التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

محاولة السعودية والإمارات لصرف الرأي العام عن مأساة الحرب في اليمن 

أطلقت شركة AGC International و Image Nation ومقرهما أبو ظبي، أول إعلان تشويقي لفيلم إماراتي بعنوان “الكمين”، يحكي قصة نجاة مجموعة من الجنود الإماراتيين المحاصرين في كمين في واد جبلي محاصر من قبل حرکة أنصار الله اليمنية.

بالتزامن مع هذا الجهد الإماراتي، تريد السعودية أيضًا إقامة الدورة الأولى لمهرجان سينمائي بمدينة جدة.

عادةً ما تعتمد مصداقية المهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم بشكل غير مكتوب، على مصداقية السينما في البلد المضيف. على سبيل المثال، اكتسبت مدينة كان في فرنسا والبندقية في إيطاليا، مكانةً مرموقةً بسبب أيام مجد دور السينما الفرنسية والإيطالية.

أو على الرغم من وجود العشرات من المهرجانات السينمائية الشبيهة بالأوسكار في جميع أنحاء العالم بنفس الآلية، إلا أن جوائز الأوسكار أصبحت مهمةً فقط لأن السينما الأمريكية نفسها لها أبعاد كبيرة.

لكن بعد قطر والإمارات، تريد السعودية الآن إقامة مهرجان سينمائي بعد أربع سنوات من رفع الحظر عن عرض الأفلام في هذا البلد، دون أن تملك أي مصداقية في السينما نفسها.

هذه المحاولات للدخول في حرب الروايات من خلال عالم الفن، تظهر أهمية مثل هذه القضية بالنسبة لتلك البلدان. من ناحية أخرى، فإن منافسي شيوخ الخليج، على الرغم من أن لديهم قدرة مثيرة للاهتمام في إنتاج الأفلام والمسلسلات، ولکن لم يدخلوا هذا المجال بجدية.

ويمكن أن يُعزى بعض هذا الأمر إلى أوجه القصور، والبعض الآخر إلى العيوب الهيكلية في حكوماتهم لاستخدام الأدوات الموجودة لديهم بالفعل، والبعض الآخر الذي لم يتحدثوا عنه حتى الآن، يرجع إلى استراتيجيتهم الخاصة بشأن ما إذا كانوا يعتزمون استخدام مثل هذه الأدوات أم لا.

إن العمل الذي يقوم به شيوخ العرب في المنطقة في مجال السينما، في المرحلة الأولى له استهلاك محلي أكبر ويتم القيام به للتأثير على الرأي العام في هذه البلدان. لكن في المرحلة التالية، له وظيفة غير مباشرة على الرأي العام العالمي.

النقطة الأولى هي أنهم بحاجة إلى الفخر والاعتزاز بالداخل، لذا يحاولون شرائه بالمال. وثانيًا، كان شيوخ الخليج الفارسي قلقين في السنوات الأخيرة من الشخصيات الرجعية التي يتم تصويرها عنهم في العالم.

هل يمكن كسب حرب الروايات بالمال؟

أحدث الأخبار حول مثل هذه الجهود التي تبذلها الدول الخليجية، إلى جانب مهرجان البحر الأحمر السينمائي السعودي القادم، هو إنتاج فيلم “الكمين” حول تورط الإمارات في الحرب في اليمن.

هذا الفيلم، بالمعنى المطلق للكلمة، هو عمل حكومي طلبته الإمارات، وهذا بالطبع هو الحال في معظم أنحاء العالم. لکن الفرق بين الإمارات والدول الأخرى التي تنتج أفلامًا لأغراض سياسية في أجزاء أخرى من العالم، هو أنها لا تملك سينما ولا يمكنها أن تعكس بهدوء ومهارة وتدريجياً أهداف حكومتها في شكل قصص روائية.

بطبيعة الحال، عندما يقرر الإماراتيون فجأةً القيام بمثل هذا الشيء، فإن کون العمل طلبًا حکومياً يبرز أكثر من اللازم، کما تظهر قلة خبرتهم في مجال الدعاية بشکل جلي.

لقد فهموا الأهمية الاستراتيجية والعميقة لحرب الروايات، وطبعاً لم يكن من الصعب فهم هذه النقطة؛ لكنهم لا يعرفون طريقةً أخرى سوى إنفاق الأموال وتبديدها لتكوين وسائل إعلام أو إنتاج أفلام ومسلسلات مع وكلاء من دول أخرى.

بعد مائة عام من ابتعاد شبه الجزيرة العربية عن السينما ووأد هذا الفن في رمال الجهل والتحيز، الآن شيوخ الخليج الأغنياء الذين يجلسون علی آبار الذهب الأسود، يعتقدون أن استراتيجية النفط مقابل السينما، والنفط مقابل الإعلام، والنفط مقابل العلم، والنفط مقابل كل شيء، ستؤتي أکلها.

على سبيل المثال، أعرب أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة، على تويتر عن رغبته وحماسه لمشاهدة فيلم عن دور قوات بلاده في حرب اليمن، وكتب عن ذلك: “أتطلع إلى مشاهدة فلم الكمين الذي سُيعرض في دور السينما ابتداءً من 25 نوفمبر، إن احترافية وبسالة قواتنا المسلحة في اليمن وضمن عاصفة الحزم، تستحق الكثير من المؤلفات والأعمال السينمائية والدرامية، لسرد قصصهم البطولية وتضحياتهم في ميادين الشرف والشجاعة”.

إذا كان الشخص العادي لا يعرف هذا، فيجب على الدبلوماسي أن يعرف كم سيكون الأمر محرجًا إذا لم يكن هناك مخرج إماراتي واحد يصنع مثل هذا الفيلم، والتركيز عليه سيزيد الأمور سوءًا.

يبدو أن شيوخ أبو ظبي لا يعرفون کم يکون محرجاً ومهيناً إذا لا يکون هناك مخرج محلي واحد لإنتاج فيلم دعائي-أمني، ولا يستطيع المرء أن يتحدث في نفس الوقت عن الشجاعة والفخر ولا يتذكر مثل هذه النقطة الواضحة والمهمة.

عندما يكون الفيلم على هذا النحو، وهو أهم انعكاس سينمائي لأنشطة الجيش الإماراتي، بحسب شيوخ أبو ظبي، فيمكن لأي جمهور أن يتخيل بسهولة أن كل شيء فيه يکون على سبيل الإعارة؛ ومثلما تتم استعارة فيلمهم الدعائي، كذلك يمكن استعارة الجيش الذي صُور هذا الفيلم عنه.

في السنوات الأخيرة، بذلت الدول الخليجية جهوداً جبارةً لإيجاد طريق نحو السينما؛ من إقامة مهرجانات باهظة الثمن إلى الاستثمار في أفلام من جميع أنحاء العالم، تقليداً للأسلوب الفرنسي وبالطبع صناعة الأفلام مع الكتاب والمخرجين الأجانب داخل هذه البلدان.

على سبيل المثال، يقع مقر وسائل الإعلام المدعومة من السعودية في لندن، وليس من الواضح ما إذا كان العملاء الإيرانيون فيها على استعداد للعيش في السعودية.

على ما يبدو، المشكلة هي أن شيوخ الجزيرة العربية لا يحاولون استخدام هذه الأموال الغفيرة لبناء البنية التحتية وتدريب القوی العاملة المحلية، ويعتقدون أنه من خلال توظيف المرتزقة، يمكن إنجاز العمل.

هذا خداع للنفس وليس دعايةً!

تقول الإمارات إن فيلم “الكمين” هو أكبر إنتاج للأفلام باللغة العربية في منطقة دول مجلس التعاون، مع طاقم عمل مؤلف من 400 فرد، يشمل الممثلين الإماراتيين في الأدوار الرئيسية في الفيلم، وأشخاصاً من دول أخرى كتقنيين.

بالطبع، بشكل عام، في هذه المنطقة، بالكاد يمكن الاعتراف بوجود شيء اسمه السينما، ويتم قياس عنوان “أعظم فيلم في هذه المنطقة” في مثل هذا الجو.

تم تصوير جميع أحداث هذا الفيلم في الإمارات، وشارك مروان عبدالله صالح وخليفة الجاسم ومحمد أحمد في إنتاج الفيلم، وهم ممثلون في المسلسلات الإماراتية.

الفيلم من إخراج المخرج الفرنسي “بيير موريل” الذي أخرج “بلوك 13” و”من باريس مع الحب”، وكان أحد المخرجين الأربعة لفيلم “تيكن”، لکن في الإعلانات التشويقية لفيلم الكمين، تکتب الإمارات بشكل غير مألوف تحت عنوان المخرج اسم “مخرج فيلم تيكن”، ويأخذ هذا التضخيم شكلاً أكثر بروزًا في تقديم الطواقم الأخرى.

على سبيل المثال، بالتعاون مع “ديريك داوتشي” كمنتج، وتقول الإمارات في أخبارها المحلية إنه كان المنتج لـ (رومان جي إسرائيل وفيكتور فرانكشتاين)، بينما كان أحد مخرجي الإنتاج في هذه الأفلام، وعلى سبيل المثال، كان لفيلم “رومان جي إسرائيل” 12 مدير إنتاج.

کما قدمت وسائل إعلام الإماراتية جينيفر روث، المشاركة الأخری للمشروع، كمنتجة لفيلم “بلاك سوان”، ولکنها كانت في الواقع من مديري إنتاج الفيلم.

وكتب سيناريو الفيلم أيضًا براندون بيرتل وكريس بيرتل. وفي تقديم هذين الشخصين، قيل إن برانتون بيرتل كان مؤلفًا مشاركًا لفيلم “السرعة والغضب 7″، في حين أن اسمه لم يكن في تسلسل عنوان الفيلم ولم يتم تسجيله في أي من قواعد البيانات السينمائية. وتم تقديم كريس بيرتل صراحةً على أنه مؤلف مسلسل وسام الشرف، على الرغم من أن العنوان غير صالح أيضًا.

قام مؤلفو السيناريو بكتابته بالتعاون مع الجنود الإماراتيين الذين شاركوا في الأحداث المتعلقة بكمين عام 2018، وتحاول أبوظبي الترويج للفيلم بفريق من صانعي الأفلام الإماراتيين والمستشارين الثقافيين، بمن فيهم هناء كاظم وطلال الأسمني وعلوية ثاني وعلياء القزي، ومعظمهم من النساء الإماراتيات.

لفهم هذه القضية بشكل أفضل، يمكننا وضعها بجانب مهرجان “البحر الأحمر” في السعودية، والذي سيقام في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر، بعد أربع سنوات من رفع الحظر عن السينما في السعودية، في الأحياء التاريخية بجدة، وهي من المواقع المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتم رصد جائزة قدرها 100 ألف دولار لأفضل فيلم، و 30 ألف دولار لأفضل مخرج، و 20 ألف دولار لمن يفوز بجائزة لجنة التحكيم.

وسيكون المخرج السابق لمهرجان كان، إدوارد وينثروب، المدير الفني للدورة الأولى من مهرجان الأفلام هذا، والممثلة الفرنسية “كاثرين دينوف” مع وزير الثقافة الفرنسي السابق “جاك لانغ” والمخرج الأرجنتيني “غاسبار نوي” من بين الضيوف الرئيسيين، الذين تأكد وجودهم حتى الآن.

من الواضح أنه تم إضافة عدد من الأسماء الغربية لإضفاء الشرعية على هذا المهرجان العربي؛ أشخاصٌ، حتى لو كان هناك رصيد في سجلهم، فيعود ذلك في الغالب إلى الماضي، وليس الحاضر، وهم يذهبون إلى مهرجان تم إنشاؤه حديثًا في فترة تقاعدهم أو تراجع نشاطهم.

کما من الواضح أيضًا أن جزءًا من هذه القضية من المفترض أن يكون في الغالب للاستهلاك المحلي. على سبيل المثال، يتخيل الحداثيون السعوديون أنفسهم أن هناك مهرجاناً يقام بحضور بعض المخرجين الغربيين الكبار، في حين أن أحد أكثر المهرجانات السينمائية المرموقة في العالم هو مهرجان القاهرة بجوار السعودية، ولم تتم دعوة أي من الشخصيات المشهورة عالميًا في السينما الفنية المصرية إلى هذا الحدث السعودي، أو لم يتم التأكيد على وجودهم في الحدث على الأقل؛ ربما لأنهم ليسوا غربيين.

مصر هي أيضًا الجار الغربي للبحر الأحمر، وليست مدعوةً لحضور المهرجان الذي يحمل نفس الاسم.

إن نظرةً على قائمة المشاركين في هذا المهرجان، تظهر أيضًا أنه على الرغم من إنفاق الكثير من الأموال، إلا أن الأشخاص أو الأفلام الأصلية غير موجودة في هذا الحدث.

على سبيل المثال، يُعرض فيلم “الموناليزا والقمر الدامي” للمخرجة “آنا ليلي أميربور” في مهرجان البحر الأحمر، والذي اعتبره النقاد أسوأ فيلم في البندقية.

إذا رجعنا إلى إنتاج فيلم الكمين، سنرى في إعلاناته الترويجية، مکتوب تحت عنوان مخرجه الفرنسي بأنه من تأليف مخرج فيلم “تيكن”.

عادةً ما يتم استخدام هذا العنوان فقط عندما يكون المخرج مؤلفًا مشهورًا، والفيلم الجديد الذي نشاهد الدعاية الخاصة به مرتبط بفيلم آخر مذكور في العنوان.

ومع ذلك، فإن الإماراتيين يستخدمون هذا العنوان للقول فقط إنهم استخدموا مخرجًا مشهورًا للقيام بذلك؛ في حين أن بيير موريل هو واحد فقط من المخرجين الأربعة لـ تيكن، والطواقم الأخرى أيضًا، كما ذكرنا، يتم تقديمها بمبالغة كبيرة.

وهذا يدل على وجود نقص ملحوظ في الثقة بالنفس بين حکام شبه الجزيرة العربية، وهم يحاولون التغلب على هذا الضعف بالاعتماد على توظيف عملاء أجانب بالمال. وبعبارة بسيطة ومباشرة؛ إذا لم تكن لدينا القدرة على أي شيء، فيمكننا بالمال توظيف القادرين. لكن هذا ليس أكثر من خداع ذاتي واضح، يجعلهم يركدون وينحرفون عن المسار الصحيح لإصلاح وتنمية قدراتهم.

وينطبق الشيء نفسه على مهرجان البحر الأحمر الذي تستضيفه السعودية، كما كان الحال في مهرجانات الإمارات وقطر من قبل.

ولعل المستفيدين الرئيسيين من هذه المهرجانات، وكذلك استثمار الشيوخ العرب في الأفلام الآسيوية والأفريقية، هم صانعو الأفلام والمخرجون الفرنسيون المفلسون أو المتقاعدون، وأحيانًا الأمريكيون.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق