التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

تظاهرات تونس تعرض حكومة سعيد للسخرية 

يبدو أن القرارات التي خرج بها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الشعب التونسي 25 تموز/ يوليو الماضي، أخذت البلاد نحو حالة من عدم الاستقرار بسبب اعتراض الشعب على هذه القرارات، ومن بين هذه القرارات كان تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة والحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة.

المظاهرات ضد هذه القرارات لا تزال قائمة حتى اللحظة، وعلى خلفية المظاهرات التي خرجت بالالاف يوم الأحد إلى مقر البرلمان، بدأت موجة سخرية تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، بعد نشرت وزارة الداخلية التونسية صوراً على صفحتها على فيسبوك، وقالت إنها لـ”أسلحة” تم ضبطها لدى المتظاهرين يوم الأحد، ما أثار موجة من السخرية في البلاد، حيث اعتبر سياسيون ونشطاء أن الأدوات التي ظهرت في الصور لا تعدو كونها مجرد أدوات للطبخ والتجميل.

وكانت الوزارة تحدثت في وقت سابق عن ضبط أموال وأسلحة بيضاء ومواد مخدرة لدى المتظاهرين في منطقة باردو في العاصمة التونسية، ونشرت لاحقا نماذج للأسلحة المذكورة، تضم مجموعة من سكاكين المطبخ ومقصات متنوعة وبعض المرايا وغيرها.

وعلق النائب ياسين العياري بسخرية على الصور المنشورة بقوله “أسلحة دمار شامل، استُعملت ايضا لتسميم الظرف وحفر نفق منزل السفير الفرنسي وإلغاء قمة الفرنكوفونية وإيجاد حل لمصب عقارب في 48 ساعة وبناء المدينة الصحية في القيروان ومحاسبة المسؤولين الذين أخذوا 500 مليون دولار في حساباتهم الشخصية والنواب الذين أخذوا 150 مليون على كل فصل ورجال الأعمال الذين 13 الف مليار وزوجة المحامي التي أخذت 100 مليار”، في إشارة إلى تصريحات سابقة للرئيس قيس سعيد.

وشهدت ساحة باردو في محيط البرلمان المغلق منذ تاريخ الإجراءات الاستثنائية -التي أعلنها سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي- حالة من التدافع بين قوات الأمن والمتظاهرين الراغبين في التقدم لمحيط البرلمان.

وقال المحتجون إن تونس باتت في عزلة دولية بعد هذا التاريخ. كما طالبوا بإنهاء ما وصفوه بحالة الاستثناء والغموض والعودة إلى مسار الشرعية الدستورية.

وفي تدوينة ساخرة له على حسابه بشبكة فيسبوك، تساءل جوهر بن مبارك القيادي بمبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” التي دعت إلى مظاهرة الأحد “أين الدولة والقضاء.. خطّطنا لبث الفتنة لكن الداخلية للأسف احتجزت كلّ الأسلحة الفتّاكة التي جلبناها أحبطت المخطّط رغم كلّ الأدلّة الدامغة”.

في المقابل، أشاد آخرون بـ”مجهودات الأمنيين” في حماية المتظاهرين، داعين إلى التتبع القضائي لكل من ثبت حمله لأسلحة أو مواد تمثل تهديدا للسلامة العامة.

وكانت مصادر حقوقية كشفت عن انتهاكات تعرض لها المتظاهرون يوم الأحد، مشيرة إلى أن السلطات قامت بمنع آلاف المحتجين القادمين من مختلف مناطق البلاد من الوصول إلى العاصمة، فضلا عن وضع حواجز أمنية حالت دون دخول المتظاهرين إلى ساحة باردو.

لقد قامت حركة الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 تموز/يوليو الماضي على ركيزة كبرى، هي موافقة قادة الجيش والأمن عليها، وكان سعيّد واضحا في خطابه الذي أعلن فيه عن تلك الحركة بتهديده أن “من يطلق رصاصة سترد عليه القوات المسلحة بالرصاص”.
ظهر تأييد شعبي لـ”الإجراءات الاستثنائية” كما سميت حينها، وأبدت بعض القوى، وعلى رأسها “الاتحاد العام التونسي للشغل” مواقف فهم منها تأييد تلك “الإجراءات” وبذلك تم دعم التفويض العسكري ـ الأمني بتأييد سياسي ـ نقابي مثله موقف “اتحاد الشغل” وتأييد شعبي عبرت عنه تظاهرات وفعاليات أيدت حل البرلمان وإقالة الحكومة.
غير أن هذه الركائز الثلاثة، التي اعتبر سعيّد أنه حاز بها تفويضا عاما، وضعت الرئيس، بالضرورة، في موضع شديد الصعوبة لأنها حملته مسؤولية حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مقابل تأجيل النظر في الأزمة الدستورية والسياسية التي وضع البلاد فيها.
عنت تلك المعادلة أن الاختلال (الحتمي) لتلك الركائز سيؤدي إلى فقدان سعيّد للتفويض الذي اعتمد عليه.
تقدم الأحداث التي وقعت في بلدة عقارب التونسية، التابعة لولاية صفاقس جنوب البلاد، مثالا عن ضعف قدرات السلطات السياسية على حل إشكاليات اقتصادية ومطلبية، فقد واجهت الشرطة تظاهرات أول أمس الاثنين في بلدة عقارب جنوب تونس، على خلفية احتجاجات على قرار بإعادة فتح مصب نفايات في البلدة، بإطلاق عبوات الغاز، مما أدى إلى مقتل أحدهم اختناقا.
تدخل “الاتحاد العام التونسي للشغل” على إثر الاشتباكات بين المحتجين والشرطة واعتبر المدينة محاصرة وتعيش “تحت القصف المتواصل للمواطنين العزل” وكذب نفي وزارة الداخلية لمسؤولية عناصر الأمن عن قتل الشاب المتظاهر، وبعد اشتداد الاحتجاجات وانسحاب قوات الأمن اتخذت الحكومة التونسية قرارا بالاستعانة بالجيش الذي دخل البلدة .

من أشهر الحملات المعارضة لاجراءات “قيس سعيد” نذكر حملة “مواطنون ضد الانقلاب”، وهي مبادرة تونسية رافضة للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد وتطالب بإلغائها.

الحملة تقدمت بخريطة طريق تتضمن عودة البرلمان إلى العمل فورا وتعديل نظامه الداخلي. وتطالب الحملة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات شرعية تمكنها من بناء الثقة مع الجميع.

المبادرة تلتزم بالتشاور والشراكة مع كل القوى الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل. والهدف إطلاق حوار وطني شامل حول الملفات الكبرى بمشاركة كل الفاعلين في الشأن العام.

نظمت حملة “مواطنون ضد الانقلاب” تحركات احتجاجية عدة منذ إعلان سعيد عن الإجراءات الاستثنائية كما مُنعت -وفق أعضائها- من تنظيم لقاءات شعبية ومؤتمرات.

في 18 سبتمبر/أيلول الماضي نُظمت وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بتونس العاصمة دعت إليها الحملة رفضا للمحاكمات العسكرية.

في 26 سبتمبر/أيلول تجمع متظاهرون أمام المسرح البلدي احتجاجا على استمرار العمل بالإجراءات الاستثنائية بدعوة من الحملة.

في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي نُظمت وقفة احتجاجية في ولاية صفاقس بدعوة من حملة مواطنون ضد الانقلاب دعت إلى إعادة الشرعية الدستورية.

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول اتهمت الحملة السلطات التونسية بمنعها من تنظيم لقاء شعبي بإحدى القاعات في ولاية بن عروس.

في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول انتظم بشارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة تحرك احتجاجي رفضا لاستمرار العمل بالتدابير الاستثنائية.

في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري اتهمت حملة “مواطنون ضد الانقلاب” قوات الأمن بمنع أعضائها من عقد مؤتمر صحفي، وفي المقابل نفى سعيد ذلك مؤكدا أن ما قام به ليس انقلابا ومتهما حركة مواطنون ضد الانقلاب بالافتراء والكذب.

تذكر الأحداث التي تجري حاليا بما وقع في تونس عام 2017، وفي ظل رئاسة الباجي قايد السبسي، حيث تناظر إحراق بائع فواكه متجول النار في نفسه في بلدة طبرية التونسية (في استعادة مأساوية للحدث التأسيسي للثورة التونسية عام 2010) فحصلت احتجاجات عنيفة مع قوات الشرطة، تزامنت مع تعطيل مئات المعتصمين عبور الشاحنات والسيارات إلى حقول النفط في ولاية تطاوين، مطالبين بتخصيص 70٪ من الوظائف في شركات البترول لسكان الولاية.
أعلن السبسي حينها أن الجيش سيحمي مناجم الفوسفات وحقول الغاز والبترول، لكنه أشار إلى أن “الديمقراطية في تونس مهددة” وعرض على مجلس النواب مبادرة لـ”المصالحة الوطنية” وتمكن “اتحاد الشغل” الذي ساهم بتوجيه وقيادة الاحتجاجات حينها، من الحصول على اتفاق لتوظيف الأهالي المحليين في تلك القطاعات الاقتصادية.
أدى ذلك الاتفاق، إلى تعيين قرابة 14700 شخص إضافي في قطاع الفوسفات، الذي يمثل مركز الاقتصاد التونسي والمورد الأول في ميزانية الدولة، وتعتبر أوضاع هذا القطاع مرآة لاشتباك أوضاع السياسة بالاقتصاد، فبعد أن كانت صادرات تونس منه تحتل المرتبة الثالثة في العالم، انخفض إنتاجه منذ عام 2011، وقد توقف الإنتاج بشكل شبه كامل منذ عام، بسبب الاعتصامات وتعطيل الإنتاج والنقل الحديدي، واعتماد المنظومة السياسية أسلوب تهدئة الانفجار الاجتماعي في المناطق المحيطة بمواقع الإنتاج عبر تعيين آلاف الموظفين.
تشير الأحداث الأخيرة، منظورا إليها ضمن الاتجاه السياسي العام، إلى أن فقدان حركة سعيّد التدريجي لأثر خطابها الشعبوي، وانفضاض القوى السياسية والنقابية عنها، وإذا كانت قد مثلت جرس إنذار للنخبة السياسية التونسية، وخصوصا لحركة “النهضة” فإنها، من جهة أخرى، أظهرت للتونسيين، وبشكل سريع، مهازل الحكم الفردي وحدوده.د
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق