ماذا يحدث في السودان
اعتقلت القوات المسلحة السودانية في الساعات الأولى من صباح يوم أمس (الاثنين)، خمسة وزراء من الحكومة الانتقالية، بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، أعلن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي اللواء عبد الفتاح البُرهان فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وحلّ المجلس العسكري والحكومة. ووعد بتشكيل حكومة “اختصاصيين” لتحكم السودان حتى موعد الانتخابات المقررة في تموز/ يوليو 2023، وتعهد بأن يتولى الجيش قيادة البلاد حتى انتخاب حكومة مدنية.
تلا هذا التصريح بيانٌ أصدره حمدوك من مكان احتجازه، قال فيه إن تحركات الجيش تمثل “انقلاباً كاملاً”، داعياً الشعب السوداني إلى النزول إلى الشوارع للدفاع عن ثورته بشكل سلمي. وأضاف حمدوك أن القوات العسكرية التي اختطفته وزوجته من منزلهما نقلتهما إلى مكان مجهول.
على أثر هذه التطورات، سارع الاتحاد الأفريقي إلى تعليق عضوية السودان، وأدانت العديد من القوى الدولية الانقلاب ودعت إلى إطلاق سراح حمدوك واستئناف عملية التحول الديموقراطي في البلاد. في غضون ذلك، لاتزال خدمات الإنترنت معطلة في جميع أنحاء البلاد منذ صباح الاثنين.
وقالت وزارة الصحة في السودان أن 7 متظاهرين لقوا مصرعهم بالرصاص واصيب 140 أخرون بجراح خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد ضد الانقلاب العسكري.
التوترات بين الممثلين المدنيين للانتفاضة ضد البشير والجيش قائمة منذ عام 2019، هددت بشكل منتظم الانتقال الهش إلى الديموقراطية في البلاد. على مدى العامين الماضيين، اتهمت الحركة المدنية بانتظام الجيش والجماعات شبه العسكرية الأخرى بمواصلة دعم البشير وتقويض عملية الانتقال في الحكم عن عمد. في آذار/ مارس 2020، نجا حمدوك من محاولة اغتيال ألقي باللوم فيها على أنصار البشير.
في الآونة الأخيرة، شهدت الخرطوم انقلاباً فاشلاً في 21 أيلول/ سبتمبر، ألقى حمدوك باللوم على أعضاء سابقين في نظام البشير بدعم من شركاء “الدولة العميقة” من داخل الجيش وخارجه. لكن الجيش رفض اتهامات حمدوك، واتهم بدوره القيادة المدنية بأنها تسعى إلى “بث الفتنة في صفوف القوات المسلحة”.
وفي الأسابيع الأخيرة، دعا البُرهان إلى حل الحكومة المدنية بقيادة حمدوك، بحجة أن هذه الخطوة ستنهي المأزق السياسي الذي تعاني منه البلاد. في غضون ذلك، أصدرت الأجهزة الأمنية في البلاد حظراً على سفر العديد من المسؤولين المدنيين.
بالكاد بعد شهر من محاولة الانقلاب التي نفى الجيش التورط فيها، أصبح الجيش الآن منفتحاً على جهود لإسقاط الفرع المدني للحكم.
بصمات إسرائيلية في انقلاب السودان
أفادت صحيفة “يسرائيل هيوم”، الاثنين، بأن مصدراً إسرائيلياً مطلعاً على ما يحدث في السودان انتقد موقف الموفد الأميركي إلى منطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، الذي اعتبر في تغريدة له أن الانقلاب في السودان ليس مقبولاً، ومن شأنه المسّ بالمساعدات الأميركية للسودان.
وقالت الصحيفة إن المصدر الإسرائيلي، الذي لم تسمّه، قال إنه في ظل الوضع السائد في السودان، يجدر بالولايات المتحدة دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، وليس رئيس الحكومة المدنية عبد الله حمدوك.
وبحسبه، فإن الانقلاب الذي نفذه البرهان اليوم “كان حتمياً ولا يمكن تفاديه، فمنذ عدة سنوات ورئيس الحكومة من جهة، ورئيس مجلس السيادة من جهة ثانية، يدفعان باتجاهين متناقضين، وكان واضحاً أن الأمر سيصل إلى مرحلة حسم”.
وأضاف المصدر الإسرائيلي أنه على الرغم من أن الاثنين يدركان ضرورة تعزيز السودان علاقاته مع الغرب، فإن الوضع السائد يعيد إلى الأذهان وضع مصر مع نهاية عهد مبارك، فالدولة ليست ديمقراطية، واعتادت حكم فرد مدة ثلاثين عاماً قاده عمر البشير”، مشيراً إلى أن “التطلعات الأميركية للدمقرطة مفهومة، لكن من بين الزعيمين، فإن البرهان هو من يميل إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل أكثر من حمدوك”.
ولفتت الصحيفة في هذا السياق إلى أنه على الرغم من أن السودان هو واحدة من الدول الأربع التي انضمت إلى اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال، المعروفة “باتفاقيات أبراهام”، فإنه لم يقم بخطوات فعلية، ولم يفتتح ممثلية له في إسرائيل، وأحد أسباب ذلك هو معارضة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك للتطبيع مع إسرائيل.
من جهته، لفت باراك رافيد، المراسل السياسي لموقع واللاه الإسرائيلي، إنه ينبغي فحص ما يحدث هناك، فإسرائيل كانت فاعلة في ما يحدث في السودان عبر الموساد ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، وتقف بوضوح إلى جانب العسكر، إذ إن نائب البرهان، الرجل الثاني في السودان، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) يتعاون مع “الموساد” ويعمل معه علانية.
وقال إن الأحداث الجارية في السودان تثير السؤال حول ما قامت به إسرائيل في الأسابيع الأخيرة في السودان ودورها في السياسة الداخلية هناك، خصوصا في ظل الغضب الأميركي من تدخل إسرائيل في السياسة الداخلية للسودان. وكرر أن هناك علامة استفهام كبيرة عما فعلته إسرائيل في السودان مؤخرا، ودورها في الانقلاب.
يبدو أن عسكر السودان لمسوا أن سبيل المسار الانقلابي ليس سالكاً، سواء بسبب المواقف الخارجية، أكان موقف الاتحاد الأفريقي أو الموقف الأميركي، أو بسبب الجاهزية الشعبية، فاختاروا “السياسة”، أولاً بالرهان على تفتت القوى المدنية، وهناك علامات لهذا التفكّك، مثل انشقاق قوى عن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وموقف الحزب الشيوعي السوداني. ثانياً من خلال ترتيب مواكب موالية للجيش، تطالب بتوسيع الشراكة، بغرض إدخال قوى أخرى مساندة للجيش، وإشاعة حالة شارع ضد شارع. ثالثاً، من خلال إجراءات خشنة، مثل تقييد حركة بعض الوزراء وبعض مسؤولي “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد” التي تهدف إلى تفكيك النظام القديم، إضافة إلى عرقلة عمل اللجنة، بإصدار تعليمات بانسحاب القوات العسكرية التي تقوم بمهمة حراسة العقارات والأصول المستردّة من عناصر النظام القديم.
يشير هذا كله إلى أن خطر انقلاب الجيش على الوثيقة الدستورية يبقى قائماً، ويعزّزه تشتت القوى الديمقراطية وتباين مواقفها في الصراع الجاري، وهو ما قد يكلفها غالياً، ويعيد دورة الصراع إلى نقطة البداية.
المصدر/ الوقت