دور مصر في تطورات اليمن… الأهداف والمصالح والآفاق
في الأشهر القليلة الماضية، يمكننا أن نرى اهتمام مصر الكبير والمتزايد بتطورات الأزمة اليمنية.
وفي هذا الصدد، فإن أهم التطورات والإجراءات الدبلوماسية لمصر، هي دعوة القاهرة لرئيس الوزراء اليمني المستقيل في يوليو 2020، لقاء سفير مصر غير المقيم باليمن برئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر 2020، وزيارة وفد يمني إلى القاهرة منتصف أكتوبر ضمَّ وزراء النفط والتعاون الدولي والاتصالات والنقل والصحة العامة والسكان.
ويرى المراقبون في ذلك مؤشرات على رغبة مصر في لعب دور أكبر في اليمن وتعزيز وجودها في جنوب البحر الأحمر، للحد من المخاوف والتهديدات المتزايدة للأمن القومي المصري، ولا سيما تلك التي يُنظر إليها على أنها نتيجة لتدخل تركيا المتزايد في اليمن.
وفي هذا الصدد، أعلن “العربي الجديد” مؤخرًا عن عقد اجتماعات بين مسؤولي جهاز المخابرات المصرية ووفد من قيادات أنصار الله بناءً على طلب الجانب المصري، بهدف استعراض التطورات في اليمن.
وبحسب العربي الجديد، ناقش الاجتماع ضربات أنصار الله الأخيرة بطائرات مسيرة على السعودية، وإمكانية التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية.
كقوة عسكرية وسياسية في العالم العربي، شاركت مصر تاريخياً بنشاط في التطورات في اليمن، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى دعم القاهرة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل توحيد شمال وجنوب البلاد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أهم دوافع وأهداف ومصالح مصر للعب دور أكبر في مستقبل التطورات في اليمن؟ وأساساً، كيف يمكن تصوير طبيعة هذا الدور؟
مصالح مصر في تطورات اليمن
تكثيف التحركات السياسية للقاهرة للعمل مع الفاعلين المحليين في التطورات اليمنية، يظهر رغبة القاهرة في تسريع عملية المشاركة وزيادة حضورها على الساحة اليمنية، بما يساعد على تعزيز مكانتها في المنطقة.
ما يجعل اليمن مهماً لمصر من حيث العمق الاستراتيجي والأمن القومي ومجال النفوذ الحيوي، هو قبل كل شيء الاهتمام الأمني بحماية الخطوط البحرية في باب المندب، والحد من النفوذ المتزايد للقوى الإقليمية المتنافسة مثل تركيا.
يعتبر مضيق باب المندب الاستراتيجي ذا أهمية كبيرة لمصر. وسبق أن أعلن المسؤولون المصريون أن مصر لن تتسامح مع أي تدخل في مضيق باب المندب، الذي يربط قناة السويس بخليج عدن وشبه الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر.
وفي إحدى المقابلات التي أجراها كمرشح رئاسي، وصف اللواء السيسي البحر الأحمر بـ “البحيرة العربية”، وبالتالي قال إن نشر قوات المارينز المصرية كـ “شرطتها” لا ينبغي اعتباره تدخلاً عسكريًا أجنبيًا. کما قال السيسي في تصريح آخر إن مضيق باب المندب مسألة تتعلق بـ “الأمن القومي لمصر والعرب”.
ومع ذلك، فإن الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدول الخليجية، وخاصةً السعودية، بصفتها الرعاة والشركاء التجاريين للقاهرة وحلفائها العرب، هو جزء آخر من اهتمام مصر بتحديد سياستها في مواجهة التطورات في اليمن.
السيسي، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب مدعوم من المخابرات السعودية والإماراتية، قال في أول خطاب له بعد الانتخابات، إنه يتبع التقليد المصري المتمثل في اعتبار أمن الخليج الفارسي جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي لمصر.
علاقات السعودية وثيقة ومرنة مع الجهاز العسكري المصري بشکل خاص. وقد استمرت التدريبات والزيارات العسكرية المشتركة حتى في ظل توتر العلاقات السياسية بين البلدين في ظل حكومة الإخوان(التي كان السيسي وزيراً للدفاع فيها).
لكن، كما هو الحال في معظم الملفات الإقليمية التي كانت مصر على استعداد للتدخل فيها، فإن عنصر المواجهة مع تركيا هو جزء لا يمكن إنكاره من اهتمام القاهرة بالمشاركة في تطورات اليمن.
العوامل التي دقت ناقوس الخطر للقاهرة، هي الخوف من التدخل التركي المباشر، أو عبر ذراع الإخوان المسلمين في اليمن(حزب الإصلاح) لفتح جبهة ثالثة ضد مصر في باب المندب إلى جانب ليبيا وإثيوبيا، وخاصةً بعد ظهور العديد من بوادر التدخل التركي المتزايد في الشأن اليمني، وبشكل رئيسي من خلال إنشاء وتمويل معسكرات لحلفائها في حزب الإصلاح بمحافظة تعز المطلة على البحر الأحمر، فضلاً عن جهود أنقرة لتعزيز وجودها في البحر الأحمر وخليج عدن، وربما الأهم من ذلك قيادة فرقة العمل المشتركة 151 (CTF-151) لمكافحة القرصنة في خليج عدن وسواحل الصومال في المحيط الهندي (بين 25 يونيو و 10 ديسمبر 2020).
وفي هذا السياق، في 25 يناير 2021، مددت تركيا وجود قواتها الجوية والبحرية في خليج عدن والمياه الإقليمية الصومالية وبحر العرب والمناطق المجاورة لمدة عام آخر.
صعود القاهرة لإحياء مكانتها التاريخية في تطورات العالم العربي
بعد عقد من الاضطرابات الداخلية، تسعى مصر لاستعادة دورها السابق كلاعب رئيسي في المنطقة.
وقد عزَّز الاستقرار المحلي المتزايد، وتحسين الآفاق الاقتصادية، وخفض التصعيد الأخير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، شعور القاهرة بالثقة بالنفس.
في الماضي، كانت مصر لاعباً رئيسياً في تطورات الشرق الأوسط. وبفضل حجمها وموقعها الجغرافي وقوتها العسكرية، يمكن أن تؤثر على العديد من التطورات الإقليمية.
لكن لم يكن هذا هو الحال في العقد الماضي، حيث كانت مصر غائبةً نسبيًا في الدبلوماسية الإقليمية.
خلال هذه الفترة، أدى الانخراط في الاضطرابات السياسية الداخلية(الصراع علی السلطة في الداخل) والاقتصاد المتدهور، بالإضافة إلى الانخراط في مواجهة الإرهاب في صحراء سيناء، إلى تحويل انتباه القاهرة عن السياسة الخارجية.
وخلال هذه الفترة، شكلت السياسة الداخلية – وخاصةً برنامج السيسي السياسي المناهض للإسلام وسنوات من الجهود المبذولة لإخراج الإخوان المسلمين من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر – خطوط السياسة الخارجية، والتي كان أبرز مظاهرها المشاركة في تحالف محاصرة قطر.
على مدار عقد من الزمان، سارت مصر إلى حد كبير خلف البلدان الأصغر والأغنى الغنية بالنفط مثل الإمارات، التي دخلت في منافسة شرسة مع قطر.
لكن التطورات الإقليمية والدولية خلال العام الماضي غيرت موقف قادة القاهرة لتنشيط السياسة الخارجية، بهدف استعادة مكانتها التاريخية كلاعب إقليمي قوي.
هذه التطورات تشمل بشكل أساسي الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، وتهدئة التوترات مع تركيا، ورفع الحصار عن قطر وحل “أزمة الخليج الفارسي”، ووضع خارطة طريق سياسية لإنهاء الصراع في ليبيا، والعمل على استئناف محادثات السلام في اليمن.
کما أن التهديدات الرئيسية على طول حدود مصر، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بالأمن المائي في الجنوب والحرب في ليبيا، دفعت القاهرة إلى إعادة التعامل مع الغرب.
لم تكن شراكة مصر مع الإمارات(وبالتالي السعودية)، تحالفًا غير مشروط أبدًا. فعلى الرغم من أيديولوجيتهما المشتركة، اتبعت مصر والإمارات أهدافًا مختلفةً في السياسة الخارجية على مدار العقد الماضي، وأحيانًا بأجندات متضاربة. على سبيل المثال، رفضت القاهرة في عام 2015 إرسال قوات لدعم التحالف العربي في اليمن.
وكان القادة العسكريون المصريون مصرين علی معارضة هذا الطلب، حيث كانوا على دراية بإرث الحرب اليمنية في الستينيات، والتي قُتل فيها آلاف الجنود المصريين.
كما واصل السيسي بعد وصوله إلى السلطة دعم الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من معارضة بعض الدول الخليجية لحكمه.
کذلك، عمل السيسي خلال العام الماضي على تنشيط محور حلفاء مصر السابقين، بما في ذلك الأردن والعراق وسوريا، وكان إنشاء شبكة للتعاون في مجال الاقتصاد والطاقة بدايةً لمثل هذه السياسة.
إن عودة “مصر” رسالة يريد مسؤولو السياسة الخارجية المصرية إرسالها إلى نظرائهم حول العالم. إذ دفع التغيير في الديناميات الإقليمية مصر نحو سياسة خارجية أكثر نشاطًا.
ولا شك أن محاولة استعادة الدور التاريخي في تطورات اليمن، جزء آخر من إستراتيجية استعادة دور مصر كقوة عظمى في العالم العربي.
وفي إطار جهودها لتفعيل دورها واستعادة مكانتها في اليمن، تسعى مصر إلى تعزيز العلاقات مع الحلفاء السابقين وتوسيع دائرة الأصدقاء المحليين، کما تريد إظهار نفسها كحليف موثوق به.
على سبيل المثال، تظهر الأدلة المتوفرة أن القاهرة تعمل على دعم بعض الشخصيات السياسية، وعلى وجه الخصوص رئيس الوزراء اليمني “معين عبد الملك” ورئيس البرلمان “سلطان البركاني”، وهما شخصيتان تشتركان مع القاهرة في رفض التأثير المتزايد لتركيا وحلفائها في حزب الإصلاح.
بحسب تقرير لوزارة الخارجية المصرية بشأن أهم نتائج الزيارات العديدة لمسؤولي الحكومة اليمنية إلى القاهرة عام 2020، فقد نوقش خلال هذه الزيارات جوانب دعم مصر لليمن، وخاصةً استخدام الخبرة المصرية في إعادة إعمار المؤسسات الحكومية اليمنية، وتم الاتفاق على تطوير التعاون في مجالات النقل والكهرباء والطاقة.
كما أرسل الجيش المصري طائرتي إسعاف طبي إلى عدن بعد أيام قليلة من زيارة معين عبد الملك للقاهرة، لمكافحة جائحة فيروس كورونا.
من ناحية أخرى، فإن لقاء السفير المصري لدى السعودية مع عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي ركَّز على تشجيع استمرار التعاون مع الحكومة المستقيلة واتفاق الرياض، يظهر اهتمام القاهرة المتزامن بالحفاظ على العلاقات مع الجنوبيين، الذين يتطلعون الآن للحصول على دعم حلفائهم القدامى لإعلان الاستقلال.
آفاق دور مصر في اليمن
في ضوء ما سبق، يتلخص منظور التدخل المصري في الأزمة اليمنية على النحو التالي:
قد يؤدي تزايد التدخل التركي في الصراع اليمني، بما في ذلك دعم ميليشيات حزب الإصلاح، إلى إجبار مصر على المشاركة بنشاط في كبح جماح تركيا في اليمن، من خلال دعم وتدريب معارضي حزب الإصلاح في الساحل الغربي وجنوب اليمن، وزيادة النشاط في المياه الإقليمية اليمنية.
وفيما يتعلق بأنصار الله، فقد أظهرت القاهرة أنها لا تخشى سيطرة الحرکة على الساحل الغربي لليمن، لأن حكومة صنعاء بعثت رسائل متعددة لطمأنة القاهرة بشأن أمنها القومي ومصالحها، في الحفاظ على التدفق المستمر للملاحة عبر قناة السويس.
کما واصلت القاهرة سعيها إلى لعب دور الوساطة بين مختلف الجهات الفاعلة في الصراع اليمني، على الرغم من مشاركتها الاسمية في التحالف العربي وإدانتها للتدابير اليمنية الرادعة ضد المنشآت العسكرية والاقتصادية السعودية.
وفي هذا الصدد، يبدو أن القاهرة تواصل الحفاظ على قنوات الاتصال مع أنصار الله. حيث أنه في ديسمبر 2020، تم الإفراج عن نقيب مصري نتيجة المفاوضات بين صنعاء والقاهرة. وفي وقت سابق أيضًا، أفرجت صنعاء عن 32 مصريًا في فبراير 2020، وعشرات آخرين في السنوات السابقة.
وفي ظل هذه الظروف، بإمکان السعودية في إطار محاولاتها الخروج من المستنقع اليمني، منح القاهرة هذه الفرصة لتصبح وسيطًا نشطًا في التطورات اليمنية، جنبًا إلى جنب مع جهات فاعلة أخرى مثل عمان والأردن.
المصدر/ الوقت