع في إدلب والوجود العسكري التركي في الشمال السوري عموماً.

الأصعب من هذا الفشل هو الموقف الأمريكي من أردوغان هذه الأيام، حيث فوجئ الرئيس رجب طيب إردوغان بمضمون الرسالة التي بعث بها الرئيس جو بايدن لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتمديد حالة الطوارئ الخاصة بسوريا، والتي سبق أن أعلنها الرئيس ترامب في الـ14 من تشرين الأول/أكتوبر 2019.

بايدن أشار إلى “الفعاليات العسكرية التركية شمال شرق سوريا”، فقال “إن ذلك يعرقل مساعينا للقضاء على داعش، ويمثل خطراً على المدنيين، ويستهدف الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، كما يمثّل خطراً كبيراً على الأمن القومي لأميركا ولسياساتها الخارجية”.

أقوال بايدن هذه يبدو أنها جاءت رداً على تصريحات إردوغان بعد أن عاد بخُفّي حُنين من نيويورك، حيث اتهم بايدن الذي رفض اللقاء به “بدعم الإرهاب”، ويقصد بذلك وحدات حماية الشعب الكردية. وشنّ إردوغان هجوماً أعنف على ممثل بايدن لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، وقال عنه “إنه حامي حمى الإرهاب والإرهابيين، وكأنه المسؤول المباشر عن الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وهو ما يزعجني، لأنه يفعل كل ذلك في منطقة أقاتل فيها الإرهابيين، وقد آن الأوان بالنسبة إلى أميركا للخروج من هذه المنطقة وتركها للشعب السوري”.

المد والجزر في علاقات إردوغان بالرئيس بايدن يعرف الجميع أن لها ماضياً سيّئاً بالنسبة إلى إردوغان وتركيا، حيث اتهم بايدن، عندما كان نائباً للرئيس أوباما في الـ3 من تشرين الأول/أكتوبر 2014، تركيا (ومعها السعودية والإمارات) “بتقديم أنواع الدعم كافة للإرهابيين، من القاعدة والنصرة وأمثالهما، والذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، وتمّ نقلهم إلى سوريا”.

وهي الاتهامات التي كرّرها الرئيس أوباما، ولو بكلمات مختلفة، عندما تحدث هاتفياً مع إردوغان في الـ7 من كانون الأول/ديسمبر 2015، ودعاه “إلى وضع حد نهائي لتسلّل الإرهابيين عبر الحدود التركية مع سوريا”.

ويفسّر ذلك كلام بايدن الأخير عن الدور التركي شمال شرق سوريا، بعد أن اقتنع بأن إردوغان لا يفكر في الانسحاب من المنطقة، كما أنه يرفض أي مبادرة أمريكية وأوروبية لمعالجة المشكلة الكردية، تركياً وإقليمياً، وبشكل خاص في سوريا.

ويقيم في عفرين الآلاف من مقاتلين معارضين ومدنيين تم اجلاؤهم من مناطق سورية عدة اثر سيطرة قوات النظام عليها، على غرار مقاتلين من فصيل “جيش الإسلام” الذي كان يعد الأقوى في الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة سابقاً قرب دمشق.

وكانت منطقة عفرين ذات غالبية كردية وتُشكل ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية قبل أن تسيطر القوات التركية مع فصائل سورية موالية لها عليها في آذار/مارس 2018 بعد هجوم واسع شنّته على المقاتلين الأكراد.

ومنذ العام 2016، سيطرت تركيا وفصائل سورية موالية لها على مناطق حدودية واسعة في شمال سوريا بعد هجمات عدة شنتها ضد مقاتلين أكراد وتنظيم الدولة الإسلامية.

رغم أن الهجمات التي تشهدها مناطق الإدارة التركية في شمال سوريا ليست الأولى من نوعها، إلا أن حالة التزامن فيما بينها ضمن إطار زمني لم يتعد يومين، أثارت جملة من التساؤلات عن الغرض منها، وعما ستفرضه خلال المرحلة المقبلة.

رغم كل التعقيدات التي يشهدها الشمال السوري لا تزال تركيا تواصل العمل على تعزيز نفوذها في شمال سوريا، وذلك بتبني استراتيجية قائمة على تمتين وجودها العسكري، بالتزامن مع دعم تدخل السلطات بالشؤون المدنية والاقتصادية والأمنية لسكان المنطقة، والعمل على “تتريكها”، تمهيدا لضمها بشكل نهائي في المستقبل.

وتعود بداية التدخل التركي في المنطقة لأغسطس 2016، حيث أطلقت أنقرة عملية عسكرية رفعت شعارا ظاهريا تمثل بالقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي.

ومع حلول العام 2017، حققت القوات التركية تقدما كبيرا إذ سيطرت على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، من جرابلس شرقا، واعزاز غربا، والباب جنوبا.

وبدأت الأهداف “الخفية” لتركيا تتضح لاحقا، حيث أعلنت أنقرة أكثر من مرة أنها تريد إيقاف أي توسع للقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة بأي مناطق غربي الفرات.

وبالفعل أطلقت تركيا بالتعاون مع جماعات مسلحة تابعة لها في يناير 2018 عملية عسكرية بالمنطقة، هدفها الأول كان السيطرة على عفرين الخاضعة لحماية المقاتلين الأكراد.

وبعد إحكام سيطرتها على عفرين، بدأت تركيا بتغيير “ديموغرافيا” المنطقة باستبدال الأكراد بآخرين نزحوا من مناطق استعادتها الحكومة السورية من الفصائل التي كانت تدين بالولاء لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

واستندت تركيا أيضا على وثائق عثمانية لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، لبسط نفوذها عليها.

ومن إدلب إلى عفرين في حلب، لم تتوقف الأطماع التركية في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، بذريعة مواجهة الجماعات الكردية المسلحة، التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

ولم يقتصر التدخل التركي في سوريا على قضم الأراضي، بل امتدت الهيمنة التركية لتشمل الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات العامة التي باتت تعج باللغة التركية.

والى جانب التواجد العسكري، وجدت المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة التركية خلال العامين الماضيين، موطئ قدم لها في هذه المنطقة الآمنة نسبيا، شمالي سوريا.

وأنشأت أنقرة على سبيل المثال شبكة كهرباء في مدينة جرابلس، حيث عُلقت صورة للرئيس التركي أردوغان على جدار في مستشفاها الرئيسي المدعوم من أنقرة، وفق تقرير نشرته “فرانس برس” في أكتوبر الماضي.

كما تنتشر في سوق أعزاز محال تبيع البضائع التركية من حلويات وثياب ومواد تنظيف ومشروبات غازية ومواد غذائية كالسمنة والسكر والزيت.

ويحصل بعض السكان على البضائع عبر “المديرية العامة للبريد التركية” الرسمية، التي فتحت مكتبا لها في مدينة أعزاز يعمل فيه موظفون أتراك وسوريون.

ويُسمح في مكتب البريد باستخدام الليرة التركية فقط، التي تراجعت إلى أدنى معدلاتها مقابل الدولار خلال الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من تركيا.

وبنت أنقرة من قبل مستشفيات ورممت مدارس ودربت مقاتلين في شمال غرب سوريا، في حين ذكرت تقارير إعلامية تركية أن الحكومة تعتزم إقامة منطقة صناعية هناك لتوفير وظائف لـ7 آلاف شخص.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق