التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

القيادات الكرديّة في سوريا.. حسابات خاطئة وجهل بالتاريخ والسياسة 

في ظل الوجود غير الشرعيّ لقوات الاحتلال الأمريكيّ في المنطقة الشرقيّة السوريّة لدعم ما تُطلق على نفسها “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها بعض القياديين الأكراد الحالمين بدولة قوميّة ضمن سوريا لإتمام المشروع الذي يتحدث عن السياسيون الكرد في إنشاء دولة من مجموعة كتل أبرزها في سوريا والعراق وتركيا، وبما أنّ الانسحاب الأمريكي الصادم من أفغانستان أظهر أن الغربيين لا يهمهم سوى مصالحهم في المنطقة ويمكن أن يتخلوا عن عملائهم في أي لحظة، قال وزير الخارجية الروسيّ، سيرغي لافروف، أن “الاتصالات التي تجريها موسكو مع القيادات الكرديّة في سوريا تهدف إلى إقناعهم بإطلاق حوار جاد مع الحكومة السورية بدلاً عن التعويل على دعم واشنطن”، والتي تسرق نفط الشعب السوريّ وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع.

حسابات خاطئة

تُصر سوريا على أنّها في المستقبل القريب ستمارس سيطرتها الطبيعية والدستوريّة على المناطق الشمالية من البلاد، وتأكد أنه لن يكون لتركيا ولا للمجموعات الانفصالية المدعومة أمريكيّاً سوى الفشل في مشاريعهما الهدامة في المنطقة، وهذا يعني هزيمةً جديدة وبالتحديد للسياسيين الأكراد ذوي الذاكرة الضعيفة والحنكة السياسيّة المعدومة، وإنّ خنوعهم لواشنطن التي أعطت الضوء الأخضر من خلال الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، لغزو تركيّ للأراضي السوريّة الشماليّة للقضاء على الأكراد وتدمير منازلهم، لم تُعلم الأكراد أنّ الإدارة الأمريكيّة تجيد السياسة لا أكثر وقد وجهت لهذه الجماعة العرقية عبر قراراتها سلسلة طعنات وجهها رؤساء أمريكيون عبر سنوات طويلة.

وفي هذا الخصوص، إن الأقلية العرقية التي لا يبلغ عدد سكانها في سوريا مليوني نسمة وحوالي 30 مليون نسمة في كامل الشرق الأوسط، استغلت الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابيّ ككيانٍ جغرافي في آذار/مارس 2019، لقوات سورية الديمقراطية المعروفة بـ (قسد)، التي تُشكّل مظلة للمقاتلين الأكراد وأقلية من العرب، للسيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية الغنية بالنفط، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من العرب وغير الأكراد، وإن إنشاء ما تسمى “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا التي تحكم المناطق الواقعة في شمال شرق البلاد وشرقها، التطوُّر الأحدث عهداً في المشروع السياسي لحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”.

ومؤخراً أشار لافروف خلال مؤتمر صحفيّ حول نتائج عمل الدبلوماسية الروسيّة في عام 2021، إلى أن بلاده تسعى في اتصالاتها مع إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لمجلس “سوريا الديمقراطية” وزملائها الأكراد، إلى أن توضح لهم ضرورة إطلاق حوار جاد مع الحكومة السورية بشأن الظروف التي سيعيش فيها الأكراد داخل البلاد، بعد أن تبنّت الإدارة الذاتيّة الكرديّة خطاب الحكم الذاتيّ كخطورة للمشروع الأكبر وامتداد له، وعملت على محاربة التعايش والاعتراف المتبادل بين مختلف أبناء المنطقة، رافضة التخلّي عن أيّ هدف تخريبيّ أو سلطة فعلية في المناطق التي تسيطر عليها وتشكل الأكثرية العربيّة الخاضعة لسيطرة “قسد” فيها 80%، في تهميش لأكبر قوميّة في الشرق الأوسط يدل على “الغباء السياسيّ” أولاً و “نفاق المشروع” ثانيّاً، لأن آلية الحكم العنصرية في مناطق العرب تولّد مشاعر استياء وحقد لديهم.

“دمشق لم تنس أن الأكراد اتبعوا نهجاً معارضاً لها في المراحل السابقة من النزاع”، هذا ما كشفه وزير الخارجيّة الروسيّ، مؤكّداً “وجود بعض التحفظ لدى الحكومة السورية إزاء الأكراد”، ربما باعتبار أنّ الحلم الكرديّ بات مكشوفاً للقاصي والداني، حيث إن رابع أكبر مجموعة عرقية في المنطقة، ترغب بدولتها القومية الخاصة منذ أواخر القرن الـ19 لكن الظروف المتعاقبة حالت دون تحقيق هذا الحلم، وأكبر مشكلة في هذا الملف هو استناد الأكراد بشكل دائم على أي داعم وتمسكهم بقيام دولتهم القوميّة التي ستفرز عن تقسيم دول كثيرة وهذا بالطبع يعني حرباً مفتوحة ضد هذا المشروع.

إضافة إلى ذلك، زعم الوزير الروسيّ أنّ هدف الدبلوماسيّة يكمن في “تجاوز الماضي وإقامة علاقات مستقبليّة”، مدعيّاً أن دمشق قد تستفيد من تجربة العراق في هذا الملف، فيما ذكّر بأنه قبل عامين خلال زيارته إلى العاصمة السورية دمشق وعاصمة إقليم كردستان العراق أربيل دعم بالقوة فكرة تكثيف الاتصالات بين أكراد سوريا والعراق بهدف تبادل أكراد العراق مع أشقائهم السوريين تجربتهم بشكل أنشط.

لكن المسؤول الروسيّ البارز الذي يتكلم عن دولة ليست دولته، تناسى بالمطلق الخيانة التي ارتبكها الانفصاليون في في العراق والتي تعود إلى فترة الغزو الأمريكيّ لهذا البلد عام 2003 والخيانة العظمى التي ارتكبوها عندما شاركوا بالقتال مع قوات الاحتلال ضد بلادهم مستغلين حالة الوهن والضعف وقاموا تحت رعاية المُحتل بإعلان فيدراليّة ومنطقة حكم ذاتيّ، إضافة إلى قيامهم عام 2014 بضم محافظة كركوك الغنية بالنفط والمعروفة بأنها عربيّة بالكامل مع مناطق أخرى، وقام رئيس اقليمهم السابق مسعود بارزاني وبدعم صهيونيّ وأمريكي متكامل بالدعوة لاستقلال اقليم كردستان في دولة مستقلة وأعلن عن استقلال الاقليم عن العراق في العاشر من أكتوبر لعام 2017 وكلنا رأينا في تلك الفترة الأعلام الصهيونية في شوارع أربيل كما إننا رأينا في يوم الاستفتاء، ولكن الجيش العراقي في هذه الفترة بدأ يستعيد عافيته فقام بعملية عسكرية استعاد من خلالها الموصل وكركوك وكل المناطق العربية المتنازع عليها بالتعاون مع الأكراد الشرفاء الذين كانوا يعارضون الانفصال ليُقصى مسعود بارزاني الذي تدرب في تل أبيب خارج السلطة.

وفي الوقت الذي تحدث فيه لافروف بأنّ القضية الكرديّة تشكل حاليّاً أحد العوائق أمام إطلاق التفاوض الشامل بشأن تسوية ما أسماه “النزاع”، وتنويهه بأن اللجنة الدستوريّة التي تعقد اجتماعاتها في جنيف تضم عددا من الأكراد لكنهم لا يمثلون كافة الجهات الكردية في البلاد، ذكّر لالوزير الروسيّ البارز بأن الأكراد، عندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن نيتها سحب القوات من سوريا بالكامل تواصلوا فورا مع موسكو بطلب مساعدتهم في إطلاق حوار مع دمشق، غير أن اهتمامهم بذلك اختفى بمجرد مراجعة واشنطن قرارها، وهذا أكبر دليل على ما تم الإشارة إليه في الفقرات السابقة.

أمريكا لن تحدد مصير سوريا

جُملة قالها الأخطبوط السياسيّ الروسيّ: “الأفق يجب أن يكون أبعد بالنسبة للسياسيين الأكراد، لا شك في أنّ الأمريكيين ليسوا من سيحدد مصير سوريا”، هذا البلد الذي استقبل الأكراد الذين فروا من بطش الحكومة التركيّة عام 1925 بعد ثورة “سعيد بيران” ضد سياسة التتريك والتعسف التي انتهجتها حكومات مصطفى كمال أتاتورك، وصولا إلى إكرامهم والوقوف معهم واستقبالهم، والدليل استقبال زعيم الأكراد الأتراك الشهير عبد الله أوجلان الذي يُجل سوريا ويعترف بفضلها في التسعينات من قبل الرئيس السوريّ السابق، حافظ الأسد المعروف بشخصيّته السياسيّة الفريدة، ورغم الضغوط التي مورست على دمشق آنذاك من قبل تركيا والناتو والتهديد باجتياح عسكريّ لتسليمه إلا أنّ سوريا رفضت تسليمه فقرر تركها بنفسه.

ويجب على الأكراد وهنا أقصد السياسيين الذين يتحكمون بمصير الشعب الكرديّ الطيب، أن يعترفوا ويجلوا الأفضال التي قدمتها لهم سوريا وشعبها، بدل التآمر عليها والانخراط في مشاريع هدامة هم الخاسر الأكبر فيها بحكم تجربتهم السياسيّة الضعيفة للغاية، خاصة أنّ دمشق طرف موثوق به حيث عملت منذ آذار 2011 بدعم الأكراد وتسليحهم كجزء من الشعب السوري ليدافعوا عن أنفسهم ويحموا مناطقهم في وجه الارهابيين الذي اجتاحوا البلاد تحت مسميات واهيّة من دول اعترفت بأنّها ترى سوريا “غنيمة” وسلحت الجماعات الإرهابيّة ومولتها فيها، ولم يخفِ السياسيون الأكراد ذلك حيث اعترف قادتهم كصالح مسلم بأنّ الدولة السوريّة قد سلحتهم ومولتهم في عين العرب “كوباني” عند هجوم داعش والأتراك عليهم وكان ردهم أن قاموا بالتآمر مع الأجانب ضد بلدهم وقاموا بقتال الجيش العربي السوريّ في أماكن كثيرة وأعلنوا عن مناطق حكم ذاتيّ انفصاليّ، وأدخلوا قوات الاحتلال الأمريكي إلى مناطقهم بحجة حمايتهم من أبناء بلدهم وصاروا يضيقون على العرب في تلك المناطق وينفذون اغتيالات للأشخاص البارزين هناك، ناهيك عن عمليات التطهير العرقيّ التي حاولوا أن يقوموا بها في محافظة الرقة التي يحلمون أن تكون عاصمتهم، رغم أنّ الجميع يعلم عربية الرقة ولا يوجد فيها أكراد أساساً.

خلاصة القول، ينبغي على القيادات الكرديّة ألا تكون منخرطة مع أعداء هذا البلد فكما يقول السوريون “عدو جدك، لا يودك”، ولا شك أنّ دمشق سترحب بأي خطوة كرديّة جادة وحقيقيّة لهؤلاء الانفصاليين للعودة لرشدهم ولوطنهم، لطي صفحات مسلسل خياناتهم والاستقواء بالأمريكي ضد أبناء شعبهم هذا على الرغم من الغدر الأمريكيّ المتكرر لهم، في ظل قيامهم ببيع النفط السوريّ المتواجد في المناطق التي يحتلونها بإشراف الولايات المتحدة ويحرمون منها الشعب السوري الذي يعيش أسوأ ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة في تاريخه.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق