أين المعقل الجديد لداعش في العراق
تسببت هجمات داعش المتناثرة في العراق في كارثة مرة أخرى، حيث لفتت انتباه الجمهور العراقي إلى مخاطر فلول الجماعة الإرهابية. وبحسب مسؤولين أمنيين في إقليم كردستان العراق، فقد خطف الإرهابيون في البداية ثلاثة من سكان إحدى القرى في محافظة أربيل أمس ثم فاجأوا قوات الأمن في المنطقة مما تسبب بمقتل 13 منتسباً.
على الرغم من انتهاء الخلافة المعلنة لداعش في العراق وسوريا في عام 2017 على يد قوات المقاومة المشتركة، إلا أن العناصر المتناثرة ونواة هذه المجموعة الإرهابية لا تزال نشطة في بعض مناطق محافظات ديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين والأنبار وبغداد.
جبال مخمور؛ معقل داعش في العراق
تستند الأنشطة الإرهابية لبقايا داعش في هذه المناطق بشكل أساسي على تدمير البنية التحتية الاقتصادية مثل أبراج الكهرباء والمنتجات الزراعية، وانعدام أمن النقل والسرقة، والاختطاف لأسباب مالية أو طائفية وقومية، وفي بعض الحالات الهجمات على قواعد الجيش والشرطة والتفجيرات. في غضون ذلك، فإن القضية المهمة هي وجود ثغرات أمنية في بعض المناطق تمكنت عناصر داعش من تحويلها إلى ملاذ آمن لعمليات التوغل السرية في الجبال، وتجنيد القوات وتدريبها، والتخطيط لأعمال شريرة. ووصف الهجوم بأنه رابع هجوم لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية على قوات البيشمركة خلال أسبوع. وفي الأسابيع الأخيرة، كثف عناصر داعش عملياتهم في محافظتي كركوك وديالى، وقالت مصادر إن الأمر تكرر بدرجة أقل في محافظة نينوى المجاورة. لفت هجوم داعش الواسع النطاق على قرية الخطاب في منطقة القيارة جنوب شرق نينوى في أوائل سبتمبر، والذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا، الانتباه إلى تهديد داعش في بغداد. ومن المثير للاهتمام أن المناطق الرئيسية لوجود ونشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هي ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها في النزاع بين بغداد وأربيل، والتي كانت تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان العراق، لكن بعد أزمة إجراء استفتاء انفصالي عام 2019، استعاد الجيش وقوات الحشد الشعبي هذه المناطق من أكراد العراق. وتشير مصادر محلية إلى أن “جبال حمرين” و “قره جوخ” في جنوب كركوك ومحافظة ديالى على أنهما أهم القواعد والمخابئ الجبلية لداعش. قره جوخ هي سلسلة جبال كبيرة تقع في منطقة مخمور جنوب شرق نينوى بطول حوالي 65 كم وطول تقريبي 40 كم وهي من أطول سلاسل الجبال في العراق بعد قنديل وحمرين وحصاروست وزاغروس.
أعلى قمة في جبل قره جوخ هي 2100 متر ولها 9 ارتفاعات كل منها لها اسم ولها قرى مختلفة مثل داري وزود وتافان وغيرها. وتتميز بتضاريسها الصخرية ووفرة الكهوف والملاجئ والممرات الجبلية حيث يصعب على المركبات والمجنزرات العسكرية التقدم فيها. أكد مسؤولون عسكريون في بغداد أن جبال قره جوخ، المنطقة الحدودية بين كردستان العراق ونينوى والمصنفة على أنها متنازع عليها على إدارتها بين بغداد وأربيل، أصبحت ملاذا جديدا لداعش. ويُعتقد أن بعض عناصر هذا التنظيم دخلوا العراق مؤخرًا من سوريا ولجأوا إلى الجبال كمأوى مؤقت. وتشمل هذه الجبال كهوفًا، بعضها طبيعي وبعضها تم حفره مؤخرًا من قبل داعش، وفيها نباتات ووديان عميقة. يعتقد الخبراء أن الوجود طويل الأمد لداعش في أجزاء كبيرة من جبال قره جوخ يعني تعزيز هذه القلعة الدفاعية، وبالتالي لا ينبغي تأخير عملية تطهيرها والسيطرة عليها، حيث يمكن أن تشكل تهديدًا للأمن في المنطقة والعراق كله. يعتقد الخبراء والمسؤولون العسكريون العراقيون أيضًا أن داعش قد غيرت استراتيجياتها الهجومية، والآن أهم شيء بالنسبة لداعش هو الظهور في أكثر من منطقة لتعطيل تركيز الجيش والأجهزة الأمنية.
ضرورة التنسيق الأمني بين بغداد وأربيل، جهود الولايات المتحدة للصيد في المياه العكرة
أثار هجوم تنظيم الدولة الإسلامية يوم أمس موجة من ردود الأفعال بين السياسيين العراقيين. في غضون ذلك، فإن أكثر ما يتجلى في خطابات القادة العراقيين من أربيل وبغداد هو الحاجة إلى زيادة التعاون والتنسيق الأمني والعسكري في المناطق المتنازع عليها من أجل مواجهة تواجد داعش بشكل فعال. على سبيل المثال، دعا رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني إلى مزيد من التعاون الأمني مع قوات الأمن العراقية لمواجهة أنشطة داعش. في الواقع، تم ذكر وجود فجوات أمنية في المناطق المتنازع عليها كأحد المجالات الرئيسية لتعزيز داعش. قال العقيد المتقاعد سعد الحديثي، خبير أمني عراقي، للعربي الجديد: “من الأسباب الرئيسية التي جعلت الجبال محور تركيز داعش أنها في منطقة الصراع بين أربيل وبغداد، وجميع الجماعات الارهابية بالإضافة لداعش استفادت من هذه الخلافات في العراق منذ 2003”. في هذا السياق، هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بهجمات داعش الأخيرة وهي جهود الولايات المتحدة للصيد في الماء العكر أمنيا. يتعين على الأمريكيين، بناء على اتفاقهم مع بغداد وقرار البرلمان العراقي بشأن ضرورة سحب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، إغلاق قواعدهم بحلول نهاية العام الحالي وسحب جميع قواتهم من البلاد. لكن في الأسابيع الأخيرة، أظهرت مواقف مختلف المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين أن قادة البيت الأبيض غير مستعدين لتطبيق الاتفاق المعلن. بالإضافة إلى المصادفة المشبوهة لتصعيد هجمات داعش مع اقتراب الأيام والأسابيع الأخيرة للقوات الأمريكية في العراق، كانت هجمات المجموعة الإرهابية الأخيرة ذريعة لمسؤولي واشنطن لاتخاذ موقف بشأن الاستعدادات لاستمرار التعاون الأمني مع بغداد وأربيل.
وفي هذا الصدد، فإن ما تحتاجه القوات العراقية في محاربة داعش هو أكثر من الدعم العسكري الكاذب من الولايات المتحدة والتحالف الذي يقوده، وزيادة التنسيق الاستخباراتي والعملياتي وتنسيق القوات المسلحة العراقية، وعلى وجه الخصوص، فإن إرادة قادة أربيل ضرورية لتنفيذ ذلك.
المصدر/ الوقت