التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, أكتوبر 9, 2024

تهريب النُطف من داخل سجون الاحتلال.. أحدث معركة إنسانية لصناعة الحياة 

قال مدير مركز الأسرى للدراسات، رأفت حمدونة، إن “104 أطفال من أبناء الأسرى، أُنجبوا عبر عمليات تهريب النطف من سجون الاحتلال الإسرائيلي”.

وأكد حمدونة في تصريح مكتوب، اليوم السبت، أن عمليات الإنجاب، عبر تهريب النُطف من داخل السجون، “تدل على أحدث معركة إنسانية مستجدة لصناعة الحياة”.

وبيّن أن العملية “التي بدأت بفكرة، وانتهت بحقيقة رغم كل قيود الاحتلال، اعتمدت على حرب الأدمغة بين الأسرى والسجّان، قوامها التطلع للحياة وامتلاك سلاح الأمل”.

وأشار حمدونة إلى “الممارسات والقيود والوسائل الأمنية الإسرائيلية، أخفقت في كسر إرادة الأسرى وحرمانهم من حقوقهم بالإنجاب، وتحقيق غريزة الأبوّة مثل باقي البشر”.

وأوضح أن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة سجلت أول انتصار في إنجاب الأطفال عن طريق النطف المهربة في 13 أغسطس/ آب 2012، وكان أول سفير للحرية “الطفل مهند”، ابن الأسير عمار الزبن، المحكوم بـ”27 مؤبداً و25 عاماً”.

ولكن كثيرات من زوجات الأسيرات وجدن صعوبات بتقبل عائلاتهن أو عائلات أزواجهن، وهو ما حاول الأسرى منذ بداية التفكير بالفكرة العمل على تجاوزه كما يقول الباحث في شؤون الأسرى فؤاد الخفش، وهو الأسير المحرر الذي واكب بداية التفكير والتنفيذ.

يروي الخفش عن البدايات في العام 2004، عندما طرح الأسير القسامي عباس السيد الفكرة على أسرى سجن “شطة”، والتي أثارت في حينها زوبعة من النقاشات التي كانت تمتد لساعات طويلة.

خلص خلالها الأسرى إلى أن المطلوب تقبل عائلي ورأي ديني وحاضنة اجتماعية، وهو ما عمل عليه الأسرى من خلال التواصل في حينه من شيخين أصدرا فتاوى بجواز ذلك بشروط.

مفتى فلسطين سابقا، وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، أول من أفتى بشكل رسمي بجواز الإنجاب من خلال النطف المهربة. ولكن بوجود ضوابط صارمة، وهي أن يكون على يد طبيب ثقة ومتابعة من قبل محامٍ وشهود من طرف الزوج والزوجة.

وقال الشيخ صبري “نحن مطمئنون لهذه الطريقة السليمة والتي تمنح الأسرى فرصة الإنجاب وأن يكون لهم أطفال، وحتى لو اعتقلوا لسنوات طويلة”.

وأستند الشيخ صبري بهذه الفتوى على أن التلقيح الصناعي يجوز في الإسلام في الحالات التي لا يستطيع الزوجان الإنجاب بطريقة عادية، وقياسا على ذلك فالأسير من يحقه أن يجري عملية تلقيح، واشترطنا الشهود لرفع الشبهة حتى لا يقال كيف حملت زوج الأسير وهو بعيد عنها”.

يقول الخفش “منذ بداية طرح الفكرة وحتى ولادة أول سفراء الحرية خاض الأسرى نقاشات ذهبت لأبعد حد، أدق التفاصيل أخذت بعين الاعتبار، ولم يتركوا شيئا للصدفة”.

يتم تهريب النطف من خلال أنابيب الدم والبول الموجودة بعيادات السجن، والتي يمكن أن تبقى النطف صالحة فيها لـ24 ساعة. وفي البداية كان إخفاؤها في الأغراض التي يخرجها الأسير لأهله من كانتين السجن ( شوكولاتة وأكياس الشيبس وغيرها). وبعد منع مصلحة السجون الأسرى من ذلك ابتدع الأسرى طرقا أكثر تعقيدا.

ومن الطرق الأخرى أن يتم تهريبها من خلال أسير سيفرج عنه، يتم اختياره بعناية من الأسرى، بأن يكون من الأسرى الموثوق بهم، وبوجود شهود من داخل السجن، “الأسير يكون كمن يحمل روح أسير آخر أمانة لأهله في الخارج”.

وبالتوازي يكون إعلام عائلتي الأسير وزوجته بموعد ومكان الإفراج عنه، ولا يقوم الأسير المحرر بالحديث مع أي أحد أو العودة لمنزله قبل أن يقوم بتسليم العينة للشخص المحدد لاستقبالها من العائلتين.

ثم يتم نقل العينة إلى المركز الطبي بوجود الزوجة، وحال وصولها يتم تسجيلها بوجود شهود من غير العائلتين، وفحصها مباشرة، “العملية معقدة جدا ويتم التعامل معها بحساسية عالية جدا من الأسرى والعائلات”.

هذه الدقة والحرص في نقل العينة جعلت أهالي الأسرى ومحيطهم يثقون بصحتها بالكامل، وهو ردهم على فيلم “أميرة” الذي تناول قضية “النطف المهربة” وشكك بنسب هؤلاء الأطفال، من خلال تناول قصة فتاة ولدت من نطفة أسير مهربة تكتشف أنها ابنة ضابط إسرائيلي.

لا يعتبر تهريب الأسرى للنطف تحديًا للسجان، أو انتصارات محدودة تتمثل باستقرارهم الاجتماعي مع أسرهم فحسب، إنما يمثل انتزاعًا لسيطرة المستعمر على سياسات الموت والحياة التي يدير فيها الأجساد المستعمرة، فيسلب منها الحياة متى يشاء، ويحدد من يموت، وكيف يموت، ومتى يموت. ومن داخل زنازين السجون، حيث يخضع المستعمَر الفلسطيني لشكل جديد من الموت بفصله عن حياته الإنسانية الطبيعية، ويجمد استمراريتها وتفاعلاتها الاجتماعية المختلفة، يقرر الأسير استعادة حقه في إدارة حياته، ليحفر عبر النطف المهربة سياسات حياة جديدة له ولأسرته.

الفلسطينيون متفائلون بالمستقبل وما يزالون يدافعون عن فلسطينية هذه الأرض، ولكي يبقون هذا المثل الأعلى حياً ، يلدون أطفالًا فلسطينيين في أصعب الظروف، فالشعب المفعم بهذا الأمل الكبير من الحفاظ على أرضه لن يهزم أبداً.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق