التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 18, 2024

عائلة لوبان في فرنسا… حاملة لواء العنصرية ومعاداة الإسلام 

إسم عائلة “لوبان” ليس عنوانًا بسيطًا وعادياً في فرنسا وبين الفرنسيين.

في فرنسا، يرتبط هذا الاسم بكلمة “الفاشية” و”التمييز العنصري”، والتي انتقلت من جيل إلى جيل في هذه العائلة، وهي الملهم الإيديولوجي للعديد من الشخصيات والحكومات التي وصلت إلى السلطة في هذا البلد؛ أيديولوجيةٌ تتلخص في جملة واحدة: “كراهية الملونين، مسلمين کانوا أو غير مسلمين”.

کبير عائلة لوبان هو جان ماري لوبان، المعروف بآرائه العنصرية والفاشية. ثم توارث ابنه مارين لوبان هذه الأفكار، والذي کان يحلم بفرنسا “المسيحية البيضاء”، موطنٌ لا مكان فيه للأجانب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص.

ومع ذلك، کانت ماريون ماريشال لوبان، حفيدة جان ماري لوبان، تعتقد أن الآراء والنهج السياسي لحزب جدها لم يكن عنصريًا وفاشيًا كما كان ينبغي أن يكون. ولهذا السبب، أسست تيارًا سياسيًا أكثر تطرفًا قريبًا من آراء إريك زمور، المفكر الفرنسي اليهودي الذي يتخذ الخطوات الأخيرة للترشح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

من هو جان ماري لوبان؟

ولد جان ماري لوبان في عام 1928 في عائلة تعمل بالزراعة، وسرعان ما انضم إلى الحركات اليمينية عندما كان مراهقًا، وحينما كان شابًا ذهب إلى “الهند الصينية الفرنسية” للحرب والتي كانت مستعمرةً فرنسيةً في ذلك الوقت.

وبعد عودته من الحرب، دخل البرلمان الفرنسي، لكنه ذهب بعد عام إلى الجزائر للمشاركة فيما يعرف الآن باسم “جريمة الحرب”، لكن لوبان يذكرها على أنها شرف حياته ويفتخر بها.

في مقابلات مع العديد من المنشورات الفرنسية ذكر لوبان بفخر تورطه في جرائم حرب ضد الشعب الجزائري وتعذيب المقاتلين الجزائريين، واصفاً إياها بالواجب الوطني.

وبعد عودته إلى فرنسا، شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لليمين المتطرف في عام 1972. وخلال هذه الفترة جرت محاولة اغتياله ثلاث مرات في فرنسا، لکنه نجا من جميعها.

حتى الآن، لم تکن عائلة لوبان تمتلك الثروة الأسطورية التي تمتلکها الآن، وفقط بعد أن قرر الرأسمالي اليميني الفرنسي هابر لامبر منح كل ثروته للوبان قبل وفاته، أصبح جان لوبان أحد أغنى الرجال في فرنسا بين عشية وضحاها.

بعد لامبر، تبرع عدد من العائلات الثرية من اليمين المتطرف في فرنسا أيضًا بثرواتهم لجان ماري، لتنتقل عائلة لوبان من شقة بسيطة إلى أحد أشهر القصور في فرنسا والدخول في مرحلة جديدة في تاريخ العائلة؛ مرحلةٌ رافقها الفساد والفضيحة الأخلاقية.

الفساد والفضيحة الأخلاقية لعائلة لوبان

بينما كان جان ماري لوبان يحاول تقديم عائلته إلى المجتمع الفرنسي كنموذج لعائلة مسيحية فرنسية بيضاء مثالية، نُشرت أخبار عن انفصال زوجة لوبان عنه وعن صداقتها مع أحد أصدقاء جان في وسائل الإعلام، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية كثيرة على نشاطه السياسي.

تعود ذروة فضيحة عائلة لوبان الأخلاقية إلى الخلاف بين لوبان وزوجته المنفصلة عنه حول الميراث، ولأن لوبان رفض منح زوجته الحقوق التي طالبت بها، نشرت زوجته “صورةً عاريةً” لها في “مجلة إباحية” للإضرار بسمعة جان لوبان، وهو ما قوبل بانتقادات كثيرة من الرأي العام الفرنسي، أبرزها من ابنة لوبان.

مارين لوبان

ركزت العائلة حضورها القوي في فرنسا على عاملين: الثروة والحزب.

من الناحية الحزبية، تمكن جان ماري لوبان من توسيع نفوذ عائلته في حزبه، ومنحهم مناصب عليا ومختلفة في الحزب. لكن لوبان لم يتوقف عند هذا الحد، بل قرَّر تربية إحدى بناته خلفًا له، فاختار ابنته الصغرى، ماريون لوبان، المعروفة باسم مارين.

لمواصلة مسيرة والدها، واصلت مارين تعليمها في القانون، وأقامت علاقات وثيقة جدًا مع منظمة “جيد” الفاشية. وبعد تخرجها، عملت مارين محاميةً في شركة محاماة تابعة لحزب والدها، وترقت في المناصب لتصبح المديرة القانونية للحزب.

وفي عام 1997، بينما كان جان ماري لوبان يستعد لمنح مارين أحد مقاعد اللجنة العامة لحزبه، عارضه حزبه، ولكن دون جدوى.

بعد أن شغلت مقعدًا في اللجنة العامة للحزب، استغلت مارين المنصب الجديد للإطاحة بالمعارضة في حزب والدها، ومن أبرز الشخصيات المعارضة التي طُردت من حزب لوبان، إيان لوبان، وهي إحدى بنات لوبان، التي فضلت البقاء مع عشيقها على البقاء في حزب والدها.

خلال هذه الفترة، أصبحت مارين أقرب إلى والدها، ولعبت دورًا رئيسيًا في وصول والدها إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2002.

کما حاولت جاهدةً أن تقدم شخصيةً بعيدةً كل البعد عن خاصيتي “العنصرية والفاشية” لحزب الجبهة الوطنية الفرنسية وموقف والدها الحازم في هذا الصدد، وكانت هذه مهمةً صعبةً للغاية ولم تكن ممكنةً بسهولة، لأن مارين نفسها كانت أكثر عنصريةً وفاشيةً من والدها وحزب الجبهة الوطنية، وقد أشارت إلى هذه القضايا بصراحة وتهور في مناسبات مختلفة.

واصلت مارين مسيرتها السياسية في الحزب، حيث خاضت الانتخابات الأوروبية للحزب في الشمال عام 2009 وهزمت برونو غولنتش، عملاق الجبهة الوطنية المعروف والمؤيد لوالدها. وأخيرًا، نجحت في إقناع والدها بإجراء تغييرات في الحزب وبث حياة جديدة فيه.

وكانت الخطوة الأولى لمارين في هذا الصدد، هي إجراء انتخابات حزبية داخلية في كانون الثاني (يناير) 2011، انتُخبت خلالها رئيسةً للحزب للترشح للرئاسة الفرنسية نيابةً عن حزبها في العام التالي.

ومن أجل تجميل الصورة الفاشية والعنصرية للحزب الذي أسسه والدها، منعت وجود ونشاط مجموعات “حليقي الرؤوس” في الحزب، وطردت عدداً من قادة الحزب بسبب تصريحات عنصرية وفاشية.

لكن هذا لا يعني تغيير هيكل الحزب وإطاره وآرائه الفاشية والعنصرية، لأن أشخاصًا مثل تيري ماير وفريدريك شاتون كانوا لا يزالون حاضرين في الحزب، واستمرت الدائرة المقربة من مارين في ضم شخصيات اعتبرت “الإسلام” و”المسلمين” العدو الأول لفرنسا وللشعب الفرنسي.

حظيت هذه الآراء بدعم اليمين المتطرف في إسرائيل. وخلال هذه الفترة، حاولت مارين أن تنأى بنفسها عن مشاكل وصراعات والدها الذي اتهم بالعداء لليهود، لأنها رأته عقبةً في طريقها السياسي وتقدمها. ولهذا السبب، في عام 2015، أشرفت بنفسها على طرد والدها من الحزب الذي أسسه.

ماريون مارشال؛ المرأة التي أحيت تراث الأجداد

في السنوات الأخيرة، شنت ماريون هجمات واسعة النطاق ضد مسلمي هذا البلد، لدعم النظام العلماني في فرنسا.

في الواقع، وجدت ماريون الهيكل العلماني للنظام الفرنسي سلاحًا جيدًا لمهاجمة الإسلام والمسلمين، على الرغم من أن حزبها كان غريبًا جدًا حتى على النظام الفرنسي العلماني.

من أهم سمات نشاط مارين لوبان الحزبي والسياسي، وخاصةً تصريحاتها، كان امتناعها عن التعامل مع الدين والقضايا المتعلقة بالدين. ولهذا السبب، تم نقل مهمة هذا الجزء من الأنشطة السياسية لمارين لوبان إلى “ماريون مارشال لوبان”، ابنة أخت مارين.

ماريون مارشال لوبان هي الوريثة الشرعية لجدها جان ماري لوبان. إنها يمينية ومتطرفة أكثر من خالتها، وتؤمن بالجيل الجديد من اليمين المتطرف الفرنسي أكثر من أي فرد آخر في عائلة لوبان.

بينما يعود الظهور السياسي الأول لماريون مارشال إلى عام 1992، أعلنت في عام 2017 اعتزالها السياسة، وهي خطوة غير متوقعة وصفها الكثيرون بأنها عدم رغبة ماريون مارشال في أن تصبح عقبةً وتحديًا في طريق خالتها.

لکن على عكس ادعاءاتها، واصلت ماريون مارشال أنشطتها السياسية بعيدًا عن حزب جدها، لدرجة أن حفيدة جان لوبان تقوم اليوم بتنفيذ مشروع “تحالف اليمين المتطرف” أو “توحيد اليمين المتطرف” في فرنسا، وحتى الآن، بالإضافة إلى الاجتماعات العديدة مع مجموعات اليمين المتطرف الفرنسية، ناقشت مواضيع وقضايا مهمة، بما في ذلك الإسلام والمسلمون، وتوصلت إلى اتفاقات أيضًا.

في الوقت الحالي، لا تريد ماريون مارشال لوبان الظهور علانيةً في المشهد السياسي الفرنسي، لكنها لا تخفي خلافاتها مع خالتها مارين لوبان، وهي قضية دفعتها مؤخرًا إلى الاقتراب من إريك زمور، المرشح الآخر للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، المعروف بآرائه المتشددة حول الإسلام والمسلمين.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن لدی إريك زمور فرصة أفضل للوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، والتنافس مع إيمانويل ماكرون وحتى دخول قصر الإليزيه. وهو الشخص الذي أعلن جان ماري لوبان رسميًا بأنه سيدعمه ضد ابنته في الانتخابات المقبلة.

يجب القول في الختام إنه على الرغم من أنه حتى الآن لم يتمكن أي من أفراد عائلة لوبان من تحقيق هدفهم المتمثل في تولي دفة المشهد السياسي الفرنسي، لكن الكثيرين يأملون في أن تمهد ماريون مارشال لوبان الطريق للعائلة لدخول قصر الإليزيه في السنوات القادمة، من خلال الآراء المعادية للإسلام والفاشية والعنصرية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق