التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

أحلام ماكرون المشؤومة لمنطقة الخليج الفارسي 

زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإمارات وقطر والسعودية يومي 3 و 4 ديسمبر 2021، خلال زيارته الجديدة لمنطقة الخليج الفارسي.

في البداية وصل الرئيس الفرنسي إلى أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، في 3 ديسمبر 2021، على رأس وفد رفيع المستوى. ثم حط ماكرون الرحال في قطر وبعدها السعودية في 4 ديسمبر 2021.

وخلال هذه الزيارة التي استمرت يومين، التقی رئيس قصر الإليزيه مع كبار المسؤولين في الدول الخليجية، وناقش معهم مختلف القضايا. وتأتي هذه الزيارة في وقت زادت فيه تحركات ماكرون الدبلوماسية تجاه منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي زيادةً كبيرةً خلال العامين الماضيين.

على سبيل المثال، تدخل فرنسا في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2021 للعب دور الأخ الأكبر والوسيط، وکذلك زيارة رئيس قصر الاليزيه إلى العراق وحضوره قمة بغداد الأمنية بعنوان “بغداد للتعاون والمشاركة” في 28 آب 2021 والتي عقدت في العاصمة العراقية، تعبير واضح عن استراتيجية باريس الجديدة في منطقة الخليج الفارسي.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي الأهداف التي تسعى فرنسا لتحقيقها في استراتيجيتها الجديدة؟

إنسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وحرص باريس على استعادة مكانتها التقليدية في الشرق الأوسط العربي

لا شك أن أهم قضية في منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي في الوضع الراهن، تتعلق بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية.

على مدى السنوات القليلة الماضية، أطلقت استراتيجيات باراك أوباما ودونالد ترامب التحذير الأولي للدول العربية في المنطقة التي وضعت كل بيضها في سلة الدعم الأمريكي، لكن بعد تولي إدارة بايدن السلطة، الأمر الذي جعل استراتيجية “التحوُّل شرقاً” من أولويات السياسة الخارجية لواشنطن، تشعر الدول العربية أكثر من أي وقت مضى بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.

ولكن بالإضافة إلى مخاوف الدول العربية، فإن فرنسا التي تدرك الفراغ الذي نشأ في المنطقة والحاجة الملحة في منطقة غرب آسيا لإيجاد داعم جديد، بدأت إستراتيجية إحياء دورها التقليدي ومكانتها في غرب آسيا وشمال أفريقيا.

في الواقع، انخرطت فرنسا في السنوات الأخيرة بسرعة في حروب عسكرية في إفريقيا – مثل ليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى – لكنها أصبحت مؤخرًا قوةً دبلوماسيةً في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من نجاح فرنسا في تأمين مصالحها الاقتصادية في غرب آسيا، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كامل سياسيًا من خلال بعض السياسات المتسرعة، مثلاً ضد سوريا وإيران.

وهكذا، في بداية عهد فرانسوا هولاند وأوائل إيمانويل ماكرون، حاولت باريس وضع سياسات أحدث على جدول الأعمال في أجزاء مختلفة من آسيا، حسب الاقتضاء.

في السياق الحالي، ينصب التركيز الرئيسي لسياسات ماكرون على استعادة المجد الذي تصوره شارل ديغول سابقًا، لكن هناك بالتأكيد فوارق في تكتيكات ماكرون وبعض استراتيجياته.

من خلال دراسة بعض سياسات فرنسا الفاشلة خلال العقد الماضي، يسعى ماكرون إلى تعويض ذلك من خلال تبني التعددية كسياسة عامة وناجحة في شكل تحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصةً في غرب آسيا.

في غضون ذلك، أدى انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا والشرق الأوسط واللامبالاة بين الدول الأوروبية، إلى خلق فراغ جيوستراتيجي. وفي الواقع، تبحث باريس عن طرق جديدة للحفاظ على استقلالها في السياسة الدفاعية، وملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن تراجع الاهتمام الأمريكي بأوروبا ومناطق أخرى مثل الشرق الأوسط.

وکان ماكرون قد قال سابقًا إن القوى الإقليمية تعرف كيفية تحويل هذا الفراغ لصالحها. ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة الزيارة الجديدة لرئيس قصر الإليزيه في سياق تنفيذ هذه الاستراتيجية.

أهداف باريس الاقتصادية وبناء التحالف العسكري في العالم العربي

تماشياً مع دوافع باريس لإحياء موقعها التقليدي في منطقة غرب آسيا، يسعى ماكرون إلى تقديم بديل فرنسي ليحل محل فراغ الوجود الأمريكي، وذلك من خلال إبرام الاتفاقيات العسكرية والتجارية والأمنية مع الدول الخليجية.

وفي هذا السياق، نرى أنه خلال زيارة إيمانويل ماكرون لأبوظبي، تم إبرام صفقة أسلحة بين الجانبين، سيتم بموجبها بيع 80 مقاتلة فرنسية من طراز رافال و 12 مروحية من طراز “كاراكال” إلى الإمارات.

كذلك، خلال لقاء ماكرون مع تميم بن حمد آل ثاني، بحث أمير دولة قطر العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والاستثمار والدفاع والأمن والتعليم والتنمية.

وخلال زيارته للسعودية وبعد لقاء الرئيس الفرنسي ومحمد بن سلمان، شدد ولي العهد السعودي على أهمية التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية.

وإدراكًا منه للرغبة الخاصة للدول العربية في شراء الأسلحة العسكرية، يسعى ماكرون إلى أن يكون مصدرًا رئيسيًا لازدهار الاقتصاد الفرنسي، من خلال جذب الدولارات النفطية من العالم العربي.

کما يُظهر نهج باريس الجديد بوضوح أن قضايا حقوق الإنسان لا مكان لها في استراتيجية باريس الجديدة، وأنها من بين الأولويات الأخيرة لباريس. وفي الواقع، تشير حوادث مثل اغتيال جمال خاشقجي وبيع الأسلحة من قبل فرنسا للإمارات، إلى أن قضايا حقوق الإنسان سيتم تعليقها بالكامل كلما اقتضت مصلحة قصر الإليزيه ذلك.

المصالحة العربية مع لبنان ومسرحية ماكرون الفاشلة مسبقاً

الهدف الآخر من زيارة ماكرون إلى الدول الخليجية، هو لعب دور الأخ الأكبر أو إدارة الخلاف بين لبنان والعالم العربي.

فمن جهة، تنوي باريس إدارة التطورات السياسية اللبنانية بما يتماشى مع سياساتها، ومن جهة أخرى تنوي تقديم نفسها على أنها الشخصية والممر الرئيسي في مجال قضايا العالم العربي مع لبنان.

وفي هذا الصدد، نرى أن ماكرون، في أحدث تحركاته على هامش زيارته للإمارات، أيد استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ووصفها بأنها نافذة لتهدئة العلاقات بين الرياض وبيروت.

كما عرض ماكرون خطته الخاصة لإدارة قضية المصالحة السعودية اللبنانية، في مؤتمر صحفي عقب زيارته للسعودية. وفي الواقع، يعدّ العرض السياسي لماكرون محاولةً لتقديم باريس علی أنها قوةً عبر إقليمية بين الدول العربية.

کما ينوي ماكرون أن يجعل فرنسا وزنًا موثوقًا به بين الدول العربية، وبالتالي مواءمة السياسة العربية مع مصالح فرنسا وسياساتها الكلية.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مسرحية ماكرون لاستعادة هيبة فرنسا التقليدية ومكانتها على المستوى الإقليمي، فضلاً عن تقديمها كمنقذ للعالم العربي، يمكن اعتبارها مسرحيةً فاشلةً دون نتائج ميدانية.

اليوم، لا يخفى على أحد أن جهود فرنسا لإدارة الوضع في لبنان خلال العامين الماضيين لم تفشل فقط في تحقيق الاستقرار في هذا البلد، بل أدت أيضًا إلى تفاقم الأزمة.

كذلك، فإن الوجود الفرنسي في سوريا تحت ستار دعم قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، سيكون محكوم عليه بالفشل في المستقبل القريب؛ لأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أظهر أن الغربيين لم يكن لديهم خطة طويلة الأمد للتواجد في المنطقة، ويمكن تكرار هذا السيناريو فيما يتعلق بسوريا أيضًا، وفي المستقبل القريب ستمارس دمشق بالتأكيد سيطرتها القانونية على المناطق الشمالية من البلاد.

وفي مثل هذه الحالة، لن تكون فرنسا بالتأكيد قادرةً على العمل بشكل مستقل ومن جانب واحد، وهذا يعني هزيمةً أكبر لباريس.

بشكل عام، يمكن القول إن جميع الحقائق على الأرض تشير إلى أن محاولات فرنسا للتسلل إلى المنطقة، على شكل شعارات مثل محاربة الإرهاب ودعم الاستقرار في غرب آسيا ودعم الملاحة الحرة في مياه الخليج الفارسي وغير ذلك، غير مدعومة عملياً وباريس وحدها لن تكون قادرةً على اتخاذ أي إجراء مستقل في المنطقة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق