اللعبة المزدوجة لـ”تل أبيب” في ماراثون المفاوضات النووية
مع اقتراب الجولة السابعة من المحادثات النووية الإيرانية مع مجموعة 5 + 1 والولايات المتحدة، في 29 نوفمبر 2021 في العاصمة النمساوية فيينا، اتخذ مؤيدو ومعارضو اتفاقية الخطة الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” مواقفًا متعددة نوقشت على نطاق واسع. وفي غضون ذلك، كان الكيان الصهيوني أحد الفاعلين الذين اتخذوا أكبر موقف في محادثات فيينا من أجل إحياء الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أن المسؤولين السياسيين في هذا الكيان كانوا يأملون في إقناع حكومة “بايدن” بعدم مواصلة المحادثات بعد تعليق الجولة السادسة من محادثات فيينا بسبب تغيير الحكومة في إيران، إلا أنه يبدوا أنه مع الانطلاقة الأخيرة للجولة الجديدة من المحادثات، ينوي سياسيو “تل أبيب” التستر على إخفاقاتهم السياسية.
وفي هذا الصدد، رأينا مؤخرًا أن الصهاينة قد رفعوا سقف مواقفهم المزدوجة على المستوى الشعبي كما كان الحال منذ عدة سنوات، ولقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت”، تل أبيب إلى معارضة أي اتفاق جديد. وعلى عكس هذا النهج، زعم وزير الحرب الصهيوني “بيني غانتس” مؤخرًا في مؤتمر عقد في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية في 22 نوفمبر 2021، أنه سيدعم صفقة نووية أطول وأقوى وأكثر رقابة مع إيران. وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تحدثت فيه وزارة الخارجية الأمريكية عن مناقشة محادثات فيينا مع إسرائيل. بشكل عام، يمكن أن يُفهم من هذا الوضع أن السيناريو الأول للصهاينة لا يزال هو عدم إحياء الاتفاق النووي، والسيناريو البديل لهم هو توقيع اتفاق نووي جديد يضم بنود إضافية.
وحول هذا السياق، أكدت صحيفة عبرية، يوم الأحد الماضي، أن حالة من القلق تسود في إسرائيل من أن الولايات المتحدة والدول الكبرى، قد تقبل بابرام اتفاق نووي جزئي مع إيران، يقل عن اتفاق 2015 ما يسمح لها بالاحتفاظ بكميات “يورانيوم” قامت بتخصيبها خلال الفترة الأخيرة. وأشارت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أن هناك اعتقادا متزايدا في تل أبيب بأن الغرب سيهرع لتوقيع اتفاق محدود مع إيران، لوقف اندفاعها النووي المتصاعد، منذ قرار الرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب”، عام 2018، الانسحاب من الاتفاق المبرم بين مجموعة 5 + 1 والنظام الإيراني عام 2015. وقالت الصحيفة، “يتزايد قلق المسؤولين الإسرائيليين من أن واشنطن والدول الغربية، سيحاولون التوصل لاتفاق جزئي مع إيران، سيكون أكثر محدودية من الاتفاق النووي الأصلي”. وأضافت، “من السيناريوهات المعروضة خلال التصريحات حول الموضوع في الأيام الأخيرة، أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ستكتفي بصفقة تتضمن عنصرين فقط، وهما رفع العقوبات الدولية المفروضة حاليًا على إيران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم فقط”.
النتائج العكسية لأعمال الكيان الصهيوني العدائية
منذ بدء المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 5 + 1 في عام 2013، أعلن الكيان الصهيوني صراحة معارضته لأي اتفاق، ولكن بعد فشلهم الأولي في وقف المحادثات وتغيير نهج إدارة “باراك أوباما” في ذلك الوقت للتوصل إلى اتفاق، وضع الكيان الصهيوني سياسة لتنفيذ عدد من العمليات لتقويض هذا الاتفاق على جدول أعماله. ولفد أدى وصول إدارة “دونالد ترامب” إلى السلطة في 20 كانون الثاني (يناير) 2017 إلى جعل الكيان الصهيوني أكثر شجاعة في تنفيذ أعماله المدمرة. وفي هذا الصدد، وبهدف تدمير الاتفاق النووي أو ما يسمى بوقف البرنامج النووي الإيراني، شن الكيان الصهيوني أعمالاً إرهابية مثل اغتيال علماء نوويين وهجمات على سفن إيرانية، ولكن عندما نرى كافة المؤامرات والخطط الصهيونية، نرى أن هجماتهم على برنامج إيران النووي جاءت بنتائج عكسية، حيث أصبحت طهران تمتلك نظام تخصيب أكثر كفاءة. كما أن زيادة وتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة وبدء التخصيب في قاعدة “نطنز” النووية حتى 60٪ هو رمز لنجاح إيران وهزيمة الصهاينة.
عدم وجود جدية للتوقيع على الاتفاق النهائي
في خطتهم (ب)، يسعى الكيان الصهيوني، بعد فشله في وقف المفاوضات النووية، إلى الدعم والضغط من أجل الاتفاق على اتفاق جديد يشمل قضية الأمن الإسرائيلي والقضايا الإقليمية والصاروخية. ومن الآن فصاعدًا، يمكن اعتبار هذا المطلب يُعد فشلًا لهذا الكيان، لأن المسؤولين السياسيين الإيرانيين بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أكدوا مرارًا أنهم لن يقبلوا أي مفاوضات جديدة بعد تلك التي تم الاتفاق عليها في عام 2015. ولقد تم رفض مسودة الاتفاق النهائي أو الاتفاق النووي 2، صراحةً من قبل الحكومة الإيرانية الجديدة، وصرحت طهران بأنها لن تقبل أي قضايا جانبية بخلاف الاتفاق النووي لعام 2015. بالطبع، هذه القضية تم الاتفاق عليها من قبل جميع أطراف محادثات فيينا، وستستند خارطة الطريق إلى حقيقة أن واشنطن يمكن أن تعود إلى عضوية مجلس الأمن الدولي من خلال رفع العقوبات الجائرة وغير القانونية عن إيران، وإيران بعد ذلك، ستعود إلى الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي.
فشل “تل أبيب” الكبير في القضاء على الاتفاق النووي الإيراني
أخيرًا ، يُلاحظ أنه في الوضع الراهن، تتعارض مواقف الكيان الصهيوني تمامًا مع النهج العالمي المهيمن تجاه الملف النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وحتى الولايات المتحدة، باعتبارها الشريك الاستراتيجي الأهم والأساسي للكيان الصهيوني، لديها مواقف معاكسة تمامًا ضد هذا الكيان بسبب إدراكها لغياب الضغط على إيران والآثار السلبية للعقوبات على تطوير برنامجها النووي. وحتى في الوضع الحالي، فإن إدارة “بايدن” غير قادرة على بناء إجماع دولي ضد برنامج طهران النووي السلمي، ويبدو أن استراتيجيي البيت الأبيض أدركوا أنه لا توجد طريقة أخرى سوى إحياء الاتفاق النووي. وهذا الوضع يمكن اعتباره هزيمة كبيرة للكيان الصهيوني.
تحذيرات إيرانية لـ”تل أبيب”
حذرت إيران، في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، من أي مغامرات عسكرية إسرائيلية محتملة ضد برنامجها النووي، في وقت أجرى “إنريكي مورا” نائب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي مباحثات اليوم الخميس مع مسؤولين إيرانيين بالعاصمة طهران. وقالت طهران، في رسالتها لمجلس الأمن، إنها تحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها بشكل حاسم في مواجهة أي تهديد أو خطأ في الحسابات من قبل إسرائيل. كما دعا السفير الإيراني بالأمم المتحدة “مجيد تخت روانتشي” مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته ومحاسبة إسرائيل على إجراءاتها غير القانونية ضد بلاده. وأضاف أنه، خلال الأشهر الأخيرة، ازدادت حدة المغامرات والتهديدات الاستفزازية الإسرائيلية ضد إيران بشكل مطرد، ووصلت إلى مستويات تنذر بالخطر. وشدد “روانتشي” على أن تهديدات إسرائيل، بمواصلة تدمير قدرات إيران، تثبت بلا شك أنها كانت مسؤولة عن هجمات إرهابية ضد البرنامج النووي السلمي الإيراني، على حد قوله.
هذا ويتهم مسؤولون إسرائيليون إيران بشكل متكرر، بالسعي لتطوير سلاح ذري، قائلين إن إسرائيل لن تسمح بذلك. من جهتها، تنفي إيران سعيها لتطوير سلاح كهذا، وتؤكد سلمية برنامجها النووي. وسبق لطهران أن اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف “اعتداءات” طالت منشآتها النووية واغتيال علماء بهذا المجال. وفي سياق متصل، قالت الخارجية الإيرانية إن المباحثات، بين نائب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي مع “علي باقري” المساعد السياسي لوزير الخارجية، تركزت على المفاوضات النووية من أجل رفع العقوبات “الجائرة” المفروضة على إيران. وأضافت الخارجية في بيان أن الطرفين الإيراني والأوروبي ناقشا أيضاً عددا من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الملف الأفغاني وكذلك العلاقات بينهما. ومن جانبه، قال “علي باقري”، المساعد السياسي لوزير الخارجية الإيراني، خلال استقباله المسؤول الأوروبي في طهران، إن إيران مستعدة لإجراء مفاوضات نووية جدية تفضي إلى نتائج عملية وليس مجرد اتفاق على الورق. وأضاف “باقري”، أن لدى بلاده شكوكا جدية حول وجود إرادة حقيقية لدى واشنطن للوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي.
المصدر/ الوقت