التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

أهداف ونتائج السياسة التركية في سوريا 

سنأتي فجأة، ربما اليوم، وربما غدا”، هذه العبارة جزء من الخطاب الشهير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي يلقيه في كل مرة قبل بدء العملية العسكرية على الأراضي السورية، والآن اتخذت تركيا خطوات لتنفيذ العملية الرابعة على الأراضي السورية.. وقد تم استدعاء قادة الجيش السوري الحر إلى أنقرة للتشاور في تفاصيل هذه العملية. وفي الأيام الأخيرة، تحركت قوافل عسكرية تركية باتجاه مناطق الحدود السورية، حيث أفادت بعض المصادر بنشر أكثر من 9000 جندي في تلك المناطق. ومن ناحية أخرى، فإن الجزء الأهم من هذه العملية سيكون مسؤولية الجيش السوري الحر، حيث أعلن 35 ألفًا من أعضائه استعدادهم للمشاركة في هذه العملية. وقال المتحدث باسم الجيش السوري الحر، يوسف حمود، “نحتاج إلى وقت للدخول في مرحلة جديدة والاستعداد، وننتظر أن تعلن أنقرة بدء العمليات العسكرية في المنطقة”. وحول هذا السياق، كتبت صحيفة “تركيا” مؤخرا في تقرير أن العملية في “تل رفعت ومنبج وعين عيسى وتل تمر” ستنفذ من جانبين، رغم أن الأولوية الأهم لتركيا هي منطقة “تل رفعت”، لأن أنقرة تعتبر منطقة هذه المنطقة مركز تهديد للمناطق التي تمت فيها عمليات “غصن الزيتون ودرع الفرات”. وعلى الرغم من أن مسؤولي أنقرة لم يوضحوا المناطق التي سوف يهاجموها، إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن تركيا سيكون لديها هجوم على منقطة “عين العرب”، لكن هذه المدينة فيها مطار تسيطر عليه روسيا وقوات الحكومة السورية ولهذا فإنه لا يبدو العمليات العسكرية في هذه المنطقة ستكون سهلة.

ولقد أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل عدة أيام أن بلاده مستعدة لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا، مشيرا إلى أن هذا القرار سيتخذ في حال اقتضت الضرورة ولن يتم التراجع عنه. وقال أردوغان، إن “الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بشكل علني، ولا تستجيب لدعوات تركيا في هذا السياق، التي تعتبر هذا التنظيم إرهابيا”. وتابع ردا على سؤال حول الموضوع: “بالطبع سيتم تنفيذ العملية في حال اقتضت الضرورة ولن يتم التراجع عن ذلك. من المستحيل هذه المرة بالنسبة لنا ادخار أي جهد في حربنا ضد التنظيمات الإرهابية”. وأردف الرئيس التركي: “إننا سنقوم بكل شيء ضروري في حال اتخاذ حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي أي أعمال ضدنا، ولن نقدم أي تنازلات، هذا ما نؤكده وأكدناه دائما”. وشدد في حديثه عن الدعم الأمريكي للمسلحين الأكراد في سوريا: “يجب على شريكنا في حلف شمال الأطلسي ألا يحاول القيام بمثل هذا الأمر”. وأعلن أردوغان: “توصلنا مع الولايات المتحدة إلى تفاهم بشأن ضرورة العمل سويا حول هذه المسألة، التي تعتبر من أولويات تركيا في الفترة المقبلة، ولم نلمس منهم أي موقف سلبي”. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري، حيث يعتبر التنظيم حليفا أساسيا للقوات الأمريكية في حملة مكافحة “داعش” في الأراضي السورية.

أهداف تركيا وسياستها في سوريا

لكن لماذا تنوي تركيا القيام بعمليات عسكرية جديدة في سوريا في هذا الوقت؟ السبب الأول أن أوضاع حزب العدالة والتنمية ليست جيدة هذه الأيام. فقد بدأت قوة الحزب الحاكم في تركيا بالتراجع بالتزامن مع الانتخابات البلدية التي عقدت في عام 2019. ففي تلك الانتخابات، عانى حزب العدالة والتنمية من هزيمة ثقيلة في المدن الكبرى، وخاصة في اسطنبول وأنقرة وإزمير. ثانيًا، يقود انخفاض قيمة الليرة التركية والظروف الاقتصادية غير المواتية للبلاد سياسات أنقرة نحو انتخابات مبكرة. ونتيجة لذلك، اضطرت حكومة أردوغان إلى التفكير في عملية جديدة في سوريا من أجل تهميش التطورات الداخلية لتركيا لدى الرأي العام. وحتى وزير الخارجية التركي الأسبق “ياسر ياكيش” كتب في مقال يحلل فيه أسباب العملية التركية وقال: “حكومة أردوغان تشن عملية في سوريا بهدف إطالة أمد حياتها السياسية، وعلى الرغم من أن هذه العملية سوف تصب في مصلحة الحكومة الحالية، لكنها لن تسعى لتحقيق أي مصالح وطنية”.

لكن هناك سبب آخر يمكن العثور علية في السياسة العامة لتركيا تجاه سوريا. حيث لم تبذل تركيا أي محاولة للإطاحة بحكومة “بشار الأسد” منذ اندلاع أزمة الحرب الأهلية السورية. وكان للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ودعم بعض الجماعات الإرهابية ومعارضي حكومة “بشار الأسد”، أثر مباشر على مجرى الحرب الأهلية السورية. حيث كتب “أورسان أويمن”، وخو كاتب العمود في صحيفة “الجمهورية”، في مقال: “إذا كانت تركيا تعتزم وضع حد لأنشطة مجموعات حزب العمال الكردستاني، فإنه كان ينبغي أن يتم ذلك بتعاون وموافقة حكومة دمشق، وتوفير الشروط للحكومة السورية لمحاربة الجماعات الإرهابية حفاظاً على وحدة أراضي البلاد، لأنه إذا انتهى الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية المتمركزة في سوريا، فسوف تتمكن حكومة دمشق من فرض سيطرتها الكاملة على جميع الاراضي السورية. ومحاولة تركيا تدمير وحدة أراضي سوريا من جهة، والقيام بعمليات من جهة أخرى، ما هي إلا اعمال متناقضة مع مطالبتها بالحفاظ على الأراضي السورية. وكتب “أكدوجان أوزكان”، كاتب عمود في وكالة “تي 24” للأنباء عن نوايا تركيا في القيام بعمليات في سوريا وقال: “إن حكومة أنقرة لن تسحب قواتها من البلاد حتى تحقق رغبتها في تغيير التركيبة السكانية في شمال سوريا”.

أردوغان الوجه الجديد لعبد الحميد الثاني

وهنا يمكن دراسة سياسة أنقرة بطريقة أخرى، فعلى الرغم من أن بعض الخبراء يحللون سياسة حزب العدالة والتنمية في سياق أيديولوجية العثمانية الجديدة، ربما يكون أفضل تفسير لنهج البلاد تجاه سوريا هو رؤية أردوغان ينتهج طريقة “عبد الحميد الثاني” وهو آخر ملوك الإمبراطورية العثمانية والآن يذكر الحزب الحاكم في تركيا عهده باعتباره أول تجربة للانقلاب التركي. ويعتقدون أن عبد الحميد الثاني أطيح به نتيجة انقلاب. ويبدو أننا متفقون إلى حد كبير على أن الأمر ليس كذلك وبحسب المؤرخين والخبراء، فإن أهم نهج لعبد الحميد الثاني في مجال السياسة الخارجية كان يقوم على فكرة “الاعتماد على قوة عظمى ضد قوة عظمى اخرى”.

الآن، ازدواجية المعايير في تعامل تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في سوريا تؤكد بأنه حكومة أردوغان أصبحت هي نفسها مثل آخر الملوك العثمانيين. وتحاول تركيا منذ سنوات زيادة نفوذها في سوريا من خلال دعم بعض الجماعات الإرهابية، بل وتعتزم إنشاء كليات في بعض أجزاء سوريا، خاصة في إدلب، وإدخال الليرة التركية في اقتصاد أهالي هذه المناطق. وقد يكون هذا هو السبب الأهم الذي لا يقود تركيا إلى طاولة المفاوضات مع سوريا، لكن إصرار تركيا على استمرار هذا النهج سيؤدي أيضًا إلى فقدان الدعم الروسي. وفي العامين الماضيين، كانت تركيا تشهد توترات مع الولايات المتحدة حول قضايا مختلفة، وإذا انهارت العلاقات بين روسيا وتركيا؛ فإن أنقرة سوف تصبح منعزلة في المنطقة.

التكفير عن التوترات مع سوريا

لكن التوترات بين سوريا وتركيا كان لها العديد من العواقب على حكومة أنقرة. والحالة الأولى تتعلق بهجرة أكثر من أربعة ملايين سوري إلى تركيا. ولقد كلف الافتقار إلى الإدارة السليمة للاجئين، تركيا أكثر من 50 مليون دولار. وفي المقابل، وبحسب بعض الإحصائيات، خسرت تركيا نحو 100 مليار دولار من الفرص الاقتصادية بين عامي 2011 و 2020. ويبدو أن عدم التعاون بين أنقرة ودمشق مهّد الطريق لوجود مجموعات إرهابية مختلفة في سوريا بدعم من الولايات المتحدة، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا لدول المنطقة وتركيا.

نهاية القصة

في ضوء ما سبق؛ لا يخلو من الجدارة أن نقول إن محاربة الإرهاب هي بالتأكيد الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، ولكن ليس بحجة أنه باسم محاربة الإرهاب، تريد دولة ما إدخال قواتها إلى بلد آخر ضمن إطارها الخاص. وإذا كانت مكافحة الإرهاب ذريعة لتنفيذ نوع من التخطيط للتسلل إلى أراضي دولة أخرى، فإن هذا الامر سوف يقويض نزاهة الحكومة الحالية؛ وسوف يشكك في شرعية جهودها لمكافحة الإرهاب. وإذا كانت تركيا تنوي محاربة الإرهاب، فعليها احترام سيادة حكومة دمشق والدخول في مفاوضات وتوافق مع هذه الحكومة ومواصلة العمل مع الحكومة الروسية لحل الأزمة السورية؛ لأنه كما أن أمن سوريا كدولة مجاورة يعتمد على أمن تركيا، فأمن تركيا يعتمد أيضًا على أمن سوريا.

المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق