السودان على صفيح ساخن.. قطع للانترنت وقمع للمظاهرات والحل غائب تماماً
أغلقت الحكومة والجيش السوداني، الجسور التي تربط العاصمة الخرطوم بضواحيها ونشرت العديد من قوات الأمن على عربات مزودة بأسلحة، قبل تظاهرات «مليونية الشهداء» للمطالبة بحكم مدني وإدانة العنف الدموي في احتجاجات الأسبوع الماضي.
وفي هذا السياق أفاد صحفي وكالة «فرانس برس» في العاصمة، بأن قوات الأمن «أغلقت الجسور التي تربط بين وسط الخرطوم وأحياء أم درمان وبحري»، مشيراً إلى أن قوات من الجيش والشرطة «انتشرت في كل الشوارع الرئيسية، بعضها على عربات عليها أسلحة رشاشة». ودعا تجمع المهنيين السودانيين الكيان المهني الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير في أبريل 2019، في بيان السبت إلى جعل 2022 «عاما للمقاومة المستمرة».
وقال إنه يدعو «جماهير الشعب السوداني وجموع المهنيين السودانيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى السودان» إلى «الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية يوم 2 يناير 2022، فلنجعل منه عاما للمقاومة المستمرة».
قطع الانترنت
تزامنا مع الدعوات للتظاهر، تم قطع خدمة إنترنت الهواتف الجوالة في العاصمة، كما أفادت مجموعة «نت بلوكس» التي تتعقب أعطال شبكات الإنترنت في حسابها على تويتر «تم تأكيد تعطل الإنترنت عبر الهاتف المحمول في السودان منذ حوالي الساعة 10.00 بالتوقيت المحلي قبيل احتجاجات مناهضة للانقلاب في الخرطوم»
وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عزل رئيس الوزراء وأعضاء حكومته واعتقلهم في 25 أكتوبر. لكنه أعاده إلى منصبه من دون حكومته إثر ضغوط دولية ومحلية في 21 نوفمبر. ووقعا لاحقًا اتفاقا لإعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره وطمأنة المجتمع الدولي الذي خفف من مساعداته بعد الانقلاب، ولم يكن الاتفاق مرضيا لجميع الأطراف في السودان، الأمر الذي تواصلت معه الاحتجاجات في الشوارع. وشهدت العاصمة، تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات من جهة وعنف قوات الأمن للرد من جهة أخرى، ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى من المتظاهرين، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية المناهضة للانقلاب.
وأكدت اللجنة في بيان السبت ارتفاع عدد ضحايا الاحتجاجات منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 إلى 53 بينهم 11 شهيدا هم ضحايا الاتفاق السياسي. واتهمت اللجنة قوات الأمن بقطع الطريق على سيارات الإسعاف وإخراج جريح واحد بالقوة من إحداها، فيما تظهر العديد من مقاطع الفيديو التي نُشرت مؤخراً رجالًا بالزي العسكري يضربون متظاهرين بالعصي. وأثار العنف والهجمات على وسائل الإعلام استياء الأوروبيين ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والأمم المتحدة.
على الجيش العودة للثكنات
يرى المتظاهرون أنه لم يعد للمبادرات السياسية أي فاعلية وعلى الجيش «العودة إلى الثكنات»، مثلما وعد في 2019 حين أطاح بالرئيس السابق عمر البشير.
من جهته، قال العميد الطاهر أبو هاجة مستشار البرهان لوكالة الأنباء الرسمية، الجمعة، إن «استمرار التظاهرات بطريقتها الحالية ما هو إلا استنزاف مادي ونفسي وذهني للبلاد وإهدار للطاقات والوقت». وأضاف أن «التظاهرات لن توصل البلاد إلى حل سياسي».
ودعا تجمع المهنيين السودانيين الكيان المهني الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير في أبريل 2019، في بيان السبت إلى جعل 2022 «عاما للمقاومة المستمرة».
وقال إنه يدعو «جماهير الشعب السوداني وجموع المهنيين السودانيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى السودان» إلى «الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية يوم 2 يناير 2022، فلنجعل منه عاما للمقاومة المستمرة».
عنف وقمع
وفي جانب آخر، ناقش مجلس وزراء حكومة الظل بحزب “بناء السودان” هذه التطورات السياسية ومآلات الراهن، ويقول وزير الصناعة والتجارة محمد طه -للجزيرة نت- إن المشهد متجه نحو التأزم أكثر مع غياب الحلول، وتشير التوقعات لزيادة معدلات العنف واستخدام القوة المفرطة ضد المظاهرات وقمعها على غرار ما حدث بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019.
فالمواكب التي وصلت مرتين محيط القصر الرئاسي ضربت طوقا من العزلة على رئيس الوزراء الذي لم يستطع أن يكبح آلة القمع الأمنية وحقن دماء الشباب الثائر، وهو ما برر به اتفاقه مع قائد الجيش في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، وتم رفضه من تحالف “الحرية والتغيير” والشارع، كما يقول علاء الدين بشير.
معركة عض الأصابع
وقد وضع طوق العزلة حمدوك بين فكي المكون العسكري، وهو الوضع الذي لم يترك له إلا خيار المغادرة حيث أعلن قبل أيام مصدر سياسي مقرب منه عزمه تقديم استقالته، وتجددت ذات التأكيدات عقب اجتماع بينه وقادة مجلس السيادة لبحث استقالته مما يفسر عمليا فشل المساعي المبذولة من عدة إطراف داخلية وخارجية فى إقناعه بالبقاء فى منصبه، وهو ما يعنى واقعيا تحرير شهادة وفاة لاتفاقه مع البرهان.
ويقول بشير إن استقالة حمدوك الراجحة وتصاعد الضغط الجماهيري على المكون العسكري ستقود إلى “لعبة عض أصابع” وأيهما سيصرخ أولا: المكون العسكري الذي يواجه ضغطا ثوريا وشعبيا وعزلة من القوى السياسية الفاعلة، أم الشارع الثوري الجامح الذي ليس لديه ما يخسره وأعلن عزمه التصعيد حتى دحر الانقلاب وإسقاط البرهان وإعادة الجيش الى ثكناته.
وحسب رأيه فقد “بدا واضحا أن المكون العسكري ماض فى خطته القمعية بعد رفض العرض الذي تقدم به للحرية والتغيير لإعادة الأوضاع الى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول وانسداد الأفق أمامه بإصدار البرهان أمر طوارئ أعطى بموجبه صلاحيات واسعة للقوات النظامية وبينها جهاز المخابرات فى الاعتقال والتفتيش والحجز والرقابة للأفراد والممتلكات.
أما القوى السياسية المختلفة -بحسب المحلل السياسي- فلم تستطع طوال فترة الشراكة استعادة التوازن، وظلت كفة العسكر هى الراجحة. ويتابع “هذه القوى وبعد أن وجدت نفسها عاجزة عن الفعل والمبادرة أو توحيد نفسها كحد أدنى لم يترك لها الشارع فرصة للقيادة سوى أن تظل مرتدفة على مناكب جسارته تنتظر مآلات المواجهة الحاسمة بين المكون العسكري والثوار.
منذ سقوط النظام السابق ظهرت مبادرات عديدة منها النبيل والخبيث، لكن ظلت لجان المقاومة تدرك التحديات والواجبات والمهام المنوط تحقيقها من أجل الحفاظ على الثورة، وقد سقطت كل المبادرات المخالفة لأهدافها بوعي شباب وشابات اللجان بالدور المطلوب منهم. واليوم يزداد الأمر صعوبة بعد الانقلاب العسكري وهو يعني عودة الحكم الديكتاتوري للبلاد وهذا ما ترفضه المقاومة الشعبية وتناضل ضده، ولكن يبدو أن المهمة أصبحت أصعب اليوم في إفشال هذا الانقلاب والعودة إلى حياة ودولة ديمقراطية تضمن فيها حقوق الجميع خاصة بعد الاعتقلات والدماء التي سفكت فهل سيهدأ السودان؟ وهل سيكون هناك حل يرضي جميع الأطراف ويتم فيه حقن هذه الدماء؟
المصدر/ الوقت