الأزمة الدبلوماسية بين السعودية ولبنان… الأسباب والأبعاد
عقب نشر تصريحات وزير الإعلام في حكومة ميقاتي الأسبوع الماضي، والتي انتقد فيها هجوم التحالف السعودي على اليمن وأشاد بمقاومة اليمنيين، تتصاعد التوترات السياسية بين السعودية ولبنان الآن لتتحول إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، مع الإعلان عن طرد السفير اللبناني واستدعاء السفير السعودي من بيروت.
لطالما سعت السعودية إلى لعب دور في التطورات في لبنان كساحة تنافس إقليمي مع محور المقاومة، وهي تظهر نفسها كلاعب مؤثر في المشهد السياسي لهذا البلد الصغير ولكن المهم في منطقة غرب آسيا.
ومع ذلك، كانت العلاقات بين الرياض وبيروت مضطربةً للغاية في السنوات الأخيرة، والمثال الواضح علی ذلك هو الاعتقال الغريب لرئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري على الأراضي السعودية وإجباره على الاستقالة في عام 2017، مما أثار جدلاً واسعاً.
وخلال الأزمة الاقتصادية الكبيرة في لبنان، والتي أدت إلى احتجاجات شعبية وأزمة سياسية استمرت 13 شهرًا في البلاد، سهَّل السعوديون ظروف تصعيد عدم الاستقرار في البلاد، خاصةً عبر توقف المساعدات المالية السابقة للبنان.
لکن الآن، دخلت قصة غضب الرياض من بيروت الممتد منذ عدة سنوات مرحلة قطع العلاقات السياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هو هدف السعودية من قطع العلاقات الدبلوماسية مع بيروت؟ ولماذا أصبحت تصريحات الوزير اللبناني ثقيلةً على السعوديين رغم الطابع غير الرسمي لتصريحاته؟
في السنوات الأخيرة، حاولت السعودية بناء الإجماع ضد منافسيها الإقليميين في مناسبتين على الأقل، وهما قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران(2015) وقطر(2017).
والآن، هل يشير تعاون البحرين مع السعودية إلى تكرار مساعي السعوديين لتبني مثل هذا المسار ضد بيروت؟ وأخيرًا، هل سيجبر تحرك السعودية حكومة ميقاتي على التراجع؟
قلق السعودية من توسيع نطاق الانتقادات لحرب اليمن
لا شك أن جزءاً من غضب الرياض على تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، في حين صرح رئيس الوزراء بنفسه أن موقف الوزير لا يعكس وجهات نظر الحكومة اللبنانية، يعود إلى ضغوط واسعة على الحكومة السعودية لزيادة الانتقادات الدولية بشأن استمرار الجرائم بحق الشعب اليمني.
رغم التكاليف المالية الباهظة لست سنوات من الحرب وقتل المدنيين والحصار اللاإنساني لليمن، السعوديون الذين لا يرون أي نتائج من هذه الحرب ويجدون أن أمنهم العسكري والسياسي ومصداقيتهم تضيع في أعقاب الحرب اليمنية، قلقون للغاية من انتقال الانتقادات إلى المواقف الرسمية لحكومات العالم العربي؛ لأنه في هذه الحالة، فإن الادعاء الكاذب بکون الحرب علی اليمن تحظی بالشرعية الدولية سيصبح باطلاً أكثر فأكثر، وهذا ما سيعزز المقاومة اليمنية.
لا شك أن العديد من الحكومات العربية والإسلامية تنتقد أداء السعودية في الحرب اليمنية، كما يتضح ذلك من عدم وجود حضور حقيقي في التحالف السعودي.
وعليه، يظهر الرد السعودي أن الرياض ترى أن عدم المواجهة الجادة مع الوزير اللبناني(كدولة عربية صغيرة) يؤدي إلى بدء دومينو خطير تجرؤ علی إثره الدول الإسلامية والعربية الأخرى على اتخاذ الموقف ضد الحرب اليمنية.
يبدو أن طرد السفير اللبناني ومرافقة البحرين، والذي قد يؤدي إلى إجراء مماثل من الإمارات، محاولة لتذكير اللبنانيين بموضوع المواجهة المشتركة مع قطر، والشروط المشددة التي حددتها الدول المحاصِرة لإعادة بناء العلاقات مع الدوحة.
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية واسعة النطاق، ويسعى حكامه الجدد للحصول على دعم مالي من الدول الخليجية للتغلب على مثل هذه الأزمة. وفي هذا الوضع، تسعى الرياض لإجبار حكومة ميقاتي على إقالة وزير الإعلام لإظهار قوتها ضد منتقدي الحرب اليمنية.
أوراق السعودية المحروقة في لبنان
ما شهدناه عن طريقة ضغط السعودية على الحكومة اللبنانية، وكذلك أهداف طرد السفير اللبناني، يمكن اعتباره فشلاً لأسباب مختلفة.
أولاً، القول بأن السعوديين كانوا الخاسرين الرئيسيين في حصار قطر والأزمة الدبلوماسية معها، راسخ على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ففي حين استطاعت قطر الحفاظ على استقلالها وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، من خلال مقاومة المطالب غير المشروعة والتدخلية للدول المحاصِرة بقيادة الرياض، لم يعد السعوديون قادرين على تقديم أنفسهم قادة مجلس التعاون، حتى على مستوى الدعاية والشکل.
وعليه، بينما أضرت قصة اعتقال الحريري واستقالته بالكرامة الوطنية اللبنانية وغضب الجمهور من رئيس الوزراء الأسبق، فإن تراجع الحكومة الجديدة الآن أمام تدخل الرياض يمكن أن يثير الغضب العام مرةً أخرى.
وثانيًا، لا يجب أن نتجاهل حقيقة أن الرياض فقدت عمليًا ورقة الضغط الأهم على الحكومة اللبنانية في السنوات الأخيرة، بقطع دعمها المالي للبنان.
كما لا يبدو أن التهديد بقطع التجارة له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي للبنان، في حين أن الإمارات والصين واليونان وإيطاليا وتركيا هم أهم شركاء لبنان الاقتصاديين.
المصدر/ الوقت