البرلمان المصري بصدد تشريع قانون يجيز حبس الصحافيين
سياسة ـ الرأي ـ
في أزمة جديدة تطال حرية التعبير في مصر، يشرع البرلمان المصري، اليوم الثلاثاء، في مناقشة مشروع قانون “مواجهة الأوبئة”، والذي تتيح إحدى فقراته حبس وتغريم الصحافيين.
ويحتوي هذا القانون في مواده على مادة تجيز حبس الصحافيين، إذ يهدف المشروع إلى وضع “تشريع متكامل لمواجهة حالات تفشي الأوبئة والجوائح الصحية” حفاظاً على الصحة العامة وسلامة المواطنين، نظراً لما شهده العالم أجمع من جائحة فيروس كورونا وتداعياتها السلبية على مختلف الأصعدة (الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية) وفي ضوء ما تتخذه الدولة المصرية من إجراءات وتدابير احترازية للحدّ من تداعيات تلك الجائحة، والتي كان لها الفضل في المرور منها بأقل خسائر ممكنة.
لكن، في إطار هذا الهدف العام، تتعاظم فرص حبس الصحافيين المصريين، في ترسانة القوانين والتشريعات التي صدرت على مدار السنوات الماضية. إذ ينص مشروع القانون على أنّه “مع عدم الإخلال بأيّ عقوبة أشد منصوص عليها في أيّ قانون آخر، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلّ من خالف أحد الإجراءات أو التدابير الصادرة من اللجنة أو القرارات الصادرة تنفيذاً لها وفقاً لأحكام هذا القانون. ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل مَن حرض على مخالفة أحد الإجراءات أو التدابير الصادرة من اللجنة أو القرارات الصادرة تنفيذاً لها وفقاً لأحكام هذا القانون.
ويعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة: “كلّ من أذاع أو نشر أو روج عمداً أخباراً أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
وعادة ما يندرج تحت عبارة “الأمن القومي والسلم والأمن العام” كلّ ما يتعلق بانتقاد الأداء السياسي للنظام المصري، وبموجب هذه المادة، يتم القبض على عدد كبير من الصحافيين والإعلاميين، كما يتم إغلاق صحف وحظر مواقع تحت دعوى الإخلال بالأمن القومي.
ورغم أنّ الدستور المصري (2014) ألغى بشكل نهائي في مادته 71 الحبس الاحتياطي بقضايا النشر إلّا بثلاث حالات حصراً، هي التمييز بين المواطنين، والتحريض على العنف والطعن بأعراض الأفراد، ووفقاً لنقيب الصحافيين السابق، عبد المحسن سلامة فإنّ القوانين المصرية المختلفة تحتوي على 35 مادة تُجيز حبس الصحافيين في قضايا نشر.
وبالفعل، خلال السنوات الماضية، عكف النظام على إضافة مواد في عدد من القوانين تجيز حبس الصحافيين، كما حصل في قانون الاتصالات وقانون العقوبات المصري وقانون مكافحة جرائم الإرهاب.
ومع أنّ نصوص هذه القوانين عامة فقد استطاعت السلطات أن توجه من خلالها اتهامات إلى صحافيين وناشطين ومستخدمي مواقع التواصل، إذ تضمنت اتهامات مثل “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، نشر الأخبار الكاذبة، والانضمام إلى جماعة إرهابية”.
فهناك القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، والذي صدر ليس لملاحقة الصحافيين فحسب، بل لملاحقة كلّ مستخدمي مواقع التواصل، بل والشبكة الإلكترونية ككل.
ومن السمات الرئيسية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تغليظ العقوبات والتوسع فيها لتتبع الصفحات والحسابات الساخرة وملاحقة المسؤولين عنها. ويوصِّف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات هذا النوع من الحسابات بأنه “اصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني”.
وتصل العقوبات طبقاً للمادة (24) من القانون إلى عقوبة الحبس إلى مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مسؤول عن إدارة الموقع أو الحساب الخاص أو البريد الإلكتروني أو النظام المعلوماتي، تسبب بإهماله في تعرض أي منهم لإحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون.
فضلًا عن القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، وهو القانون الذي أثار فور صدوره عاصفة من الغضب بين الصحافيين والمهمومين بحرية الصحافة، وكذلك في أروقة المؤسسات الصحافية، حيث احتوى القانون على قائمة من الممنوعات ولائحة من الجزاءات التي تضع قيودًا على الصحافة والإعلام، كما يوسع رقعة الاتهام بالتحريض على الإرهاب والسب والقذف وينص على عقوبات كالحبس والغلق والحجب.
ولهذا تضج السجون المصرية، بعشرات الصحافيين، ممن سجنوا بسبب آرائهم، بل وبعضهم انقضت مدد حبس بعضهم احتياطيًا وما زالوا في السجون بالمخالفة للقانون.
ويبلغ عدد الصحافيين والإعلاميين المصريين في السجون، 76 صحافياً وإعلامياً نقابياً وغير نقابي، حسب آخر حصر صادر عن المرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة مجتمع مدني مصرية).
يشار إلى أنّ مصر نجحت في الحفاظ على تدني مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة حسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2021، إذ حافظت مصر على تراجعها في المركز 166، الذي يقيّم الوضع الإعلامي في 180 بلداً، انطلاقاً من منهجية تُقيم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحافيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلاً عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.
“مراسلون بلا حدود” أشارت أيضاً إلى أنّ أكثر دول الشرق الأوسط “استبداداً” هي السعودية ومصر وسوريا، حيث كثفت ممارساتها القمعية المتمثلة في “تكميم الصحافة، لتحكم قبضتها على وسائل الإعلام في سياق جائحة كوفيد-19، إذ جاءت الأزمة الصحية لتعمق جراح الصحافة العميق أصلاً في هذه المنطقة” التي ما زالت الأصعب والأخطر في العالم بالنسبة للصحافيين. انتهى