محافظة المهرة اليمنية: من العزلة إلى ذروة المنافسة الأجنبية
في حين أن الجبهتين الوسطى والغربية في الحرب اليمنية ضيقت الخناق على السعودية والإمارات والمرتزقة التابعين لهما، وأصبحت الرياض وأبوظبي حبيستا في مستنقع الأزمة اليمنية، إلا أن الوضع في شرق اليمن على ما هو عليه، وقد واجهت خطط الرياض خلال السنوات الماضية عند محاولتها لتوسيع وجودها ونفوذها في محافظة المهرة تحديات واسعة النطاق. وحول هذا السياق، أفادت وسائل إعلام محلية، أنه في الأيام الأخيرة، خرجت اعتصامات واحتجاجات واسعة من قبل سكان وشيوخ محافظة المهرة ضد استمرار الوجود العسكري السعودي، وكذلك البريطاني، وأكد أبناء هذه المحافظة على الاستمرار في احتجاجاتهم حتى مغادرة المحتلين. ولقد أعادت لجنة الاعتصام السلمي بمحافظة المهرة فتح ملف وقائع الأنفاق المتعلقة بقتل متظاهرين على يد الجيش السعودي عام 2018.
وقد أعادت لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة المطالبة بخروج كافة القوات الأجنبية من أراضي المحافظة الحدودية مع سلطنة عمان، فتح ملف أحداث الأنفاق الذي والمدانة فيه القوات السعودية التي تسيطر على المحافظة منذ العام 2018، كتهديد جديد للتحالف السعودي الإماراتي ونافذة للتصعيد ضد التحالف العسكري السعودي الإماراتي الذي قد يتطور إلى التصعيد المسلح. وفي تهديد مباشر بالمواجهة المسلحة مع القوات العسكرية السعودية أو البريطانية المتواجدة بالمهرة، قالت لجنة الاعتصام في اجتماعها الأخير الذي عقدته صباح الخميس الماضي برئاسة الشيخ “علي سالم الحريزي” قائد مقاومة أبناء المهرة ضد الاحتلال السعودي الإماراتي ووكيل المحافظة السابق،إن أبناء المهرة أصبحوا اليوم أكثر وعياً من السابق لمخططات قوات الاحتلال، وصرح “الحريزي” خلال الاجتماع أنهم في المهرة لن يخضعوا أو يركعوا وسيظلون أفياء لوطنهم ومحافظتهم، مطالباً بضرورة رحيل كافة القوات الأجنبية من اليمن والمحافظة بشكل عاجل ودون تأخير.
وقال “الحريزي” إن على جميع اليمنيين التوحد صفا واحداً لإخراج الاحتلال السعودي الإماراتي من اليمن الذي يواصل الإمعان والتفنن في تعذيب الشعب اليمني بكافة الأساليب. ومن جهتها لوحة لجنة الاعتصام السلمي بالتصعيد ضد تحالف العدوان العسكري السعودي الإماراتي في المهرة عسكرياً، حيث تعمدت اللجنة في بيان اجتماعها الأخير أن تذكر الرياض بأن ملف حادثة الأنفاق ما يزال مفتوحاً، وأكدت اللجنة أن هذا الملف “مثّل انطلاقة الشرارة الأولى لتلاحق القتلة حتى اليوم، وفشلت مخططات الاحتلال الذي كان يريد من خلالها جرّ المهرة لمربع الاقتتال. وقبل أسبوع أصدرت اللجنة بياناً بشأن حادثة الأنفاق، قالت فيه “تحل اليوم الذكرى الثالثة لجريمة الأنفاق التي أقدمت من خلالها السعودية وأدواتها بمحافظة المهرة في 13 نوفمبر 2018 على إطلاق النار على المتظاهرين في منطقة الأنفاق، ما أسفر عن استشهاد الشابين: ناصر سعيد احمد نشوان و علي احمد عرره الجدحي” وأضافت اللجنة في بيانها السابق “إن تلك المجزرة البشعة كشفت الوجه الحقيقي للتحالف السعودي الإماراتي وأدواته في المهرة، في محاولة إغلاق المحافظة في وحل الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي لتحقيق الأطماع القديمة الجديدة للرياض”.
الخصائص الجغرافية لمحافظة المهرة
محافظة المهرة هي ثاني أكبر محافظة في اليمن من حيث الحجم والمساحة وتقع في المنطقة الشرقية للبلاد. وتحدها عمان من الشرق، والمملكة العربية السعودية من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، وبحر العرب من الجنوب. ويبلغ طول ساحلها 560 كم، وهي أطول محافظة ساحلية في اليمن. وبينما تغطي الصحراء الشاسعة غير المأهولة تقريبًا معظم جنوب المهرة، إلا أن هذه المحافظة بها أيضًا مناطق جبلية وغابات رائعة. ولقد قدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في عام 2017 أن عدد سكان المحافظة يبلغ 150 ألف نسمة. ومع ذلك، تشير التقديرات الحالية إلى أن عدد سكان المهرة يبلغ حوالي 650 ألف نسمة، بالنظر إلى تعداد النازحين الذين جاؤا إليها من المحافظات اليمنية الاخرى. ويعتمد اقتصاد المهرة في الغالب على صيد الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات والإيرادات الجمركية، والتي يتم الحصول عليها من المعابر الحدودية لهذه المحافظة مع عمان. وللمهرة، التي كانت تعتبر ملكية مستقلة حتى طرد القوات البريطانية في عام 1967، روابط تاريخية واسعة بالنظام السلطاني العماني.
التنافس الجيوسياسي بين عمان والمملكة العربية السعودية على المهرة
شهدت عمان أهمية المهرة كمجال مهم للأمن القومي منذ السبعينيات. وتحتل محافظة المهرة اليمنية موقعًا استراتيجيًّا مهمًّا جعلها ميدانًا لتنافس إقليمي لاسيما بين سلطنة عمان والسعودية والإمارات وإيران، وقد ظلت هذه المحافظة بمنأى عن الصراع الدائر في اليمن خلال السنوات الأولى للحرب التي أعلنها تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات ضد أبناء الشعب اليمني، غير أنها لم تعد كذلك خاصة بعد زيادة السعودية وجودها العسكري هناك بحجة منع تهريب الأسلحة إلى الحوثيين؛ الأمر الذي أثار مخاوف سلطنة عمان، وترتب على ذلك أن أصبحت هذه المحافظة في قلب الصراع اليمني والتنافس الإقليمي. ولا تزال أعباء تاريخ الصراع على السلطة في عُمان حاضرة في ذاكرة النظام الحاكم، وربما الشعب العماني كله، وذلك إزاء الدور الذي لعبته المهرة أثناء ما عُرف بثورة ظفار في الفترة 1965- 1975؛ حيث كان النظام الحاكم في الشطر الجنوبي من اليمن يمد الثوار في منطقة ظفار العمانية بالأسلحة والمؤن، ويتيح لهم التدريب والتمركز والانطلاق من المهرة، بل شاركهم مقاتلون يمنيون في خوض المعارك.
وكان دافع ذلك مشكلة الحدود البرية، وجزر “كوريا موريا” التي كانت ضمن محمية عدن وسلَّمتها بريطانيا لسلطنة عمان، ثم تطورت الأحداث إلى قيام عمان، وبدعم بريطاني، بشن هجمات جوية على منطقة حوف الحدودية، ودخول إيران على خط المواجهة، بإرسال قوات برية وجوية؛ دعمًا للسلطان قابوس عام 1973، وانضمام الأردن كداعم آخر، وانتشار قوات تابعة لها بالقرب من المهرة، بعد دحر مقاتلي ما كان يسمى “الجبهة الشعبية لتحرير عُمان”. ويثير الوجود العسكري السعودي في المهرة، ذكريات مؤلمة تجرَّعت فيها عمان مرارة تدخل السعودية في شؤونها أثناء ثورة “ظفار”، حين ساندت، بالمال والسلاح، فصائل مسلحة في جبهة تحرير ظفار، مثل: تنظيم الجمعية الخيرية الظفارية، وجماعة ابن نوفل؛ نكاية بالسلطان “سعيد بن تيمور”، الذي تعقَّدت في عهده مشكلات الحدود بين البلدين، وإن كان موقف السعودية قد تحوَّل فيما بعد، أو سار في الاتجاهين، إثر زيارة السلطان قابوس للسعودية عام 1971، بعد عام من توليه السلطة؛ رغم أنَ مشكلة الحدود ظلت باعثًا لقلق سلطنة عمان كلما تصاعد الحديث بشأن حلها بين عمان واليمن والسعودية
وكانت الإمارات، خلال عام 2016، حاولت التمدد في المهرة، عن طريق تقديم المساعدات الغذائية للسكان، ثم حاولت خلال العامين التاليين إنشاء ميليشيات مسلحة موالية لها، على غرار قوات النخبة والحزام الأمني في شبوة وعدن. وفيما يبدو أن هذا الأمر أثار هواجس أمنية لدى سلطنة عمان، على خلفية إحباطها نشاطًا استخباريًّا كشفت عنه وسائل إعلامها الرسمية مطلع عام 2011، ضمن خلية تجسس يقف وراءها جهاز أمن الدولة الإماراتي “مستهدفًا نظام الحكم في عُمان، وآلية العمل الحكومي والعسكري فيها”. ويضاعف هذه الهواجس الكشف عن نشاط تجسسي إماراتي آخر في عمان، خلال عام 2019، لا تزال تفاصيله محل تحفظ سلطاتها. وعلى الرغم من تصدُّر السعودية مشهد التوتر الحاصل في المهرة، إلا أن الإمارات حاضرة بطريقة غير مباشرة، في إطار استراتيجية “النهج غير المباشر”، التي أعلنت عنها عقب انسحاب معظم قواتها من اليمن، في يناير/ كانون الثاني 2020. وقد دفع كل ما سبق عمان لأن تنظر إلى ما يجري بالقرب من حدودها مع اليمن بوصفه تهديدًا تقليديًّا لأمنها الوطني،
لقد أضحت محافظة المهرة اليمنية؛ بفعل موقعها الاستراتيجي بالنسبة لمختلف أطراف الصراع، وضعف الحكومة الشرعية في السيطرة عليها؛ مساحة تنافس جيوسياسي، بين هذه الأطراف، وتبرز في واجهة ذلك بوضوح، سلطنة عمان والسعودية، بوصفهما الدولتين المحاذيتين لها، وقد أخذ هذا التنافس في الاقتراب من ملامح أزمة بينهما؛ نتيجة لما يُوجَّه إلى عمان من اتهامات بشأن تسهيل عبور أسلحة إلى قوات حكومة صنعاء عبر أراضيها، ولما تَعُده عمان تهديدًا تقليديًّا لها؛ بفعل الوجود العسكري السعودي بالقرب من حدودها بمحافظة المهرة اليمنية.
المصدر/ الوقت