التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 20, 2024

توني بلير من “مجرم حرب” إلى “فارس” في عيون إليزابيث 

عقب الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليه بعد منحه وسام “الفروسيّة” الشهير، أشار رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير مؤخراً، إلى أن إرثه في الحكم يتعدى الحرب على العراق، رافضاً جميع الانتقادات بعد أن وقع أكثر من نصف مليون شخص على عريضة تطالب بسحب وسام الفارس منه، فبالرغم من مرور سنوات طويلة على الغزو الأمريكيّ للعراق عام 2003 واستيطان القوات البريطانيّة في أراضيه، إلا أنّ ذاكراتها حاضرة في جميع الأذهان داخليّاً وخارجيّاً، خاصة قيامه بارتكاب أشنع المجازر بحق العراقيين، وتدمير الأراضي وقتل الأهالي واعتقال الأطفال النساء، بمسؤلية كاملة من بلير.

لا يمكن لعراقيّ أو عربيّ أو مطلع على الشأن السياسيّ في العالم بمجرد سماعه اسم “توني بلير” إلا أن يتذكر دوره المقيت في غزو العراق وتدميره وسلب خيراته وأسر وقتل أبنائه، في واحد من أبشع الكوارث الإنسانيّة والسياسيّة التي مرت على بلدان المنطقة، لتحقيق مصالح الدولة الاستعماريّة في النفط المتواجد بكثرة في العراق وتأمين الكيان الصهيونيّ اللقيط، وسط صمت عربيّ مخجل في الدفاع عن العراق وشعبه من المحتلين.

وإنّ إدراج اسم بلير الذي يحسبه البعض على سياسيي بريطانيا البارزين والفائز بثلاث انتخابات عامة متتالية خلال تزعمه “حزب العمال” في البلاد، على قائمة شرف الملكة إليزابيث الثانية للعام الجديد، ومنحه لقب “سير” أو الفارس، زاد الهجوم على الأخير المعروف بإجرامه ليس بحق العراقيين فقط بل بحق الشعب البريطانيّ وعائلات الجنود الذين فقدوا حياتهم بالعراق أو أصيبوا هناك.

وإنّ إدانة بلير من قبل البريطانيين قبل غيرهم بعد اعترافه سابقاً بأنّه لم يكن هناك “سبب قانونيّ” لغزو العراق، حيث اشتركت لندن في تدمير بلاد الرافدين، ولم تُحركما تُسمى “الجامعة العربية” أيّ ساكن لتقديم دعاوى جنائية للمحكة الدوليّة لإدانه هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم، وبالأخص الرئيس الأمريكيّ الأسبق، جورج دبليو بوش، حليف بلير في الحرب على العراق، والذي قدّم له عام 2009، وسام “الحرية” الرئاسيّ، المُصنف ضمن أعلى الأوسمة المدنيّة الأمريكيّة، وذلك على “جهوده لتعزيز الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والسلام في الخارج”، وهي بالطبع ديمقراطية الولايات المتحدة التي ما تزال صورها الدمويّة عالقة في أذهاننا.

وفي هذا الشأن، زعم توني بلير الذي يجب أن يحاكم عن اعترافاته بمسئوليته الإجراميّة عن غزو العراق بدءاً من الجامعة العربيّة ومجلس الأمن، أنه قبل بالوسام الذي يعد الأعلى رتبة للفرسان ليس فقط ارضاء لنفسه بل من أجل “الأشخاص المتفانين والملتزمين” الذين عملوا معه في الحكومة و”أحدثوا الكثير من التغيير في البلاد” بحسب تعبيره، وفي معرض ردّه على قضيّة المطالبة بسحب اللقب منه، وبالتحديد على موقع “تشاينج دوت أورغ” الذي اجتذب أكثر من مليون توقيع، قال: “بالطبع هناك أشخاصا يعترضون على ذلك بشدة، وهذا أمر متوقع، هناك بعض من يقولون إن الشيء الوحيد الذي فعلته حكومتي هو حرب العراق، ويتجاهلون بقية الامور التي قمنا بها، ولا أن تشغل منصبا قياديا وتتخذ قرارات بدون إثارة الكثير من المعارضة، ولهذا لم يفاجئني ذلك”.

ومن الجدير بالذكر أنّ الكثيرين عربيّاً وبريطانيّاً حتى الآن، لا يكفون عن المطالبة بمحاكمة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي أدان بلسانه النظام البريطانيّ الشيء الذي يجب أن يدفع نحو اتخاذ إجراءات لمحاسبة المتورطين في غزو العراق وتدميره، فيما يتحدث آخرون أنّ المحاسبة يجب أن تشمل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقتها، محمد البرادعي، وهو أيضاً حاصل على ما يُطلق عليها “جائزة نوبل للسلام” عام 2005، لمسؤوليّته عما حدث بالعراق وشعبه، لأن التقارير التي خرجت عن تلك الوكالة حملت مضمونًا لم يكن له أي صلة بالواقع باعتراف غزاة هذا البلد.

بناء على كل ذلك تعرض توني بلير لكل هذه الانتقادات والشتائم من شعبه قبل الآخرين، بسبب دعمه غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، ويؤكّدون أنّ الأخير يستحق وساماً من نوع آخر وهو وسام “القاتل”، لارتكاتبه جرائم ضد الإنسانية وقد أكّدت لجان التحقيق في العراق ذلك، وإنّ آثار العدوان ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا في العراق الذي يزداد حاله سوءًا، نتيجة قرارات مجرمي الحرب أي بلير وبوش المجردين من الإنسانيّة، وهذا ما يجب أن يدفع المحكمة الجنائية الدوليّة وفقاً للمادة الثامنة من قانونها، بمحاسبتهما بتهم شن جريمة العدوان، وارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وإبادة جماعيّة، كما ساند بلير الولايات المتحدة في حربها على نظام حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وارتكب بما لا شك فيه جرائم بحق أبرياء كُثر.

في النهاية، إنّ عقليّة المُجرم هي ذاتها مهما طال الزمن لأنّ الوحشيّة ستبقى تغلب عليه، وإنّ الحرب على العراق التي أزهقت أرواح أشخاص لا حصر لهم من المدنيين العراقيين، فضلاً عن 179 جنديّ بريطانيّ بين عامي 2003 و2009، وفق بيانات رسمية بريطانيّة، لم تدفع بلير الذي عبر عن “ألمه وأسفه واعتذاره”، أن يعتذر عن قراره المشين بغزو العراق مؤكّداً أنّه لم يسير وراء رأي الناس ولا أستطيع فعل ذلك، قائلاً بكل إجرام واستبداد: “لو عدت إلى نفس المكان، وكانت لدي نفس المعلومات، لاتخذت نفس القرار، لأنني واثق أن القرار الذي أخذته كان صائباً”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق