التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

ما حقيقة الشراكة الجزائرية الروسية لتقويض نفوذ فرنسا في أفريقيا 

رغم قدم العلاقات الجزائرية الروسية وامتدادها إلى الزمن السوفياتي وميلاد الدولة الوطنية في الجزائر عقب استقلالها عن فرنسا عام 1962، إلا أن هناك الكثير من الملفات والقضايا والنقاط المشتركة بين البلدين التي زادت من التقارب والتعاون بينهما.

حيث يبدو أن آخر مناورة عسكرية مشتركة بين القوات الروسية والقوات الجزائرية في حوض المتوسط، قد تلقفها صناع القرار الفرنسي بمثابة التنبيه والرسالة المباشرة على انكفاء الدور الفرنسي في هذه المنطقة مع بداية التمدد الروسي.

تعيش اليوم فرنسا أحلك فتراتها في مناطق نفوذها الإفريقي السابقة، وذلك مقابل التمدد والحضور القوي لروسيا في المنطقة، سواء عبر المليشيات الروسية “فاغنر” المنتشرة في الساحل الإفريقي، أو عبر إبرام عدة اتفاقيات عسكرية واستراتيجية وتطوير الشراكات المختلفة مع عدة أقطاب ودول افريقية، لطالما امتعضت من الاستنزاف والاستحواذ الفرنسي لها منذ عقود، حتى بعد حصولها على الاستقلال.

ومؤخراً يرى المحللون ان انسجام مواقف الجزائر وروسيا تجاه القيادة الانتقالية في مالي، مقابل الموقف الفرنسي المناهض، أنه فتح الباب أمام إمكانية رؤية تقارب أو تنسيق بين الجزائر وموسكو اللتين تربطهما علاقة استراتيجية استثنائية منذ ستينيات القرن الماضي.

فمنذ عامين، تخرج مظاهرات في العاصمة المالية باماكو كل يوم جمعة تقريبا، للمطالبة برحيل القوات الفرنسية من البلاد. ويرفع المتظاهرون شعار “فرنسا، ارحلي”، فيما شوهد العلم الروسي عدة مرات في ساحة التجمهر.

وفي بوركينافاسو، رفض آلاف المحتجين في بلدة كايا (شمال وسط) الأسبوع الماضي مرور قافلة عسكرية لوجيستية فرنسية، قادمة من كوت ديفوار باتجاه النيجر، حيث عطلت مسارها لعدة أيام.

وبعد وقوع جرحى بين المحتجين في مالي، تسببت القافلة نفسها في مقتل 3 أشخاص غربي النيجر، كانوا ضمن عشرات المتظاهرين الرافضين لدخولها إلى بلادهم.

وتنتشر قناعة لدى شعوب الساحل الإفريقي بأن فرنسا فشلت في مهمتها الرئيسية المتمثلة في محاربة الجماعات الإرهابية، في وقت تتزايد فيه الشكوك لدى كثيرين أنها “تدعم الإرهابيين” للبقاء أطول مدة ممكنة للحفاظ على نفوذ مُتهم بنهب ثروات القارة الإفريقية.

ومنذ 2013، توجد فرنسا في الساحل عبر قوة “سيرفال”، التي تحولت في العام التالي إلى قوة “برخان”، وتضم نحو 5100 جندي، وتنتشر بين مالي والنيجر.

وفي ظل تزايد متاعب فرنسا، أطلت روسيا برأسها وباتت فاعلا رئيسيا في دولة إفريقيا الوسطى منذ 2016، عندما قررت فرنسا إنهاء وجودها العسكري في هذه الدولة، ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار (مينوسكا).

وحققت موسكو، منذ 2019، اختراقات نوعية في مسرح النفوذ التقليدي الفرنسي، وهو دول الساحل، مستغلة انهيار صورة مهمة “برخان” الفرنسية. إذ لم تعد ذلك الشريك الموثوق في مكافحة الإرهاب.

ومع تزايد التوتر بين السلطات الانتقالية الحالية في مالي وفرنسا، ازدادت الاتصالات بين موسكو وباماكو، في الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع تقارير غير رسمية تفيد بمفاوضات جادة باتجاه توقيع صفقة أمنية بين الحكومة المالية ومرتزقة “فاغنر”، وهي مؤسسة أمنية روسية خاصة.

وفي الـ 19 من آب 2020، قاد العقيد عاصمي غويتا، برفقة عسكريين آخرين، انقلابا على رئيس مالي آنذاك، إبراهيم أبو بكر كيتا.

وأعلن غويتا، في الـ 21 من أيار 2021، إقالة الرئيس الانتقالي، باه نداو، ورئيس الوزراء، مختار وان، بحجة خرق ميثاق المرحلة الانتقالية.

ومنذ الانقلاب الأول، عبّرت الجزائر عن مساندتها للسلطات والشعب المالي في “المرحلة الدقيقة من عمر البلاد”، وطالبت بتقليص الفترة الانتقالية إلى أقصر مدة ممكنة.

وفي الـ 6 من أكتوبر الماضي، استدعت خارجية مالي السفير الفرنسي لديها للاحتجاج على تصريحات “مؤسفة ومهينة” لماكرون طالب فيها بـ”عودة الدولة إلى مالي”، ونعت خطاب رئيس الوزراء المالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي قال فيه إن فرنسا بصدد إدارة الظهر لبلاده، بـ”المخزي”.

تأزم علاقات الجزائر ومالي مع فرنسا تقاطع مع الدعم الدبلوماسي الروسي للسلطات الانتقالية المالية.

وعلى الرغم من التهديدات والضغوط الفرنسية بفرض عقوبات على الحكومة في مالي، إذا وقعت اتفاقا مع مرتزقة “فاغنر”، كثفت باماكو نشاطها الدبلوماسي مع روسيا، عبر زيارة وزير الخارجية، عبدو لاي ديوب، لموسكو في الـ 11 من تشرين الثاني الماضي، واستقباله السفير الروسي لدى بلاده في الـ 23 من الشهر نفسه.

وقال ديوب، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف: “كلما واجه بلدنا وضعا صعبا وقفت روسيا إلى جانبنا وساعدتنا ودعمتنا، والآن نمر بمثل هذا الوضع الصعب والمعقد، ولذلك قد نطلب المساعدة من صديقنا”.

انسجام مواقف الجزائر وروسيا تجاه القيادة الانتقالية في مالي، مقابل الموقف الفرنسي المناهض، فتح الباب أمام إمكانية رؤية تقارب أو تنسيق بين الجزائر وموسكو اللتين تربطهما علاقة استراتيجية استثنائية منذ ستينيات القرن الماضي.

ورغم أن التكهنات برؤية وجود روسي في الساحل بترحيب جزائري تبدو قريبة للمنطق، إلا أن خيارات السياسية الخارجية للبلدين تفرض واقعا آخر عكس هذه التكهنات.

وبالنسبة للخبير في الشؤون العسكرية، أكرم خريف: “يمكن القول إن المقاربة الجزائرية الروسية هي نفسها، والتي ترمي إلى إخلاء سبيل إفريقيا من النفوذ الفرنسي، إلا أنه يستبعد تحالفاً بين القوتين”.

وأضاف خريف: “لا يمكن الحديث عن وجود روسي في الساحل أو في مالي، لأن الحديث يدور عن وجود فاغنر، وهي لا تمثل روسيا الرسمية. وبالتالي لا يمكن إقحام الجزائر كحليف أو كوسيط أو أي شيء آخر”.

ورأى أن خير دليل على ذلك أن “فاغنر تقريبا معادية للجزائر في الأزمة الليبية”، إذ تقاتل إلى جانب اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، الذي لا يكن الود للجزائر ويقاتل السلطة الشرعية في بلاده.

ومطلع أكتوبر الماضي، فندت الخارجية الجزائرية ما ذكره موقع “موندافرايك” الإخباري الفرنسي عن أن الجزائر اتفقت مع السلطات المالية لتمويل عمليات جلب ميليشيات “فاغنر” الروسية.

وقالت الخارجية الجزائرية، في بيان، إن هذ “الادعاءات لا أساس لها من الصحة وصدرت من طرف وسيلة إعلامية معروفة بولائها لمصالح المديرية العامة للأمن الخارجي التابعة للاستخبارات الفرنسية، التي يقودها السفير السابق بالجزائر برنار إيميي”.

وتابع: “رغم أن الوضع الذي بات عليه الوجود الفرنسي في مالي والساحل عموما يثير ضحك الجزائر، لكنه من المستبعد نشأة تحالف ثلاثي: الجزائر-فاغنر-مالي”.

بدوره قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مخلوف كاهي، أنه “مصالح روسيا ليست هي نفسها مصالح الجزائر، والعلاقة الاستراتيجية بين البلدين لا تحدد الدور الروسي في المنطقة، فموسكو في ليبيا تدعم جناح حفتر عكس الجزائر التي تدافع عن شرعية العاصمة طرابلس”.

وتابع: الموقف الروسي في مالي ما زال يكتنفه غموض، فرغم دعمه للسلطات الانتقالية لم تنظم زيارات رفيعة المستوى لدبلوماسيين روسيين إلى باماكو، عكس الجزائر التي أرسلت وزير خارجيتها عدة مرات منذ الانقلاب الأول”.

ويدعم الصحفي المتخصص في الشأن الدولي، رضا شنوف، هذا الطرح، “لكون الجزائر ترفض التدخلات الخارجية مهما كانت في الشؤون الداخلية للدول”، وفق قوله. وزاد شنوف، بأن “الجزائر تدعو في كل مناسبة إلى تفعيل الأدوات الوطنية لتسوية الأزمات في الساحل، قبل اللجوء إلى المساعدة الدولية على سبيل الدعم وليس التدخل”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق