التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

إلى متى تستمر انتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان 

في ظل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك حق الحياة، وعدم التعرض للتعذيب، وحرية الفكر والتعبير والتجمع، وحرية تكوين الجمعيات، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة، إلى تداعيات نشر النظام المصري لتقرير يدعى “الإستراتيجيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان”، قائلة: “إن القليل من النقاد اعتبروا هذا الإجراء خطوة إيجابية للديكتاتوريّة، التي يرأسها الجنرال عبد الفتاح السيسي، حيث تعاني دول “العالم الثالث “من ضعف شديد لحقوق الإنسان فيها، ورغم انضمام الكثير من تلك الدول للمعاهدات الدوليّة، إلا أنّ ذلك يعتبر انضماماً شكليّاً ولا يتم العمل ببنود تلك المعاهدات، وتعاني مصر باعتبارها من تلك الدول من هذه الانتهاكات بالأخص منذ وصول نظام السيسي للحكم عام 2013، لاستخدامه كافة أساليب قمع المعارضة وإسكات جميع أطيافها، وهو معروف بسجن الآلاف من المعتقلين السياسيين، ولكن الغالبية من المشككين قالوا إنّ الأمر مجرد خداع، مؤكدين أنّ نشر التقرير هو عبارة عن محاولة لتهدئة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كي لا تتراجع المساعدات العسكريّة الأمريكيّة المقدمة للحكومة المصريّة.

“الانتهاك، هو الإستراتيجية الوحيدة للنظام المصري فيما يتعلق بحقوق الإنسان”، هكذا وصف الإعلام الأمريكيّ نظام السيسي الذي ارتكب أكبر مجزرة للمحتجين في التاريخ الحديث، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، ومنع الاحتجاجات عامّة، وحجب مئات المواقع الإخبارية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، وسجن عشرات الآلاف في بعد سيطرته على الحكم، وأمر بحملات قمعيّة واسعة النطاق، ووصفه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشكل صريح بـ “الدكتاتور المفضل”.

ومع تراجع حقوق الإنسان تحت حكم السيسي، واستمرار قانون التظاهر الاستبداديّ وحملات الاعتقال الواسعة للناشطين السياسيين ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكريّة، بيّنت الصحيفة أنّ محكمة مصرية قد حكمت في الأسبوع المنصرم على ثلاثة نشطاء بارزين بتهمة “نشر أخبار كاذبة تنال من الأمن القوميّ”، وحُكم على علاء عبد الفتاح بـ 5 سنوات، بعد أن تكرر اعتقاله بشكل مستمر خلال عقد كامل، وحصل محاميه السابق، محمد الباقر، والمدون محمد إبراهيم، المعروف باسم “أكسجين” على أربع سنوات في السجن، كما أُدينت شقيقة السيد عبد الفتاح، سناء يوسف، بتهم مماثلة.

وفي ظل القلق الدوليّ العارم من انتهاك الحريات في مصر وبالأخص مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تصدر الحكومة المصرية الإدانات والأحكام من قبل واحدة من خمس محاكم طوارئ تمت الموافقة عليها بموجب حالة الطوارئ في مصر، وهذه المؤسسات بالطبع تفتقر إلى الحماية الإجرائيّة العادية للمتهمين، وتلجأ القاهرة إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين، وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، دون أي اعتبار للرسائل التي وجعتها دول ومنظمات للسلطات المصرية مفادها أنّه “لا يمكن غضَ الطرف بعد الآن عن حملات النظام المصريّ لسحق المعارضة السلميّة”، حيث استمرت السلطات المصرية باتخاذ الإجراءات التي تناقض القانون الدولي، وأبقت على الآلاف من الرجال والنساء المحتجزين بشكل تعسفي داخل سجونها، ولم تقدم أي حماية للمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وواصلت بشكل خطير قمع النشاط السلمي في البلاد.

وفي هذا الشأن، أوضحت الصحيفة أن السيسي أنهى حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/ تشرين الأول بشكل جزئيّ كامتياز للولايات المتحدة، ولكن بموجب القانون المصريّ استمرت المحاكمات التي كانت قد بدأت قبل ذلك التاريخ، كما تم جلب 48 متهماً للمحاكمة في محاكم الطوارئ قبل فترة وجيزة من انتهاء حالة الطوارئ، ما يعني أنّ التقدم الوحيد الذي تم إحرازه في الجمهوريّة المصريّة هو “معاملة أخف عقابية” لأشخاص من المفترض ألا يتعرضوا لأيّ مساءلة قانونية في الأساس.

ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، كان لدى العديد من المتهمين صلات بحزب مصريّ صغير يدعى “حزب مصر القوية”، مناهض للسيسي ويتألف من أعضاء سابقين في جماعة “الاخوان المسلمين” المتشدّدة والمحظورة من قبل السلطات المصريّة، والتي أطاح الجيش المصريّ بحكومتها في العام 2013، ومن ثم قامت سلطات البلاد بمعاقبة أيّ معارضة علنيّة أو مُفترضة، وقمعت بشدة الحق في التجمع السلمي، وفي حرية التعبير، وفي حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها، كما احتُجز عشرات الصحفيين تعسفياً بسبب عملهم أو آرائهم النقديّة.

أيضاً، منع النظام المصريّ أيّ تغطية إعلاميّة تختلف عن روايته الرسميّة الغير موثوقة بشأن وباء فيروس كورونا، حتى إنّ السلطات اعتقلت بعض العاملين في مجال الرعاية الصحيّة ممن عبَّروا عن قلقهم بشأن السلامة، وواصلت فرض قيود شديدة على حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها فيما يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية، واستخدمت قوات الأمن المصريّة العنف والقوة بشكل مؤسف لتفريق مظاهرات نادرة الحدوث، واحتجزت بشكل تعسفيّ المئات من المتظاهرين والمارة على ذمة التحقيق في تهم تتعلق بـ “الإرهاب” والتظاهر لفترات طويلة، وبينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون وسياسيون ومحامون ومؤثِّرون على وسائل التواصل الاجتماعيّ

وعلى هذا الأساس، ظلت ظروف الاحتجاز في السجون المصريّة قاسية وغير إنسانيّة، وحُرم السجناء من الرعاية الصحية الكافية، مما تسبب أو أسهم في وفاة ما لا يقل العشرات منهم في السجون أو بعيد إطلاق سراحهم بوقت وجيز، كما انتُهكت ضمانات المحاكمات العادلة بشكل متكرر، وصدرت أحكام بالإعدام، ونُفِّذت بعض الإعدامات، وحُوكمت نساء وفتيات استناداً إلى تهم باطلة تتعلق بـما تسميها السلطات “الآداب العامة” تتعلق بطريقة لابسهن أو تصرفاتهن أو طريقة كسبهن المال عن طريق الإنترنت، وقُبض تعسفياً على عشرات العمال وحُوكموا بسبب ممارسة حقهم الطبيعيّ في الإضراب، وأُخلي عدد من سكان المناطق العشوائيّة قسراً من مساكنهم، واعتقلت السلطات بعض الأقليات الدينيّة وحاكمتهم بتهمة “ازدراء الأديان”، في تعامل عنصريّ لا مثيل له.

ومن الجدير بالذكر، أنّ صحيفة “واشنطن بوست” أشارت إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية قد أعربت عن خيبة أملها من الأحكام الأخيرة ضد النشطاء قائلة: “إن التقدم الوحيد الذي تم إحرازه في مصر مؤخراً يتألف من معاملة أقل عقابية لأشخاص من المفترض أن لا يتعرضوا لأي مساءلة قانونيّة على الإطلاق”، حيث أُدين المدافع عن حقوق الإنسان، حسام بهجت، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتهمة نشر أخبار كاذبة وإهانة سلطات الدولة، بسبب قيامه بانتقاد مسؤول انتخابي سابق للنظام على تويتر.

وفي هذا الصدد، نوّهت إلى أن المبادرة المصريّة لحقوق الشخصية هي واحدة من عدة منظمات مجتمع مدنيّ متهمة بأخذ أموال أجنبيّة بطريقة غير مشروعة في محاكمة طويلة الأمد، ولكنها ملفقة إلى حد كبير، والمعروفة باسم القضية رقم 173، وقد أوقفت إدارة بايدن الإفراج عن 130 مليون دولار من المساعدات العسكريّة حتى يقوم النظام المصري بالتوقف عن إجراءاته المشبوهة وإطلاق سراح 16 معتقلاً سياسياً لم يتم الكشف عن أسمائهم.

نهاية القول، إنّ القلق العميق من قبل المنظمات الدوليّة وبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية في ظل الإفلات المستمر من العقاب في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لن تنفع أبداً في حال لم يتم اتخاذ إجراءات رادعة، بعد أن قضت السلطات المصرية على مساحات التعبير والتجمع السلميّ والحق في تكوين الجمعيات، وارتكبت بتواطؤ مع المدعين والقضاة جرائم الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك مئات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والمتظاهرين السلميين، والصحفيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين، لدرجة أنّ الاحتجاز التعسفي أصبح ممارسة ممنهجة في مصر السيسي.

ناهيك عن أنّ الكثير من المصريين تعرضوا للإخفاء القسريّ والتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز لأشهر أو لسنوات في ظروف احتجاز غير إنسانيّة دون محاكمة، على خلفية اتهامات لا أساس لها تتعلق بالإرهاب، وقد أُدين عدد لا بأس به منهم في محاكمات جائرة، منها محاكمات عسكريّة وأخرى جماعيّة، وحُكم على بعضهم بالإعدام، استنادًا إلى اعترافات إجباريّة تحت التعذيب، كما استخدمت سلطات السيسي قوانين فارغة بدعوى “حماية قيم المجتمع” لاعتقال واحتجاز الناشطات، والناجيات من العنف الجنسيّ، والشهود، وغيرهم.

المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق