ما مدى نجاح هيئة “من أين لك هذا” في محاربة الفساد بالجزائر
أعلنت الرئاسة الجزائرية، مؤخرا، إنشاء هيئات جديدة لمكافحة الفساد، بينها هيئة تتولى التحري عن المواطنين الذين “تطرأ عليهم مظاهر الثراء المفاجئ دون وضوح مصادره”.
وتقرر خلال اجتماع لمجلس الوزراء، برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، “استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء، عند الموظفين العموميين، بلا استثناء، من خلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد، عملاً بمبدأ، من أين لك هذا”.
كما تقرر، في السياق نفسه، استحداث هيئة سادسة لمكافحة الفساد في الجزائر، بعنوان “السلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته”، حيث ناقش مجلس الوزراء نص القانون المتعلق بتشكيلة هذه الهيئة وصلاحياتها، وطالب تبون الحكومة بالتركيز على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بدءاً من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات والمناقصات على الجرائد.
وإضافة إلى الهيئتين الجديدتين اللتين تم الإعلان عن استحداثهما الأحد، تتوفر الجزائر على أربع هيئات رقابية لمكافحة الفساد، هي الديوان المركزي لقمع الفساد، الذي أنشأ عام 2006، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي باتت هيئة دستورية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إضافة إلى مجلس محاسبة والمفتشية العامة المالية.
لكن وجود كل هذه الهيئات الرقابية ومكافحة الفساد لم يمنع تعرض الجزائر خلال العقدين الماضيين، خاصة إلى أكبر موجة فساد ونهب للمال العام وتلاعب بالصفقات العمومية والمقدرات والممتلكات، إذ تفجرت بعد الحراك الشعبي مئات قضايا الفساد واختلاس المال العام، التي تورط فيها كبار المسؤولين في الدولة، ورؤساء حكومات ووزراء في الحكومة وموظفون في مختلف مؤسسات الدولة والجيش.
وفي السياق، أعلن تبون، عن استحداث منصب مفتش العام لمصالح الدولة والجماعات المحلية، ملحق مباشرة برئاسة الجمهورية، كان تعهد باستحداثه قبل أشهر، لمراقبة عمل مؤسسات الدولة.
وفي وقت سابق، كشف تبون عن أن محاولته استحداث هذا المنصب عند تعيينه رئيساً للحكومة، في يونيو/ حزيران 2017، هو ما تسبب في إقالته من منصبه بتواطؤ من الكارتل المالي بعد شهرين من تعيينه فقط، في أغسطس/ آب من نفس العام.
وتحتل الجزائر المرتبة 104 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في 2021. وحسب متابعين، فقد استفحلت مظاهر الفساد لدى موظفين حكوميين في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، التي تزامنت مع مداخيل قياسية لصادرات النفط والغاز الجزائرية.
ومنذ عقود تخضع الجزائر مناقصات المشاريع الحكومية، لإلزامية نشر إعلانها على صفحات 3 صحف على الأقل.
وعقب حراك شعبي أطاح ببوتفليفة في 2 أبريل/نيسان 2019 جرى سجن رئيسي وزراء من حقبته هما أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، إضافة إلى وزراء وولاة (محافظون) ورجال أعمال، إثر تحقيقات في قضايا فساد.
وكان بوتفليقة أجرى في عام 2006 تعديلات على قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، لكنها أتت حسب مراقبين بنتائج عكسية، زادت من عدد قضايا الفساد وأبقت المسؤولين والموظفين الحكوميين بعيداً عن المساءلات.
وطوال فترة حكم بوتفليقة التي امتدت على مدى 20 عاماً (1999 /2019) جرت مساءلة عدد قليل من الموظفين الحكوميين بشأن قضايا فساد ومظاهر الثراء غير المبرر.
وخلال فترة حكم بوتفليقة تم إنشاء “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الذي صدر عام 2006. لكن حسب متابعين، فإن مهام “الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” ظلت شكلية ولم تتمكن من التصدي لظاهرة الفساد وخصوصاً في أوساط حكومية رسمية.
وفي الفترة التي أعقبت إنشاء هذه الهيئة، تفجرت فضائح فساد مدوية بالجزائر على غرار قضية “الطريق السيار شرق غرب” وقضيتي “سوناطراك” 1 و2، لكن التحقيقات بقيت بعيدة عن الوزراء وطالبت أشخاصاً من مستويات مسؤولية أقل وفق ما عرف في الجزائر “الحوت الكبير والصغير”.
ويستعمل مصطلح “الحيتان الكبيرة والصغيرة” في الجزائر شعبياً وإعلامياً للدلالة على ابتعاد تحقيقات الفساد عن كبار المسؤولين واقتصارها على سلم مسؤوليات أقل.
وفي عام 2018 قامت حكومة رئيس الوزراء المسجون أحمد أويحيى (خلال حقبة بوتفليقة)، بإنشاء هيئة جديدة لمكافحة الفساد حملت تسمية “الديوان المركزي لقمع الفساد” لكن الفساد تواصل بعدة قطاعات.
وفي السياقن يرى الصحفي الجزائري المتخصص في التحقيقات الاستقصائية إلياس حلاس، أن استحداث هيئة للتحقيق قي ثراء الموظفين الحكوميين “لا يضيف الشيء الكثير لمكافحة الفساد”.
وعدد إلياس حلاس في حديث جملة من الشروط الواجب توفرها لمكافحة حقيقية للفساد وليس بتعدد الهيئات المتخصصة، موضحاً أنه “من الشروط هو إجراءات شفافة ترافقها عدالة (قضاء) مستقل وكذا صحافة حرة ومستقلة”.
وختم حلاس بالإشارة إلى أن “مكافحة الفساد ليست بحاجة لهيئات متعددة تتداخل فيما بينها من حيث الصلاحيات وفي نهاية المطاف لا تقوم بفعل شيء”.
وكانت العاصمة الجزائر قد استضافت اللقاء الدولي حول “تقييم تدابير مكافحة الفساد في الجزائر من خلال أداة تقييم مبادرات مكافحة الفساد لجمهورية كوريا” في المركز الدولي للمؤتمرات. الاجتماعات نظمتها الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته ومكتب برنامج الأمم المتحدة للتنمية بالجزائر.
بدوره قال طارق كور رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته إن هيئته عملت على إشراك كل الأطراف المعنية في عملية إعداد مشروع الاستراتيجية الوطنية ضد الفساد، بالاعتماد على جهاز تقييم مكافحة الفساد لكوريا الجنوبية، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
لكن الخبير والمحلل الاقتصادي فريد بن يحيى يرى أن استحداث هيئة للتحقيق في ثراء الموظفين الحكوميين “أمر إيجابي من حيث المبدأ، لكن تطبيقه صعب ووجب مرافقته بجملة إجراءات”.
ويقول بن يحيى: “هناك هيئة لمحاربة الفساد وديوان المركزي لقمع الفساد، ويمكن استحداث 10 هيئات ولن نصل إلى هدف إذا لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية وتقنيات ترافق هذه الهيئة”.
ويضيف: “لست من مؤيدي تعدد الهيئات بل يجب أن تكون هيئة واحدة جامعة بكافة الصلاحيات اللاّزمة”، لافتاً إلى أن “عمل رقابة على مسؤولين في الدولة أو شركات عمومية كبرى ومنتخبين وغيرها يستوجب وجود نظام رقمنة شامل، يوفر ملفاً مفصلاً عن كل موظف ووجود تتبع لكافة نفقاته ومداخيله ومصادرها (شبكة معلوماتية)”.
وحسبه فإن العمل “يجب أن يتم سرياً وفق هذا النظام الرقمي، وعندما يتم رصد أي أمور مشبوهة يتم التحري بسرية مع المعني وإذا لم يقدم مبررات لما حصل عليه (من أموال) تتم إحالته للجهات القضائية المختصة”.
ويعتبر بن يحيى أن “الوقت غير مناسب لطرح المبادرة لأن ملايين الدولارات متداولة في السوق الموازية (حسب الرئاسة 90 مليار دولار)”.
ويشير إلى أن ما وصفه “بالاكتناز المنزلي يصعّب مراقبة ثراء الموظفين لأن السلطات لا تعلم في الغالب بما يحوزه من أموال وممتلكات”. وعلق بن يحيى قائلاً: “لا بد من دراسة جدية ومفصلة لكيفية مراقبة ثراء الموظفين الحكوميين”.
ويعتبر بن يحيى أن “محاربة فساد وثراء الموظفين الحكوميين غير الشرعي مرتبط أيضاً بسياسة أجور عمومية ضعيفة، وإجراءات بيروقراطية مقعدة وثقيلة وغلاء المعيشة وتدني قيمة العملة المحلية واستشراء الفساد في الفترة السابقة، وهي أمور تصعب من العملية”.
ويحذر المحلل الاقتصادي من “إمكانية ظهور عمليات تصفية الحسابات خصوصاً عقب إنشاء هذه الهيئة من طرف الأثرياء ضد آخرين (لم يسمهم)، ولذلك وجب الحذر الشديد في عمل الهيئة”.
المصدر/ الوقت