التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

ما الذي دفع السعودية لإطلاق تصريحات ناريّة ضد دمشق 

أثارت التصريحات السعوديّة الأخيرة على لسان المندوب السعوديّ الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، ضجة كبيرة في الفترة الماضيّة، والتي زعم فيها أنّ “سوريا لم تنتصر، والحرب لم تنته بعد”، موجهاً ما يعتبرها النظام السعوديّ تهماً للقيادة السوريّة والرئيس الأسد، أبرزها الاستعانة بالمقاومة اللبنانيّة أو “حزب الله” الذي وصفه بـ “الإرهابيّ”، لحسم المعركة التي يخوضها ضد الإرهاب الذي مولته السعودية باعترافها في البلاد، الشيء الذي طرح أسئلة وتكهنات كثيرة حول مستقبل العلاقة بين البلدين، وذلك في ظل مطالبة الكثير من الدول العربيّة بعودة سوريا إلى مقعدها بما تُسمى “جامعة الدول العربية”، بعد أن أفلست بعض العواصم العربيّة التي دعمت الإرهاب هناك وبالأخص الرياض، تحت شعار “حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة”.

تصريحات صادمة

مفاجئة ومثيرة للسخريّة، كانت التصريحات السعوديّة المعادية لسوريا، وعلى لسان المسؤول السعوديّ نفسه الذي أشار قبل أسبوع إلى أنّ الرياض لديها شروط لإقامة علاقات مع تل أبيب حالياً، قائلاً حينها: “إنّ المملكة ستطبع العلاقات مع إسرائيل فقط إذا طبقت مبادرتها للسلام”، في مؤشر على قذارة السياسة السعوديّة التي تحلم بإعلان إدخالها في حظيرة التطبيع مع العدو الصهيونيّ الغاصب للأراضي العربيّة، بينما تسعى مع جارتها قطر إلى عرقلة مساعي العديد من الدول العربيّة لعودة دمشق إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربية بدلاً من استمرار عزلها دون أيّ نتيجة تُذكر في إنقاذ هذا البلد، بعد أن كانت عاملاً هاماً في الحرب العسكريّة على السوريين.

ويأتي الموقف السعوديّ الذي تغافل عن الانتصارات العظيمة التي حققتها سوريا رغم الحرب الضروس والظروف الاقتصاديّة الصعبة جداً، في وقت كثرت فيه التحليلات التي تتحدث عن عودة تدريجيّة لدمشق إلى مكانتها العربيّ السابقة وعودة بعض العواصم التي قاطعت وحاربت دمشق لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ، وبالأخص الأردن والإمارات، بالإضافة إلى وصول التطبيع العربيّ إلى محطته الأخيرة في الجزائر، في شهر آذار/مارس ٢٠٢٢، ودعوة دمشق للمشاركة في مؤتمر القمة العربية المزمع عقده هناك، فضلاً عن الحديث عن أنها ستستضيف مؤتمر الطاقة للدول العربية المصدّرة للنفط “أوابك” عام 2024.

مكابرة وضغط سعوديين

على ما يبدو، فإنّ السعودية التي مولت الجماعات الإرهابيّة والمتشدّدة في سوريا، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، لا يمكن أن تعود بالسهولة والبساطة التي يتحدث فيها البعض اليوم دون تمهيد من المكابرة، بعد أن فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة وبالأخص السعوديّة في مشاريعها التدميريّة على الأراضي السوريّة، ولا ننسى أنّ قرب سوريا الحاليّ من الإمارات يزعج النظام السعوديّ المنافس بشكل كبير، حيث أدركت الإمارات العربية المتحدة أن الحكومة السورية باقية، وقد شخصت الأمور بشكل صحيح وواقعيّ دون مكابرة أو تردد، وبادرت قبل غيرها من الدول لإصلاح علاقاتها مع دمشق.

ووسط الحديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب على سوريا بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد، والرغبة العارمة لدى الشارع السوريّ المُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، بحلحلة الأمور الاقتصاديّة، تغنت شخصيات من المعارضة السوريّة في الخارج بتصريحات “المعلمي”، ودفعت رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، سالم المسلط، إلى الاتصال هاتفياً به لتقديم الشكر، فيما ردت حكومة دمشق ومناصروها بقليل من الغضب وكثير من الحلم، وبعض الاتهامات لآل سعود.

ويرى البعض، أنّه من الخطأ المبالغة في قراءة التصريحات السعودية حول سوريا، فرغم هجومها الحاد على الحكومة السورية إلا أنها لن تغيّر من حقيقة قبول النظام السعوديّ للرئيس الأسد وحكومته ولن توقف مسار التسوية مع دمشق، لكن يمكن اعتبارها أنّها تأتي من باب ممارسة الضغط على طهران في هذه المرحلة، لا سيما وأن حضور ممثلي حكومة دمشق في القمة العربيّة القادمة بالجزائر أصبح بحكم المؤكد.

الشيء الآخر، إنّ الإمارات والأردن تقودان جهداً عربياً باتجاه التسوية مع الحكومة السوريّة، وهذه الجهود كما يعلم الجميع لا تتم إلا بموافقة الرياض والقاهرة والجزائر، وفقاً للخطة التي تم تسريبها، ومضمونها إعادة تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، التي أبدت مرونة بقبولها مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر أراضيها، حيث إنّ الموقف السعودي، الذي يشبه إلى حد كبير الموقف الأمريكي، جوهره القبول بالمعطيات الجديدة، مع ممارسة ضغوط على دمشق بما يتعلق بعلاقتها مع إيران لتحقيق مكاسب سياسية، في ظل هشاشة لا توصف للدور العربيّ المرتهن لأوامر القيادات الأمريكيّة التي تغاضت عن تعامل شركائها العرب مع سوريا، وسعيهم في سياق التسوية معها.

“تصريحات المندوب السعوديّ في الأمم المتحدة أثّرت على أجواء المصالحة والتطبيع لكنها تحول دون ذلك”، هكذا وصف محللون التصريحات النارية للسعوديّة، مقللين من جدواها على سير العلاقات العربيّة مع سوريا، وبأنها مجرد أحاديث للضغط على حكومة دمشق، فضلاً عن أنها محاولة من الرياض لتمييز مقاربتها عن الإمارات، دون أن يعني ذلك سعيها لعرقلة التسوية الحاليّة، فلو كانت السعودية بالفعل جادة بهذا الشأن لاتخذت قرارات فعليّة على الأرض، مثل التصريح برفض عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وبحسب خبراء، فإنّ إعلان دول (أوابك) يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر، أن دمشق ستستضيف مؤتمر الطاقة العربي في عام 2024، وحديث وزارة النفط والثروة المعدنية السوريّة عن أن «الإعلان جاء بعد موافقة أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) بالإجماع، خلال اجتماع عقد في الكويت بتقنية الاتصال المرئي، على أن تكون دمشق العاصمة التالية، التي ستستضيف الاجتماع، بعد العاصمة القطرية الدوحة، التي ستستضيفه عام 2023، والاتفاق أيضاً على أن ترأس سوريا مجلس وزراء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول لمدة عام، بدءاً من سنة 2022، خلفاً للسعودية، الرئيس الحالي”، هو أهم بكثير من تصريحات “كثيرة” من هذا النوع في الأمم المتحدة.

وباعتبار أن عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية يُعد صفعة لبعض الدول ذات المشاريع العدوانيّة، فلابد من عرقلة حدوث ذلك لحفظ ماء الوجه بعد أن دفعوا بكل ما أوتوا من قوة لإسقاط “معادلة سوريا” وتشريد وتجويع شعبها، وبما أن عودة دمشق للحضن العربي تعني باختصار “فشل المشروع الغربيّ والعربي في المنطقة” وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء، فمن الطبيعي أن يكون احتلال سوريا مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، أمراً ليس بالسهولة بالنسبة لأصحاب المشاريع الهدامة.

في الختام، مهما يكن الهدف من التصريحات السعوديّة، لا يحق للنظام السعوديّ الحاكم في بلاد الحرمين الحديث عن الدماء أو القتل أو الاعتقال أو التقطيع، لأنّه يعد من أكثر الأنظمة العربيّة وبالتحديد الخليجيّة الأكثر قمعيّة واستبداداً في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، وهو معروف بدكتاتوريّته الشديدة واستخدامه أساليب كم الأفواه المطالبة بأبسط الحقوق، لضمان حماية عروش الملوك والأمراء المتهالكة وأنظمتهم المتخلفة، فهل يحقّ للسّعودية في الأساس المشاركة في جلسة للنظر في حقوق الإنسان المعدومة فيها، وهي تُصر على نهجها الإجراميّ بحق شعبها وخاصة معتقلي الرأي، بسبب غياب الرغبة الدولية في معاقبة المسؤولين عن تلك الأوامر ما يجعلها مستمرة في إجرامها وطغيانها دون رقيب أو عتيد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق