في ظل مماطلة الإسرائيليين.. هل ينفذ صبر الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر
بشكل جديّ للغاية، حذرت حركتا المقاومة الإسلامية في فلسطين “حماس” و “الجهاد الإسلاميّ” مؤخراً، من انفجار الأوضاع بسبب سياسة المماطلة والتسويف الإسرائيليّة في رفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر منذ 15 عاماً، وأكدتا أن إنهاء الحصار حق للشعب الفلسطينيّ، في ظل التصعيد العسكريّ الإسرائيليّ المتقطع والتعنت المستمر بفرض حصار خانق لتجويع وتعذيب سكان قطاع غزة بالإضافة إلى سياسة الابتزاز والمماطلة وتعطيل الإعمار التي تمارسها تل أبيب، حيث يعيش القطاع حالة خطيرة من الاحتقان والتوتر المتزايد، والتي يمكن أن تكون الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الساحة الفلسطينيّة، وتقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة.
بيان صارم صدر عقب اجتماع قياديّ بين الحركتين، أشار إلى أنّ الإجراءات التي تتم لإنهاء الحصار والتخفيف عن الفلسطينيين تشهد نوعاً من المماطلة والتسويف، الأمر الذي ينذر بتفجر الأوضاع في أي وقت، ومع إصرار فصائل المقاومة الفلسطينيّة على ضرورة إنهاء حصار القطاع بشكل كامل، تُعرقل تل أبيب سير تلك القضيّة ويربط الإسرائيليون قضيّة إعادة إعمار قطاع غزة وفك الحصار عنها بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى الحركة، والذي أسر 2 منهم خلال الحرب العدوانيّة على غزة صيف عام 2014 أما الآخران فدخلا غزة في ظروف غامضة، وهذا ما ترفضه المقاومة وبالأخص “حماس”.
“إنهاء الحصار هو حق طبيعيّ، وليس منّة من العدو الإسرائيليّ، ننتزعه من العدو، ولن نعطيّ أيّ ثمن سياسيّ مقابله”، رسالة شديدة الوضوح للصهاينة الذي يفرضون “حصار الكماشة” على القطاع الذي شهد القليل من التسهيلات الإسرائيليّة للتهرب والمماطلة، دون أدنى تجاوب مع مطالب إنهاء الأزمة الإنسانيّة في القطاع الذي يعيش “حالة ضبابيّة” مع استمرار قيود الحصار الخانق، وآثاره المدمرة على كل مظاهر الحياة في القطاع وشل مؤسساته، ناهيك عن التصعيد المتكرر لقوات العدو الغاصب بالقصف وتضييق الخناق على الصيادين والتجار وغيرها من الحالات التعسفيّة.
وإنّ رسالة الفصائل الفلسطينيّة التحذيريّة بشأن أوضاع غزة القابلة للانفجار في أي لحظة لم تكن بجديدة، بالتزامن مع إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه المتمثل في الحصار ومنع الإعمار، وذلك في سياق محاولة التغطية على فشله الأمنيّ والعسكريّ وابتزاز الشعب الفلسطينيّ والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة، وذلك عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها قوات الاحتلال على القطاع وتركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة.
أيضاً، إنّ محاولة العدو القاتل فرض معادلة جديدة بشأن العديد من الملفات إضافة إلى ممارسة تل أبيب سياسة المماطلة والتصعيد المستفزة، دفع فصائل المقاومة التي تملك أوراقاً قويّة كثيرة، إلى التهديد بنتائج وخطورة ما يقوم به الاحتلال، وتجمع على أنّ الهدف من التطاول والاعتداء الإسرائيليّ، هو التستر على هزيمة العدو وتقليل الانهيار الكبير بعد انتصار المقاومة في معركة “سيف القدس”، التي اعتبرها الصهاينة حتى نصراً كبيراً للمقاومة، على الرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة.
ومن الجدير بالذكر أنّ سكان قطاع غزة، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، يعيشون أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة جراء استمرار الحصار الإسرائيلي منذ عقد ونصف العقد، وقد أكّدت الفصائل الفلسطينيّة مراراً على أنّ الشعب الفلسطينيّ ومقاومته، لن يخضعا للحصار الصهيونيّ، وسيواصلون طريق النضال والكفاح دفاعاً عن أبسط حقوقهم، مع تصميمهم على أن تل أبيب في النهاية ستقدم التنازلات مرغمة في تلك القضية.
وبكل ثبات وقوّة، تتمسك الفصائل الفلسطينيّة بضرورة فك حصار غزة وإعادة إعمارها، لوضع حد لمعاناة الأهالي داخل القطاع، وإفشال محاولات تل أبيب تدمير حياتهم وعزلهم عن أراضي بلادهم المحتلة، وخاصة مع تشديد الحصار بشكل أكبر على غزة، من خلال فرض حصار بريّ عبر إغلاق المنافذ ومنع حتى المرضى من الخروج للعلاج، وآخر بحريّ إما بمنع الصيد أو تقليل مساحته، في تغييب كامل للقرارات الدوليّة بفرض سياسة الأمر الواقع واستباحته الأرواح، وخرق الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان.
“إرهابٌ منقطع النظير” هكذا يصف الفلسطينيون سياسة الاحتلال تجاه القطاع، لكنهم في الوقت ذاته يسعون بكل ما أوتوا من قوّة لإنهاء حصار غزة ويعتبرون ذلك إجراماً لا يمكن الاستسلام أمامه بل يجب مواجهته والتصدي له، وكذلك تُصر المقاومة الفلسطينيّة على أنّها لن تسمح للاحتلال باتخاذ الحصار وسيلة لإخفاء فشله، وقد أصبحت تل أبيب بالفعل مسؤولية عن تداعيات سياستها العدوانيّة التي لن تفلح في محاولات عزل غزة عن القضايا الوطنيّة، وخاصة أنّ القطاع لا يزال مغلقاً أمام الإعمار والعاملين في المجال الإنسانيّ والحالات الطبية بسبب الإجرام الصهيونيّ رغم الانتقادات الدوليّة.
وما ينبغي ذكره، أنّ الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة يقومون بشكل دائم بالتعبير عن غضبهم من الظلم الكبير الذي يتعرضون له من سلطات العدو، عبر إطلاق بعض البالونات الحارقة على محيط غزة، وتحاول الفصائل الفلسطينيّة حاليّاً إلقاء الضوء على الحصار ونتائجه، حيث إنّ منع إدخال جميع السلع والمواد الخام من قبل سلطات الاحتلال على سبيل المثال لا الحصر، ساهم بشكل كبير في زيادة نسب الفقر والبطالة، مطالبة بأن يكون هناك تدخل فوريّ لإنهاء الحصار وفتح المعابر، بما فيها معبر رفح.
في النهاية، ومع عدم فاعليّة دور الوسيط المصريّ، يُصر الفلسطينيون وفصائلهم على المطالبة بحقوقهم العادلة وشد الانتباه إلى معاناتهم الكبيرة ونتائجها التي ربما تكون كارثيّة، فمن غير المقبول بعد الآن أن يستمر حصار قطاع غزة باعتباره أمراً واقعاً، وإنّ المطالبات الفلسطينيّة في الكثير من التصريحات بضرورة كسر قيود الحصار لها أبعادها المدروسة، وخاصة أنّ الشعب الفلسطينيّ والمقاومة الإسلاميّة لن تصمت حيال ذلك مع استمرار تصعيد الكيان الصهيونيّ ضد غزة وشعبها المنكوب.
المصدر / الوقت