أبعاد وأهداف رحلة عمران خان إلى الرياض
سافر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى المملكة العربية السعودية في 23 أكتوبر 2021 – أمس – لحضور قمة بعنوان “مبادرة الشرق الأوسط الخضراء”. في هذه الرحلة التي استغرقت ثلاثة أيام، والتي تمت بدعوة من ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، رافق عمران خان وفد سياسي رفيع المستوى يضم وزير الخارجية شاه محمود قريشي والعديد من أعضاء الحكومة الباكستانية. وكان عمران خان قد وصل إلى الرياض سابقًا في زيارة تستغرق ثلاثة أيام للقاء كبار المسؤولين السعوديين خلال زيارته السابعة للسعودية في 7 مايو 2021، لتقوية وتيسير العلاقات بين الجانبين، لكن الغيوم الداكنة من انعدام الثقة لا تزال تطغى على العلاقات بينهما. مع وضع هذا في الاعتبار، فإن السؤال المهم الآن هو ما الذي سيتبعه عمران خان في رحلته الجديدة إلى الرياض، وما التوقعات والمطالب التي يريدوها الحكام السعوديون من باكستان؟
الأهداف الاقتصادية الخاصة بالهندسة المدنية خلال الرحلة إلى الرياض
يمكن تقييم الغرض الأول وربما الأهم من زيارة عمران خان إلى المملكة العربية السعودية هو فيما يتعلق بأهدافه الاقتصادية من أجل إقناع محمد بن سلمان بمواصلة الاستثمار في باكستان. حقيقة الأمر أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سافر إلى عدة دول آسيوية، بما في ذلك باكستان، بهدف استعادة ثقة المجتمع الدولي بالمملكة العربية السعودية، ووعد الباكستانيين باستثمار المليارات في النفط والبنية التحتية والطاقة، لكن لأن التوترات السياسية الناجمة عن استعداد إسلام أباد لحضور اجتماع رباعي مع إيران وتركيا وماليزيا أفشلت محاولة عمران خان الآن إقناع بن سلمان بمواصلة هذا النهج والوفاء بوعوده. إلى حد كبير، من وجهة نظر إسلام أباد، تلعب المملكة العربية السعودية دورًا مهمًا في اقتصادها. تستضيف المملكة العربية السعودية الآن 2.5 مليون باكستاني، موفرة أكثر من 6 مليارات دولار سنويًا لإسلام أباد. المملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر لتحويلات النقد الأجنبي إلى باكستان. بالإضافة إلى ذلك، تبلغ التجارة الثنائية السنوية لباكستان مع المملكة العربية السعودية 4 مليارات دولار، بما في ذلك بشكل أساسي واردات النفط من المملكة العربية السعودية. في مثل هذه الحالة، يبدو أن عمران خان يستثمر بجدية في زيادة مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفي رحلته الأخيرة يسعى للحصول على تنازلات اقتصادية كبيرة من حكام السعودية.
استمرار التحالف السياسي مع إسلام أباد
تعد باكستان، التي يزيد عدد سكانها عن 220 مليون نسمة، من أهم الدول السنية في العالم الإسلامي، كما أن قربها الجغرافي من الشرق الأوسط العربي أعطاها دورًا أكثر أهمية في المنطقة العربية، كما حدث في السنوات الأخيرة من دعم لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة تركيا وقطر، ويميل الفصيل المناهض للإخوان بقيادة السعودية والإمارات إلى الإبقاء على إسلام أباد حول تحالفاته الخارجية. في السنوات الأخيرة، لعبت باكستان الدور الجغرافي الأكثر أهمية في الترويج للأيديولوجية الوهابية للمملكة العربية السعودية، من خلال فتح المدارس الدينية التي يمولها السعوديون. شكل الطلاب المتخرجون من هذه المدارس جوهر تشكيل الجماعات الجهادية السلفية، التي يعتقد الكثيرون أنها لا تزال أدوات حرب بالوكالة للرياض لتقويض مصالح منافسيها الإقليميين.
رفع مستوى التعاون العسكري ورؤية الرياض لتحقيق حلم السلاح النووي
على الرغم من عدم تعاون باكستان مع السعودية في السياسة الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بنوع الانخراط في الحرب اليمنية والعلاقات مع إيران، يحرص المسؤولون في الرياض على زيادة التعاون العسكري مع باكستان. على مدى السنوات القليلة الماضية، أبدت المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بالتعاون العسكري مع باكستان في أبعاد مختلفة، وحاولت إشراك إسلام أباد في الائتلافات العسكرية والأمنية تحت قيادتها. ومن أبرز مظاهر التعاون العسكري بين السعودية وباكستان في هذا الصدد مشاركة إسلام أباد في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي أسسته السعودية. بالإضافة إلى ذلك، كان للمملكة العربية السعودية اهتمام خاص بتدريب قواتها من قبل الضباط الباكستانيين. على مدى العقد الماضي، تم نشر حوالي 2000 عسكري باكستاني لتدريب القوات السعودية. نقطة أخرى جديرة بالملاحظة هي أن الجنرال المتقاعد رحيل شريف، رئيس الأركان السابق للجيش الباكستاني، مسؤول عن منظمة عسكرية تقودها السعودية تضم 41 دولة تسمى التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب. في السنوات الأخيرة، أجريت عدة مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين. وأجريت آخر مناورة مشتركة بين السعودية وباكستان في 2 أكتوبر 2021 بمشاركة البحرية السعودية في تدريبات عسكرية مع القوات الباكستانية، والتي شاركت فيها القوات الجوية السعودية لأول مرة بمقاتلات F-15 SA. حتى قبل التمرين، أجرى محمد بن سلمان محادثات مع قائد الجيش الباكستاني قمر الدين جاويد لتعزيز العلاقات العسكرية بين الرياض وإسلام أباد. كما تسعى المملكة العربية السعودية إلى توسيع برنامجها النووي عبر باكستان باعتبارها القوة الوحيدة المسلحة نوويًا في العالم الإسلامي. على مدى السنوات القليلة الماضية، أظهر الكشف عن بعض التفاصيل الخفية لبرنامج المملكة العربية السعودية النووي بوضوح جهودها لامتلاك قنبلة ذرية. في الواقع، يعتزم السعوديون في خطتهم الطموحة أن يصبحوا ثاني دولة إسلامية نووية لتصبح القوة الأولى في المنطقة، وبالتالي تحويل ميزان القوى لصالحهم. حتى في السنوات الأخيرة، كان التعاون النووي السعودي مع الصين لبناء القدرة الصناعية اللازمة لإنتاج الوقود النووي لافتاً للنظر. حتى أن هناك أدلة على أن المملكة العربية السعودية تمتلك حاليًا صواريخ DF-3 (Dong Feng 3) الصينية القادرة على حمل رؤوس حربية نووية متوسطة المدى. في مثل هذا الوضع، يبدو أن الرياض لديها لمحة عن امتلاك أسلحة نووية عبر باكستان وتريد تقوية العلاقات بين البلدين في هذا المجال.
رؤية غير واقعية
في الوقت الحاضر، يحاول المسؤولون السعوديون تصوير العلاقات السعودية الباكستانية في شكل تحالفات استراتيجية وتعاون شامل، لكن رغم كل الدعاية والمصالح المشتركة الظاهرية، فإن مستوى العلاقات الثنائية والقضايا بين البلدين على مستوى السياسة الكلية تشير إلى أن تلك التوقعات لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع. على الرغم من العلاقات القوية، فقد رفضت باكستان في السنوات الأخيرة الانضمام إلى التحالف العربي بقيادة السعودية لغزو اليمن في عام 2015، ولم تنضم إسلام أباد إلى حصار قطر، ولم تشارك باكستان في النزاع بين الرياض وطهران، بالإضافة إلى علاقات إسلام أباد الوثيقة مع الحكومة التركية، ويشير جميع ذلك إلى دحض الادعاء بأن بوجود علاقات استراتيجية بين البلدين.
ومن ناحية أخرى، فإن عدم دعم السعودية لباكستان في قضية كشمير ومنع الجامعة العربية من الدخول في أزمة إسلام أباد مع الحكومة الهندية هو دليل واضح على الفجوة في العلاقات وصنع السياسات بين البلدين. في الواقع، أدى رفض منظمة التعاون الإسلامي الخاضعة للنفوذ السعودي اتخاذ مبادرات أوسع بشأن قضية كشمير، والتي تعد بكل الوسائل قضية رئيسية في السياسة الباكستانية، إلى تقويض العلاقات الثنائية. يظهر مجموع هذا التحليلات بوضوح أن هناك فجوة كبيرة في السياسة الخارجية لإسلام أباد والرياض، وهذا يمكن أن ينفي الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين.
المصدر/ الوقت