2021 عام ثقيل على الاقتصاد السعودي.. صدمة تلو الصدمة والاستدانة الخارجية ليست النهاية
من الركود في العام الماضي، إلى كساد عميق في العام الحالي، يتلقى الاقتصاد السعودي الصدمة تلو الصدمة، تحت وطأة خسارة الحرب على اليمن، والدخول في حرب أسعار وإنتاج في سوق النفط، وتكاليف مكافحة وباء كورونا، التي تتضمن تعليق موسم العمرة و تعليق موسم الحج للموسم الثاني على التوالي حفاظا على أرواح الناس. السعودية خسرت في الأشهر القليلة الماضية ما يصل إلى نصف قيمة إنتاجها المحلي في عام كامل، وهي لا تزال تواجه مستقبلا غير مضمون ومحفوف بالمخاطر.
في اليمن لم تتعلم السعودية من تجربة مصر في ستينيات القرن الماضي. وفي حرب الأسعار لم تتعلم من دروس الحرب التي خاضتها في أسواق النفط بهدف إخراج منتجي النفط الصخري الأمريكيين من السوق عام 2014 وأنها بعد الحرب التي تم الاتفاق على إنهائها، ستعود مرة أخرى إلى معضلة الاختيار المر بين الأسعار وبين الحصة السوقية.
خسائر حرب النفط وحدها ستكلف الاقتصاد السعودي في نهاية العام الحالي ما يتراوح بين 20 إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بافتراض تماسك السوق في النصف الثاني من العام. العجز في الميزانية الناتج عن هبوط الإيرادات النفطية وتعويضات حرب اليمن التي يطالب بها الحوثيون، وهبوط إيرادات موسم الحج والعمرة، وتكلفة مكافحة وباء كورونا قد يزيد على ثمانية أمثال العجز الذي كان مقدراً لعام 2019 (4.7 في المئة) ليصل إلى ما يقرب من 40 في المئة من الناتج.
الحكومة السعودية تجد نفسها الآن في مأزق شديد مع انخفاض ايراداتها وارتفاع معدلات التضخم وهذا يستلزم اتخاذ إجراءات قاسية على صعيد تخفيض الإنفاق العام، وتأجيل الكثير من المشروعات الكبرى، مثل مشاريع مدينة نيوم السياحية على البحر الأحمر. وفي هذا السياق أعلنت الحكومة رسميا تخفيض الإنفاق السنوي بنسبة 5 في المئة وطلبت من الوزارات والهيئات والشركات الحكومية تخفيض الإنفاق بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة في محاولة للحد من قيمة العجز المتوقع في الميزانية.
وفي السياق نفسه أعلنت شركة أرامكو انها خفضت إنفاقها الاستثماري في العام الحالي إلى مستوى أدنى يبلغ 25 مليار دولار مقابل حوالي 33 مليار دولار في عام 2019. وكانت الشركة قد أعلنت انه بسبب انخفاض أسعار النفط في العام الماضي، فإن ارباحها قد هبطت بنسبة 20 في المئة. ونتيجة للتخمة الحالية في سوق النفط، واستبعاد تعافيها في الربع الثاني من العام الحالي، فإن أرباح أرامكو ستستمر في التراجع خلال العام الحالي أيضا. ونظرا لأن أرامكو هي ثاني أكبر جهاز اقتصادي في السعودية بعد الدولة، فإن كل قطاعات الأعمال والتوظيف المرتبطة بها ستهبط بسبب تقليص الإنفاق الاستثماري.
الحلول والسيناريو الأسوأ
قد تلجأ الحكومة لإجراءات إضافية تشمل السحب من صندوق الاستثمارات العامة، ومن الاحتياطي النقدي، إضافة إلى الخيار الأكثر سوءاً ألا وهو الاستدانة وفي هذا السياق قال وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، في بيان الخميس، اكتمال تنفيذ خطة الاقتراض السنوية للعام 2021، بحجم تمويل قارب الـ125 مليار ريال (33.287 مليار دولار)، بما في ذلك الصكوك والسندات التي كان جلها من الأدوات ذات العائد الثابت لتجاوز مخاطر تقلبات أسعار الفائدة المحتملة.
وبين “الجدعان” أن إصدار أدوات الدين يأتي ضمن استراتيجية الدين العام المعتمدة لتلبية احتياجات المالية العامة، واغتنام الفرص المتاحة في الأسواق المحلية والعالمية وإدارة المخاطر.
وارتفع الدين العام السعودي إلى 854 مليار ريال (227.7 مليار دولار) بنهاية 2020، تمثل 34.3% من الناتج المحلي، مقابل 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) تشكل 22.8% من الناتج المحلي عام 2019.
وبسبب مخاطر انتشار فيروس كورونا، قررت السعودية تعليق موسم الحج هذا العام أيضاً وتقدر إيراداتها السياحية من موسم الحج والعمرة بنحو 12 مليار دولار. ويستحوذ هذا النشاط وحده على ما يقرب من 20 في المئة من حجم الاقتصاد غير النفطي للسعودية. وتعتبر خسارة إيرادات موسم العمرة لهذا العام ضربة كبيرة للطموح المعلن في رؤية 2030 السعودية بمضاعفة قيمة الايرادات السياحية إلى حوالي 150 مليار دولار في العام 2022 ولن يتحقق هذا الرقم المستهدف في موعده على الإطلاق، ويبدو الآن سرابا في صحراء.
فشل ابن سلمان اقتصادياً
استولى محمد بن سلمان أيضًا على اقتصاد القطاع الحكومي في الدولة السعودية. يقوم العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين بتقييم بدء مشاريع مثل مدينة نيوم الحديثة بهدف استغلال بن سلمان الأصول المالية الضخمة.
وفي الوقت نفسه ، وضع بن سلمان ، بصفته أول مسؤول اقتصادي في البلاد ، بعض السياسات المشكوك بها على جدول أعماله ، يبدو أنها تهدف إلى السيطرة على النفوذ الاقتصادي للبلاد. ومن هذه السياسات دمج أموال صندوق التقاعد السعودي والتأمينات الاجتماعية.
وقال خبير اقتصادي سعودي لموقع ليكس الإخباري السعودي إن هذه الخطوة أثارت مخاوف القطاع الخاص بشأن سيطرة بن سلمان على أصول صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية ، و نشأت هذه المخاوف من خلال مصادرته للأموال الموجودة في هذه الصناديق من خلال خلق الأعذار و المشاريع الخيالية.
كما تحدثت شبكة بلومبرغ عن حافز السعودية لإنشاء نظام اقتصادي جديد بقيمة 29 مليار دولار من خلال دمج الصندوقين، و تؤكد هذه الشبكة أن هناك مخاوف من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيستخدم هذه المبالغ الضخمة لدفع مشاريعه الخيالية المتعثرة.
كما تؤكد بلومبرغ أن للصندوقين استثمارات كبيرة في شركات سعودية منها 8.5 مليارات دولار في أسهم البنك الأهلي السعودي و 4.3 مليارات دولار في أسهم مصرف الراجحي.
في هذا المقال ، تشير بلومبرج أيضًا إلى رؤية 2030 محمد بن سلمان ، التي مرت 5 سنوات على إنشائها ، وتؤكد أن هذه الرؤية بعيدة تمامًا عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في السعودية. إلا أن أحد أهداف هذه الرؤية ، التي تم تقديمها في عام 2016 ، كان أنه بحلول بداية عام 2020 سوف تستغني السعودية تمامًا عن عائدات النفط وسيتمكن السعوديون من العيش من دون نفط، وهذا ليس فقط غير صحيح. ، لكن الحقائق الحالية تظهر الاعتماد المتزايد للاقتصاد السعودي على نفطه.
قرار خاطئ في الوقت الخاطئ
هناك العديد من المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس قوة الاقتصاد العالمي أو المحلي لدولة ما ومن بينها أسعار الأسهم في البورصات المحلية والدولية، القدرة الشرائية للدول والأشخاص، معدلات التضخم، أسعار العقار وسواها.
كما أن أسعار النفط تمثل واحدة من أهم القضايا الاقتصادية التي تهتم وسائل الإعلام بها. ولكن انتشار وباء فيروس كورونا أعاد قضية النفط الى الواجهة، واصبحت متابعة شؤونه وخصوصاً اسعاره هماً ليس لدى الاقتصاديين فحسب بل المحللين السياسيين ايضاً. كان الحديث عن اسعار النفط محصوراً عادة بأوقات الأزمات، وكثيراً ما كان مادة للمساومة بين الدول المصدرة للنفط التي تتصارع سياسياً، مثل إيران والسعودية في الوقت الحاضر. هذا على الرغم من ان النفط تسبب في ازمات عديدة وخصوصاً خلال نصف القرن الاخير.
الازمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن انتشار الوباء أدت إلى ضرب اسعار النفط. ساهم في هذه الضربة شبه القاضية قرار سعودي خاطئ جاء في وقت خاطئ و لأسباب خاطئة. ففي الاسبوع الثاني من آذار 2020 اعلنت السعودية حرباً نفطية بعد انهيار تحالف اوبك + روسيا. وقررت زيادة انتاجها من 10 الى 13 مليون برميل يومياً.
وفي 7 آذار بدأت خفض أسعار النفط الخام للأسواق الخارجية لتوفر خصومات غير مسبوقة للمشترين في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة لإغراء مصافي التكرير على شراء الخام السعودي على حساب بقية المصدرين. كان واضحاً لدى الاقتصاديين والمراقبين أن ذلك قرار خاطئ حيث كانت الدول تتجه للدخول في حجر صحي كامل، وبذلك ستتوقف اقتصاداتها بشكل كبير. وفي 15 آذار نشرت وكالة الأنباء الألمانية تقريراً بعنوان: الرياض تطلق النار على نفسها وعلى الأشقاء في سوق النفط، متسائلة: هل ستنجو الرياض والدول العربية الأخرى من تداعيات ذلك أم ستأتي الحسرة في وقت لا ينفع فيه الندم؟
خطأ فادح في الحسابات السعودية
ثمة أمور عديدة تؤكد الخطأ الفادح للحسابات السعودية، السياسية والاقتصادية. أولها ان مسؤوليها كانوا يعتقدون ان بإمكانهم استيعاب انهيار الأسعار. فبعد أسبوع من اعلان السعودية حربها النفطية وخفض الاسعار للانتقام من روسيا قال الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو«، أمين الناصر: «باختصار، يمكن لأرامكو التعايش مع السعر الشديد الانخفاض ويمكنها تحمله لفترة طويلة». وقال المدير المالي للشركة، خالد الدباغ، إن أرامكو «مرتاحة للغاية» في ظل سعر 30 دولاراً للبرميل: «نحن مرتاحون بأنه يمكننا تلبية تعهداتنا بشأن التوزيعات، ومرتاحون جداً إلى أنه يمكننا بلوغ توقعات مساهمينا عند ثلاثين دولاراً (للبرميل) أو حتى أقل».
هذه الأحلام الوردية سرعان ما تبددت. ففي غضون شهر واحد فحسب، بدأت شركة أرامكو السعودية سعيها لاقتراض عشرة مليارات دولار لتمويل شراء حصة في شركة «سابك» الصناعية. ويبدو ان التفكير بقوة وهمية يمثل أهم نوازع الساسة السعوديين للإقدام على خطوات خطيرة سرعان ما تؤدي إلى نتائج سلبية. فإضافة إلى خطأ حساباتهم المتكررة (ومنها اجتياح البحرين عسكريا في 2011، شن الحرب على اليمن واستهداف قطر) عندما قرروا إغراق السوق بالنفط، ظهر بشكل واضح خطأ حساباتهم العام الماضي عندما قرروا تعويم «ارامكو«. فقد حاولوا تسويق ثمن خيالي للشركة بأكثر من 2 تريليون دولار (2000 مليار) وهو الثمن الذي كان يدور في مخيلة ولي العهد محمد بن سلمان، ولكن في الصيف الماضي قالت المصارف الدولية الكبرى ذات الصلة ان سعر الشركة يتراوح بين 1.1 و 1.6 تريليون. فقررت الحكومة تعويم 15 بالمئة فقط من الشركة، ولم تستطع تحقيق اكثر من 26 مليار دولار عندما طرحت عبر شركة «تداول» للأسواق المالية.
عندما يقع شخص ما أو بلد ما في ورطة نراه يتخبط بقراراته وتصريحاته بهدف الخروج من هذه الأزمة أو الورطة وهذا تماماً ما يحصل في السعودية فقد ورطها محمد بن سلمان وأدخلها بمشاريع ضخمة من دون أي دراسة للمخاطر المحيطة بها أو المتوقعة وهذا سيجر الفشل والانهيار لهذا الاقتصاد وكل الشواهد بدأت تشير إلى ذلك وأهمها مؤشر الاستدانة فالدول المتطورة تحاول تخفيض ديونها الخارجية ولكن بالنسبة للسعودية فهذه الديون بدأت تحقق أرقام قياسية.
المصدر/ الوقت