اجتماع رئيس المخابرات السعودي بنظيره السوري.. النتائج والأبعاد
تعود الدول العربيّة التي قاطعت وحاربت سوريا لسنوات طويلة إلى التواصل مع سوريا عبر الطريق الدبلوماسيّ، والدليل على ذلك الاجتماع الذي عقده مدير إدارة المخابرات العامة السورية، حسام لوقا، مع رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان في مصر، على هامش “المنتدى العربيّ الاستخباراتيّ” في العاصمة المصرية القاهرة والذي يعد الأول من نوعه في المنطقة، حيث انتشرت صور تجمع المسؤولين السعوديّ والسوريّ في اجتماع رسميّ، وعلى ما يبدو فلإنّ الاستعدادات جاريّة لاستئناف العمل الدبلوماسيّ مع سوريا، في تغير متوقع من الناحيّة السياسيّة، وقد سبق تلك الدول تقارب بين سوريا والأردن ومصر.
لا يخفى على أحد أنّ السعودية مولت المعارضة السوريّة والجماعات الإرهابيّة المسلحة في البلاد لسنوات طويلة، وسعت بكل قوتها لإسقاط الدولة السورية وعلى رأسها الرئيس السوريّ، بشار الأسد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون من خلال الطريق الدبلوماسيّ، في ظل مطالبة من أهم الدول العربيّة بعودة سوريا إلى مقعدها بما تُسمى “جامعة الدول العربية”، بعد أن أفلست بعض الدول العربيّة التي دعمت الإرهاب في سوريا، تحت شعار “حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة”، في توافق عربيّ (شبه تام) على إعادتها إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربيّة بدلاً من استمرار عزلها، خاصة مع تغير الأوضاع السياسيّة والعسكريّة لصالح الأسد.
وبالتزامن مع التكهنات التي أثيرت بشدّة على مدار الأيام الماضية حول تطور العلاقات بين سوريا والسعوديّة على خلفية تقارير إعلاميّة كثيرة تحدثت عن لقاء جمع وفدين أمنيين من البلدين قبل 3 أشهر من أجل افتتاح السفارة السعودية في العاصمة السوريّة دمشق، يبدو أنّ سوريا بالفعل وصلت إلى بداية نهاية أزمتها التي دخلت عامها الحاديّ عشر، نتيجة الانتصارات الميدانيّة الهامة التي حققتها سوريا وحلفائها خاصة في محور المقاومة بعد 10 سنوات من الحرب عليها، والتي تسببت في إزهاق أرواح مئات آلاف السوريين، ونزوح وتشريد ملايين السكان داخليّاً وخارجيّاً، وألحقت أضراراً هائلة بالاقتصاد السوريّ ودمرت البنى التحتية في مناطق كثيرة في البلاد.
ومن الجدير بالذكر أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ عجت بصورة المسؤولين في الاجتماع الذي حضره الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وشارك به عدد من رؤساء أجهزة المخابرات العربيّة، لبحث الكثير من الملفات في المنطقة والعالم، في مفارقة أثارت استغراباً وتفاعلاً شعبيّاً كتلك التي أحدثتها زيارة الوفد السعوديّ برئاسة رئيس المخابرات، خالد الحميدان، إلى دمشق قبل مدة، والتي التقى فيها مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ونائب الشؤون الأمنيّة، اللواء علي المملوك، لتمهيد فتح السفارة السعودية لدى دمشق واستعادة العلاقات على كافة المستويات.
وازدادت التوقعات بعودة المياه إلى مجاريها بين السعودية وسوريا، خاصة عقب زيارة وزير الخارجيّة والتعاون الدوليّ الإماراتيّ، عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة السورية الأسبوع المنصرم، في انتصار سياسيّ هام لسوريا تلت مرحلة الانتصارات العسكريّة الميدانيّة، حيث إنّ الدول التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة، توصلت إلى استنتاج مفاده أنّ عليها تغيير وجهة نظرها من حكومة دمشق والانخراط معها في تفاهمات عدة، وإنّ تلك الانتصارات هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت تلك الدول بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير بلادهم ومؤسساته وتحقيق مصالحها في المنطقة.
وتُظهر التغيرات السياسيّة الحاليّة، أنّ عودة دمشق إلى الحضن العربيّ باتت قاب قوسين أو أدنى، بعد تغييب دام عقداً من الزمن، وبالتالي ستحدث انفراجات في الشارع السوريّ المُنهك من الحصار الأمريكيّ والغربيّ الذي استهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، في ظل هشاشة لا توصف للدور العربيّ المرتهن لأوامر القيادات الأمريكيّة، وعقب الفشل الدوليّ والعربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ عشر سنوات في سوريا الجريحة، لمحاولة توفير مظلة عربيّة جيدة لسوريا وبالتالي مساعدتها في تجاوز عثرتها الحالية، لأنّ الملف السوريّ يُعد من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى كثرة اللاعبين الدوليين وتواجد قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها بشكل غير شرعيّ (دون موافقة الحكومة السوريّة).
أيضاً، إنّ عودة العلاقات الدبلوماسية التي قُطعت بين البلدين منذ عام 2011، بسبب تناقض المواقف السياسية والرؤى حول الأزمة السورية، تُبشر بعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية في صفعة لأمريكا والدول الغربيّة التي تساندها في مشاريعها العدوانيّة، بعد أن دفعوا بكل ما أوتوا من قوة لإسقاط “معادلة سوريا” وتشريد وتجويع شعبها، وإنّ عودة دمشق للحضن العربي تعني باختصار “فشل المشروع الغربيّ في المنطقة” وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء، ومن الطبيعي أن تعود سوريا لمقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، رغم أنّ هذا الأمر مرفوضٌ بشكل قطعيّ بالنسبة لأصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في منطقتنا.
نتيجة لكل ما ذُكر، من الواضح أنّ الهدف الأول والأخير يصب في حدوث تعاون شامل بين الدول العربيّة، لأن تتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، وخاصة عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، وهذا بالطبع ما تود أغلب الدول العربيّة حدوثه في التوقيت الحاليّ، لإيصال رسالة من الدول العربية بأن سوريا لا تزال تحظى باهتمام عربيّ كبير، وعودة لملء الفراغ الذي تركته خلال الفترة المنصرمة، كما أن لذلك انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام الشرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
المصدر/ الوقت