مهرجان جازان السعوديّ.. مغامرة كبيرة إلى أين ستصل
استكمالاً لاستراتيجيات ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، أو ما يعرف بالحاكم الفعليّ لبلاد الحرمين الشريفين المفضوحة دولياً ومحليّاً، لمحاولة تلميع انتهاكاته الصارخة في مجال حقوق الإنسان، والتغطية على الصورة القبيحة التي طبعها عن بلاده في الأذهان الدولية، تتصاعد نسبة ما تُطلق عليه الحكومة السعوديّة “الانفتاح” في مُستويات العروض والفعاليات التي تشهدها الأراضي السعوديّة، لدرجة جلب راقصات شبه عاريات في مهرجان “شتاء جازان” جنوب المملكة، الشيء الذي أغضب كثيرين في الداخل والخارج بسبب الخصوصيّة الدينيّة للسعوديّة باعتبارها قبلة للمسلمين وتحوي أهم مقدساتهم ورموزهم، وقد عبروا عن رفضهم لكل التصرفات والأفعال المشينة التي بدرت خلال الفعاليات وتكررت مراراً في فعاليات سابقة، معلنين تبرؤهم مما تشهده البلاد من تجاوزات أخلاقية وسلوكيّة.
وبالتزامن مع فشل محاولات الحكومة السعودية في تلميع سجلها “المُشين” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهية وثقافية ورياضية كبرى، واعتمدتها كاستراتيجية مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشية، وثّق نشطاء مقاطع لراقصات شبه العاريات، وهي المشاهد التي صدمت السعوديين وغيرهم، في سابقة تاريخيّة في البلاد التي كانت معروفة بصرامتها الدينيّة على مدار عقود.
وتأتي تلك الممارسات التي يرفضها المسلمون وأغلب السعوديين على وجه التحديد، مع قيام ولي العهد السعودي، بالكثير من الإجراءات الصادمة في البلاد لتلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطية على الصورة الحقيقية التي طبعها في الأذهان الدولية، لخلق “صورة مختلفة” للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدموي الذي يتبعه حكام المملكة للبقاء في سدة الحكم.
وإنّ ما جرى في مهرجان “شتاء جازان” وبرعاية من أمير المنطقة، محمد بن عبد العزيز، وعدد كبير من المسؤولين السعوديين، لم يأتِ دون موافقة حكوميّة عالية المستوى، لكن ابن سلمان تلقى صفعة مؤلمة من عدم تقبل شعبه لأفعاله الغريبة النابعة من الاستماتة الكبيرة لاستغلال الفعاليات الدولية المهمة والمهرجانات الضخمة لحرف الأنظار عن جرائمه الوحشية والحد من الانتقادات الدولية لانتهاكاته الخطيرة، بما فيها جريمة تقطيع الصحافي السعودي الشهير، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده باسطنبول، وتقويض الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين السعوديين المسؤولين عن تلك الجريمة البشعة.
ويعلم العالم بأسره التعتيم الكبير على انعدام الحقوق المدنية والسياسية في بلاد الحرمين منذ تولي ابن سلمان ولاية العهد عام 2017، لأنّ سلطات ولي العهد كثّفت من حملات الاعتقالات التعسفية بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، والمنافسين من العائلة الحاكمة، بالتزامن مع مشاريع وفعاليات كان لها دور كبير في تجنب التدقيق في دور السعودية مثلاً في الحرب على اليمن، بقيادة محمد بن سلمان باعتباره وزيراً للدفاع، حيث قصف التحالف الذي تقوده الرياض منذ عام 2015، المنازل والأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد بشكل غير قانوني وقتلت مئات المدنيين، وقد يرقى الكثير منها إلى “جرائم حرب”.
وفي الوقت الذي يتخوّف فيه البعض في السعودية من أن تدفع هذه المشاهد الخارجة عن الدين والأعراف والمثل والتقاليد، السلفيين والجماعات المتطرفة والمتشدّدة، إلى العودة بقوّة من البوّابة التي فتحها ولي العهد على مصراعيها، وسط تساؤلات كثيرة حول انفجار غامض ضرب سباق “رالي دكار”، قالت باريس إنّه ربّما وقع بدافع الإرهاب، ما يعني أنّ مملكة آل سعود التي فشلت حتى اللحظة في تلميع سجلها الحقوقي وهو غرضها الأساس من كل الفعاليات التي تقوم بها، ربما تعيش أياماً عصيبة بسبب هذا التغيير المفاجئ والصادم في المجتمع السعوديّ المعروف بأنّه محافظ من الدرجة الأولى.
ومن الجدير بالذكر أنّ الرياض متهمة بمحاولة شراء المواقف الدولية بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالمية، يتوافد إليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع سلطات المملكة الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، في ظل المساعي الحثيثة للنظام السعودي لكم الأفواه المطالبة بأبسط الحقوق، باستخدام قانون “مكافحة الإرهاب” كغطاء للقمع الممنهج ضد السعوديين في الداخل والخارج.
ويوماً بعد آخر، يتصاعد الرفض الشعبيّ في السعودية ضد الفعاليات المسمومة التي تقوم بها ما تُسمى “هيئة الترفيه” في البلاد، والتي تسببت بنقمة كبيرة في المجتمع السعودي على حكومته، حيث تثير الحفلات والفعاليات المختلفة بشكل دائم انتقادات عارمة ولاذعة، رغم كل ممارسات الأمير الانقلابيّ لكم الأفواه التي بدأت بالإعلان الصريح عن رفضها لتلك الأفعال الخارجة عن الأعراف في بلد قبليّ ومتدين، لكن العديد من منتقدي الهيئة من الدعاة والشخصيات السعوديّة المعروفة تلقوا تهديدات من السلطات السعودية وعقوبات رادعة بسبب مطالبهم، فيما أكّدت وزارة ما تسمى “الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد” بالمملكة، أن “انتقاد الخطباء عبر منابر المساجد لفعاليات هيئة الترفيه أو أي جهة حكومية يعرضهم للتعهد أو الحسم أو الطرد.
ويمارس ولي العهد السعوديّ أسلوب “الإلهاء” ضد الشعب السعوديّ، وهي ثقافة السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته، ومعاملة الناس بوصفهم أطفالاً، واستثارة عاطفتهم بدلاً من فكرهم لتعطيل التحليل المنطقيّ والحس النقديّ لديهم، وإبقائهم في حالة جهل كبيرة، للصمت عن نهجه الاستبداديّ الذي لم يتوقف يوماً عن إجرامه وطغيانه، والدليل هو المعتقلون الذي يواجهون مصيراً مجهولاً باعتراف المنظمات الدوليّة التي ترفض الرياض زيارتها للبلاد، فإما موت بطيء داخل الزنازين، أو إفراج عنهم بمرض ينهي حياتهم، أو إقامة جبرية داخل بلادهم تمنعهم من ممارسة أدنى حقوقهم كمواطنين سعوديّين، ما يعني “إقامة دائمة خلف القضبان” لمن يتجرأ ويُعبر عن آرائه بأدنى حرية ممكنة.
ختاماً، إنّ أشدّ ما يُقلق المتابعين للشأن السعوديّ هو أنّ الخطط التي يُطبقها الأمير الشاب تحارب بلا رحمة التقاليد والتراث السعوديّ ذو الطابع المحافظ وإحلال مظاهر اللهو والفساد بين السعوديين وبالأخص فئة الشباب، للتغطية على إجرامه وفساده وسرقاته التي قلبت حياة المواطن السعودي رأساً على عقب، في وقت يشير فيه محللون إلى أنّ ابن سلمان وهيئته الترفيهيّة لن تتمكن من تغيير معالم المجتمع السعودي بهذه السهولة والبساطة، لأنّ الرياح ربما تسير بعكس ما تشتهي سُفن الطغاة والأيام القادمة ستشهد، وخاصة بعد أن تفوقت السعودية التي يسيطر عليها آل سعود على نفسها وجيرانها واحتلت مرتبة مرموقة في القمع والاستبداد والظلم.
المصدر/ الوقت