ملف حقوق الإنسان في البحرين وتعنت النظام الحاكم
في الوقت الذي حوّلت فيه سلطات البحرين أوضاع حقوق الإنسان إلى أسوأ حالاتها بسبب القمع المتصتعد ومحاربة حرية الرأي و التعبير و تعزيز الانقسام والطائفيّة، انتقد السيناتور الأمريكي عن ولاية ميريلاند بين كاردن مؤخرا، أوضاع حقوق الإنسان في البحرين والانتهاكات التي تمارسها المنامة بحق النشطاء والمعارضين، حيث بات سجل النظام البحريني حافلاً بانتهاكات حقوق الانسان مع استخدامه القضاء كأداة لكمّ الأفواه الشعبية المُطالبة بالديمقراطية، وفي حين تنتزع الاعترافات بالتعذيب تتراوح أحكام القضاء التي تستهدف المعارضين ما بين الإعدام و السجن لعدة أعوام وإسقاط الجنسية.
نداء عاجل
“لا يجوز احتجاز أيّ شخص خلف القضبان لمجرد ممارسته حق حرية التعبير وتكوين الجمعيات المكفولة دولياً”، هكذا تضمنت تغريدة السيناتور الأمريكيّ عبر تويتر، وخاصة أنّ النظام الحاليّ في المنامة يحظر جميع وسائل الإعلام المستقلة ويمنع جميع أحزاب المعارضة السياسية، ويسجن العديد من قادتهم ، ناهيك عن أصحاب الرأي والمواقف الحرة والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء، والمدونين، والحكم والتهمة جاهزان دوماً أي سجن مدى الحياة بتهم تتعلق بالتعبير واتهامات ملفقة بالتجسس والعمالة.
وفي هذا الشأن، طالب كاردن بالإفراج الفوريّ وغير المشروط عن النشاط الحقوقيّ البارز، الدكتور عبد الجليل السنكيس، والمضرب عن الطعام منذ أشهر طويلة وحالته الصحيّة سيئة للغاية، إضافة إلى جميع السجناء السياسيين في مملكة البحرين، في وقت يتحمل الحقوقيون والنشطاء والقادة السياسيون القسم الأكبر من القمع السياسيّ في البحرين، ويواجهون الاعتقال التعسفيّ والسجن والتعذيب لفترات طويلة للغاية لمجرد اتخاذ مواقف معارضة من الحكومة، وقد جُرد المئات من البحرينيين من الجنسية بشكل غير قانونيّ، فيما يتعرض النشطاء والصحفيون في الخارج لخطر الاغتيال والانتقام من أفراد عائلاتهم الذين بقوا داخل بلادهم.
وفي ظل الدعوات المسترة للبرمان البحرينيّ الحكومة للإفراج عن أعداد أكبر من السجناء والمعتقلين، وأن تشمل الافراجات المحكومين بالسجن المؤبد، جاءت الدعوة الأمريكيّة للإفراج عن المعتقلين وبالأخص الأكاديميّ السنكيس باعتبار أنّه منذ 8 يوليو/تموز الماضي دخل إضراباً مفتوحا عن الطعام احتجاجاً على المعاملة السيئة التي يتلقاها في سجن جو ذو السمعة القذرة، وللمطالبة بإعادة عدد من الأبحاث والكتب التي عمل على تأليفها منذ أربع سنوات وصادرتها السلطات البحرينية، وهو واحد من بين مئات السجناء السياسيين في البحرين، بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيون وصحافيون وقادة معارضة ومحامون، وقد حُكم على 500 منهم بالسجن لأكثر من 20 عاماً، وفقاً لمواقع بحرينيّة معارضة.
ولم تكن مطالبة السيناتور الأمريكيّ هي الوحيدة، بل تلت سلسلة طويلة من المطالبات الدوليّة والحقوقيّة، والتي زادت الضغط في الأشهر الأخيرة على النظام البحرينيّ للإفراج عن السجناء السياسيين في البلاد، والكف عن ممارسة الانتهاكات بحق المنادين بحرية الرأي والتعبير، حيث يعيش الشعب البحرينيّ تحت وطأة حزمة واسعة وفاضحة من الانتهاكات والجرائم الماسة بحقوق الانسان وهي في تصاعد وتوسع كلما امتدت الازمة السياسية في البلاد، حيث تورطت الحكومة البحرينيّة خلال العقد الأخير حتى اليوم في سجل أسود لا مثيل له على كل المستويات بعد إنفراط العقد الاجتماعيّ بين المسؤولين والشعب ما دفعهم لارتكاب كل المحرمات والانتهاكات في سبيل الانتقام والتهميش والقمع وتضييق الخناق على المطالبين بأدنى حقوقهم التي يكفلها الدستور.
وحسب جمعية الوفاق البحرينيّة المعارضة، فإنّ انتهاكات النظام البحريني شملت إصدار قوانين متطرفة وإتخاذ إجراءات صارمة وتشكيل مؤسسات شكليّة وتقييد السلطات الثلاث والتحكم المطلق فيها وبعثرة الثروات والأموال الطائلة وبث الفوضى الدبلوماسيّة وتشكيل التحالفات الخبيثة وارتكاب تجاوزات وطنية واسعة، في سبيل الانتصار للعائلة المالكة ضد شعب البحرين وكسره وتهميشه وإفقاره وتجهيله وخنقه والتضييق عليه في معيشته، كي لا يفكر في المطالبة بالحرية أو المشاركة أو أن يكون عزيزاً وكريماً وصاحب رأيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ مجلس العموم البريطانيّ، الخميس المنصرم، عقد جلسة ناقشت قضية اعتقال السجناء السياسيين في البحرين، وطالب النواب البريطانيون حكومة بلادهم بممارسة الضغط على المنامة لإطلاق سراح جميع هؤلاء السجناء، فيما يُشكك البعض بإمكانيّة أن تتحرك الدول الغربية بجديّة لوقف استبداد نظام آل خليفة، مستندين إلى أنّ مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة الدوليّة، ، بقي مشلولاً تجاه قضية قمع المعارضين والنشطاء السياسيين والدينيين في البحرين، ولم يأخذوا أيّ خُطوة في تعيين مبعوث خاص لحقوق الإنسان هناك، فيما يؤكّد محللون أنّ صمت الدول والمنظمات تجاه انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة البحرينيّة لا يعدو عن كونه ورقة اقتصاديّة رابحة، فالبحرين يُد سوقاً لتصريف أسلحتهم ومعداتهم العسكريّة بالإضافة إلى أنّ الأراضي البحرينيّة تستضيف قواتهم في قواعد عسكريّة، وهذا بالطبع أهم بكثير بالنسبة لمخادعي الديمقراطيّة من الإنسان ومن حقوقه.
حقوق مسلوبة
لا يخفى على أحد ربما، أنّ شعب البحرين محرومٌ من أبسط حقوقه الواردة في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان وفي العهدين الدوليين وفي كل المقررات الدولية، وعلى رأسها الحق في الحياة، لأنّه ممنوع من المشاركة السياسية في السلطات الثلاث وتوزيع الثروة والقرار والتشريع والتنفيذ والقضاء، كما أن الحقوق السياسية محجوبة عنه، إضافة إلى حرية الرأي والتعبير، والحرية الدينية، وحرية تكوين الجمعيات والاحزاب، وحرية التجمع السلمي وغيرها من الحريات التي تصادرها سلطات آل خليفة بالقوة والبطش، واستكمالاً لمنهج الاستبداد غير الموصوف والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، عملت الحكومة وأجهزتها الأمنيّة والعسكريّة على تفكيك المعارضة وإلغائها عبر حلّها وسحب تراخيص العمل وتطبيق قانون العزل السياسيّ في الدولة دون أي دوافع أو أسباب منطقيّة.
ووفقاً للمؤشرات الدولية تعتبر دولة البحرين موغلة في الفساد العام والفساد السياسيّ والمالي والتشريعي والقضائيّ كما صنفتها جهات دولية في تقاريرها كواحدة من بين عدة أنظمة وحشيّة وقمعيّة، والبلد التسلطي الاستبداديّ ضمن قائمة الدول “غير الحرة” ومن بين الأكثر قمعًا في الشرق الأوسط، في وقتٍ تتصاعد في البحرين وتيرة الاستيلاء على المال العام وسرقة ونهب الأراضي والسواحل العامة، والهيمنة على القرار السياسيّ والنفوذ والسيطرة على كل مؤسسات الدولة وقراراتها.
وقد عمل النظام البحريني خلال العشر سنوات المنصرمة على تدمير البنية التحتيّة لحقوق الانسان بشكل كامل، حيث الغى الحريات السياسية والدينية والصحفية والثقافية وحرية الرأي والتعبير وحرية تشكيل الجمعيات والاحزاب وحرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني وحرية التظاهر وحرية العمل وتجاوز كل ذلك بمشاريع كارثية لا تليق بدولة في هذا العصر.
“هل تعلم أنّ لدى البحرين أحد أعلى معدلات السَّجن بالنسبة لعدد السكان في الشرق الأوسط؟”، سؤال وجهته منظمة هيومن رايتس ووتش المعنيّة بحقوق الإنسان، في رسالة وجهتها لحكومة المنامة للإفراج عن المعتقلين، لكن نظام آل خليفة يثبت للقاصي والداني عدم رغبته في كسر القيود على شعبه، لإفات “الثورة السلميّة” الوحيدة في العالم العربيّ، ورفع صوت التنكيل والإجرام عالياً.
المصدر/ الوقت