ما الدلالات التي حملتها التصريحات الأخيرة لجورج قرداحي
لا يبدو أنّ قضيّة وزير الإعلام اللبنانيّ المستقيل والإعلاميّ الشهير، جورج قرداحي، انتهت عند استقالته نتيجة للعداء الخليجيّ وبالأخص السعوديّ لِلبنان قبل مُدّة، بذريعة تصريحات قديمة له في مقابلة صحفيّة حول حرب اليمن العبثيّة والتي تشكل الرياض رأس حربتها، حيث أشار قرداحي مؤخراً أنّه تعلم من تجربته القصيرة في الوزارة، والأزمة التي طرأت مع الدول الخليجيّة، أن لبنان “بلد يهابه الأعداء، ولكن يستضعفه الأشقاء وغير الأشقاء”، وأنّ “الوضع الإعلامي اللبنانيّ بشقيه الرسميّ والخاص يعيش حال صعبة من الأزمات المتعددة، ويحتاج إلى مراجعة شاملة وعميقة”، وذلك في حفل تكريم أقيم له من جانب عدد من الصحفيين والإعلاميين والساسة المؤيدين لموقفه، وقد حاول الوزير اللبنانيّ إخراج بلاده من الأزمة مع الخليج من خلال استقالته رغم أنّه في الحقيقة ليس المسبب الفعليّ لها.
“بلدنا جداره واطٍ”، اصطلاح استخدمه جورج قرداحي لوصف ما حصل دون أيّ تفاصيل، لكن الواضح لا يحتاج لتفسير، حيث إنّ حجم التدخلات السافرة الأخيرة في لبنان ساهمت بإظهار مدى التأثير الخليجيّ فيما وصلت إليه الأمور في لبنان والمنطقة، وقد رأينا ذلك في قضيّة قرداحي التي زعمت الدول الخليجيّة بأنّها تسببت بفجوة في العلاقات مع لبنان، في ظل ما أسماه البعض “انعداماً أخلاقيّاً تاماً” وتخلٍ سعوديّ وخليجيّ كامل عن المسؤوليّة في ضرورة إعادة الروح للدولة اللبنانيّة ووضع حدٍ للانهيار الاقتصادي الكارثيّ الذي عاشه اللبنانيون في السنوات الأخيرة، إضافة إلى أنّ الرياض على وجه التحديد تعرضت لاتهامات كثيرة حول رغبتها في تدمير لبنان منعاً لتنامي القوة الشعبيّة والسياسيّة لحزب الله الذي بات حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ.
وبالتزامن مع العداوات التي تتربص بالمقاومين في لبنان ومحاربتهم بشكل كبير من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرارهم الصائب في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة والضغوط والحصار، بيّن قرداحي أنّ الأمثلة على التشتت اللبنانيّ كثيرة، قائلاً: “لسنا مواطنين في دولة واحدة، فنحن مجموعات وطوائف نعيش ضمن حدود أرض واحدة، ولكن لا تضامن في ما بيننا، لا في واجب، ولا في حق، ولا في قضيّة وطنيّة، ولا في كرامة وعزة النفس”، بعد أن عوّل اللبنانيون على إفشال كل الضغوط التي تمارس عليهم لتعزيز الانقسام الداخليّ وبالأخص حول المقاومين، ليبقى المستقبل الحكوميّ اللبنانيّ مرهوناً بيد مجلس التعاون الخليجيّ.
“نحن نحلم بأن يتغير هذا الوضع لندخل جميعاً في حرم الوطن الواحد، غير أننا ومع كل تجربة جديدة نصاب بخيبة أمل جديدة، والتجربة التي مررت بها كانت أكبر دليل على ذلك”، تصريح يعيد إلى ذاكرتنا الحرب الضروس التي شنّتها السعودية ومن معها ضد لبنان وشعبه لتحقيق مآربها، ناهيك عن مقاطعة جميع شركات لبنان و كل القطاعات الاقتصاديّة اللبنانيّة، وقد وجّه السعوديون رسالة صريحة للبنان مفادها بأنّ “لا مساعدة سعوديّة لكم في أزماتكم بل العكس”، ولا يوجد أيّ رغبة من القيادة في السعوديّة في إنقاذ لبنان أو تقديم يد العون له، بما يتماشى مع المخططات الهدامة لنظام آل سعود.
ولم يخفِ الوزير اللبنانيّ السابق بأنّه شعر بالإهانة والظلم بسبب الحملة التي شنت عليه بسبب حديثه عن الحرب في اليمن قبل تعيينه وزيراً، ومن يستطيع إنكار أنّ السعوديّة قتلت الآلاف من السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين، وبررت حربها على لبنان بما أسمته “تأييد الهجمات الإرهابية بالطائرات المفخخة على السعودية وشعبها ومكتسباتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة”، بيد أنّها كانت تهدف لخلط أوراق اللعبة من جديد لتحقيق مبتغاها داخل الحكومة اللبنانيّة التي مرت بولادة عسيرة نتيجة الخلاف السياسيّ الكبير الذي يعيشه لبنان منذ عودة رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، سعد الحريري، من الاختطاف في السعودية، وفشل الأطراف السياسيّة في إنجاز أيّ ملف من ذلك الحين.
أيضاً، شدّد الوزير قرداحي على أنه كان يتوقع أن يقف معه الإعلام اللبنانيّ، مضيفا: “لم يقف معي إلا الشرفاء الأحرار في هذا الإعلام، أما الآخرون، وكنت أعتقد أن بعضهم أصدقاء، فكشفوا عن ولاءاتهم الدفينة، وعن تنكرهم لمبادئ الحرية”، عقب استثمار تصريحاته الاستثنائية التي أدانت الجرائم السعودية في حرب اليمن، تحت مُسمى “الحفاظ على مصالح الشعب اللبنانيّ”، ليعرقلوا محاولات حكومة ميقاتي في إيجاد حلول فوريّة للخروج من الوضع الحاليّ عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، عبر أسلوب بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ لمنع إنقاذ هذا الشعب الغارق بالأزمات.
وبعد أن كشفت السعودية عن وجهها الحقيقيّ عند الشدائد وحاربت لبنان بمبررات زائفة، بدل أن تسارع في إنقاذ هذا البلد المنهار وشعبه المنهك، نوّه الإعلاميّ اللبنانيّ المعروف أنّه كان يتوقع وقوف أهل السلطة كلهم معه، لكنه فوجئ بأصوات من داخل الحكومة التي كنت مصدقا عند دخولي إليها بأنها متضامنة، بأنها تطالبه بالاستقالة وتتبارى في إطلاق العبارات السفيهة، “أملا بتلقي إشارة بزيارة السعودية، وكأنهم لا يعرفون رأي قيادتها بكل واحد منهم، بعد أن استخدم كذريعة لقطع العلاقات مع لبنان ولتصفية حسابات سياسية مع حزب الله وإيران.
ومن الجدير بالذكر أنّ حكومة ميقاتي بدلاً من الاهتمام بالداخل والوحدة الوطنيّة لتحقيق مبتغاها، عولت أكثر من اللازم على الدعم العربيّ الغير موجود أصلاً والدليل تصريحات قال فيها: “إنّ لبنان بلد صغير في العالم العربيّ، ونحن نبحث عن الأخ الأكبر من كل الدول العربية ليأتي ليأخذ بيدنا ويخرج لبنان من هذه الفوضى”، وأضاف: “لبنان مستقر سيفيد العالم العربي كله”، متناسيّاً غياب الرغبة العربية في حل المشكلة اللبنانية من الأساس، حيث كانت بعض الدول العربية تثير المشاكل وتفاقمها، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا وقفت بعض الدول العربيّة النفطيّة عاجزة عن تقديم يد العون للبنان، ما يبرهن على أنّ الحل أولاً وأخيراً ينبع من الداخل بالاستناد إلى القدرات الداخليّة وليس “الاستناد إلى حائط مائل” أيّ الصدقات والمساعدات التي تقدمها بعض الدول العربيّة لأغراض محددة، وتنقطع بشكل مفاجئ وتحت مبررات كاذبة.
المصدر / الوقت