التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

ما الذي جعل محمد بن سلمان “أميراً مُجرماً” في الإعلام الأمريكيّ 

مؤخراً، فتح الإعلام الأمريكيّ النار على ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، حيث هاجمت صحيفة NewYork Times بشدّة الحاكم الفعليّ للمملكة ووصفته بأنه “مسؤول عن أبشع الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان”، وخاصة مع تضاعف عدد الصحفيين المعتقلين في البلاد ثلاثة أضعاف بعد عدّة سنوات من توليه ولاية العهد، فيما تشير أوساط حقوقيّة إلى أنّ الكثير من الصحفيين المعتقلين في السعودية تعرضوا للتعذيب النفسيّ أو الجسديّ، أو للاحتجاز المستمر في العزل الانفراديّ، في أسلوب يجسد طبيعة النظام الحاكم في مملكة آل سعود ويعكس حجم ظلمه واستبداده، بما يُظهر بن سلمان على صورته الحقيقيّة، بعد أن جعل السعودية تتفوق على كامل جيرانها في القمع والحكم الاستبداديّ، في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة.

أميرٌ مجرم

“محمد بن سلمان مسؤول عن واحدة من أبشع جرائم القتل التي تعرض لها صحفي حتى الآن”، وهي جريمة قتل الصحفيّ الشهير جمال خاشقجي مطلع تشرين أول/أكتوبر عام 2018″، هكذا كتبت الصحيفة الأمريكيّة التي أعادت التذكير بهذا الحدث الهام، عقب سنوات على جريمة قتل وتقطيع الصحافيّ السعوديّ البشعة في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركيّة، حيث إنّ ابن سلمان، قد تفرغ إلى ناشطي المعارضة والمنتقدين والصحفيين، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه، من خلال حملات الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطات آل سعود حملة الاعتقالات، لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجار.

وفي الوقت الذي تمارس فيه السلطات السعوديّة التعذيب الجسدي والإهمال الصحي ومنع الاتصالات أو مراقبتها ضد الصحفيين، كحال بقية معتقلي الرأي في سجونها، يعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه مهما كانت مهنته أو أهميته في المجتمع هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقه المشروع في حرية التعبير أو تكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعل الكثير من السعوديين يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد انتقادات أو دعوات إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.

وبكل جرأة، وصفت نيويورك تايمز ابن سلمان بأنّه “قائدٌ مستبدٌ وسلطويٌ لا يخجل من تجاهل المعايير الدوليّة واللياقة الأساسيّة للتخلص من المراسلين المتطفلين”، باعتبار أنّه يحاكم النشطاء والإعلاميين في البلاد بمحاكمات ظالمة، وتزجهم السلطات داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، ويُظهر اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية للسعودية بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والصحفيين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.

كذلك، يُحرم جميع السجناء من حق توكيل محامين ويتعرضون لعقد محاكمات سريّة فضلاً عن الحبس الانفراديّ والاحتجاز دون توجيه تهم أو محاكمة وتشديد العقوبات، وإنّ مستبدي الرياض انتهجوا سياسة “إرهاب الدولة” ضد مواطنيهم وبالأخص من الإعلاميين والمفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.

سياسة كم الأفواه

لا يخفى على أحد أنّه مع وصول محمد بن سلمان إلى السلطة بدعم من والده الملك سلمان، توسعت سلسلة الاعتقالات بشكل كبير، لتشمل الإعلاميين ورجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء، وتنبع سياسات الأمير الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد، وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، الشيء الذي دفعه لسجن واعتقال كثيرين، بينهم31 صحفيّاً دون تهمة أو قضية.

وعلى هذا الأساس، تراجع بشكل كبير ترتيب مملكة آل سعود في حرية الصحافة على مستوى العالم (حسب مراسلون بلا حدود الدولية)، وتراجعت مرتبتها بشكل غير مسبوق في مؤشر حرية الصحافة، وبالأخص بعد أن شهد العالم جريمة قتل خاشقجي إضافة لجريمة تسميم الصحافي صالح الشيحي داخل المعتقل، فيما تتهم منظمات حقوقيّة النظام السعوديّ بالاستمرار في سياسة التهديد وكم الأفواه والقمع بحق الصحفيين بالفصل أو السجن أو حتى القتل، وتؤكّد أنّ السلطات السعودية سجلت أرقاماً قياسية على مستوى العالم باعتقال عشرات الصحفيين في السجون، ناهيك عن الاستمرار في التعتيم على الأخبار ومنع الأفراد والصحفيين من الوصول إلى المعلومات وهو ما يعد عائقا أساسيا أمامهم لإجراء مهامهم في نقل المعلومات وصناعة الرأي العام أو التأثير فيه، حيث إن التعتيم وانعدام الشفافيّة في تعامل الرياض، يضاف إلى الانتهاكات المباشرة ضد الصحفيين والمدونين، في ظل غياب المسائلة حول ما يتعرض له الصحفيون وتعميم سياسة الإفلات من العقاب.

ويعاني الصحفيون المعتقلون في السعودية، من سوء المعاملة في السجون، مع تعنت حكوميّ يمنع عمل أيّ وسيلة إعلاميّة لا تتبع بشكل مباشر له في الداخل، كما تفرض الرياض قيوداً صارمة على المواقع الإلكترونيّة، بعد أن جعلت هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، ولجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.

وفي هذا الشأن، لم تترك المنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان كلمة تنديد واحدة إلا واستخدمتها في التعبير عن غضبها من النهج السعوديّ الاستبداديّ، دون أيّ تحرك إصلاحيّ حقيقيّ من قبل حكام آل سعود لاحترام الحقوق والحريات الأساسيّة للمواطنين السعوديين والصحفيين، ورغم المطالبات المتكررة بضرورة الإفراج الفوريّ عن جميع سجناء الكلمة والرأي المحتجزين حاليّاً وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم ورفع الشروط التقييديّة وحظر السفر المفروض على المفرج عنهم بشروط، لم تستجب الرياض أبداً، بل صعّدت من حملاتها القمعيّة والإخضاعيّة.

ومن المعروف أنّه لا يوجد أيّ قانون يحمي المواطنين السعوديين أو أصحاب المهن التي تتطلب حرية رأيّ وتعبير كالصحافة في السعودية، فيما تُغيّب الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون المملكة، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، وتشير تقارير حقوقيّة إلى وجود أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في السعودية، وتضيف إنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ “وباء” بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والإعلاميين والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.

ختاماً، يتهم الكثير من الإعلاميين في بلاد الحرمين، حكام بلادهم باستخدام أسلوب “القبضة الحديديّة” لوقف سيل الغضب الشعبيّ المتصاعد من محمد بن سلمان، لهذا لا غرابة في استمرار السلطات السعودية في نهجها المعادي لحرية الصحافة إذا كانت في الأساس تعادي شعبها ومواطنيها، حيث إنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم، فيما تمنع الرياض زيارة المراقبين والمنظمات الحقوقيّة للمعتقلات الحكوميّة، ولاسيما الزنازين التي يقبع فيها معتقلو الرأيّ، وهو ما شوّه صورة المملكة أكثر أمام العالم، بسبب سياسة القمع التعسفية والظلم الذي تنتهجه الحكومة ضد الناشطين والمفكرين والمعبرين عن الرأي، رغم محاولات النظام السعوديّ لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكامه بحق شعبهم، عبر تلميع سجله “المُشين” في حقوق الإنسان، من خلال إنفاق مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمادها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائم آل سعود المتفشيّة، في ظل تصاعد التنديدات الدوليّة نتيجة سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة والأسلوب الحكوميّ الهمجيّ.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق