التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

أسرار وتفاصيل زيارة الرئيس الجزائريّ إلى مصر 

زيارة جزائريّة لمصر على مستوى دبلوماسيّ عال، تجسدت بزيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لنظيره المصريّ عبدالفتاح السيسي، حيث تحدثت وسائل الإعلام في البلدين عن حراك مكثف بين الطرفين، عكس بحسب وصفهم عمق العلاقات التاريخية و الأخوية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، تمحور حول سبل تعزيز التعاون الثنائيّ والتنسيق والتشاور في القضايا المشتركة، فيما طغت بعض الملفات على الأخرى بقصر الاتحادية الرئاسيّ بالعاصمة القاهرة بحسب ما تقول الوقائع.

عمل عربيّ مشترك

ضجت وسائل الإعلام بالزيارة الجزائريّة لمصر، وعجّت المواقع الإخباريّة بالتحليلات والتنبؤات، في الحديث عن توسع المحادثات بين البلدين في مجالات عدة، كالتعليم العالي و البحث العلمي و الثقافة و الشراكة في بعض المشاريع وتبادل الخبرات في مجال المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة و مسائل أخرى تتعلق بالتعاون الدبلوماسيّ وبتبادل الزيارات و التنسيق المستمر، فيما شهد اليوم الثاني من المحادثات، مؤتمراً صحفية مشتركاً أكد الرئيسان خلاله على ضرورة العمل على حفظ المكانة اللائقة التي يحتلها البلدان على الصعيد العربيّ و الإفريقيّ والواجهة الجنوبية للبحر المتوسط.

ووفقاً لما تشير إليه الأحداث فإنّ مباحثات تبون والسيسي ركزت على ملفات بعينها كالقمة العربية المقبلة في الجزائر والأزمة المعقدة في جارتهما ليبيا وجهود تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، واختتمت زيارة الرئيس الجزائري التي دامت ليومين، وشهدت توافقات في الرؤى حول ملفات سياسيّة مختلفة، لكن الاتفاقيات الاقتصادية التي تطغى عادة على مثل هكذا لقاءات، تأجلت تحت مبررات الدراسة الأعمق.

وعلى الرغم من أن الزيارة لم تشهد توقيع أيّ اتفاقية اقتصادية، إلا أنّها وصفت بالاستثنائيّة باعتبارها جاءت بدعوة من السيسي، ووصفها تبون بأنّها “زيارة عمل وأخوة”، في توقيت حساس بالنسبة للجزائر التي تتأهب لاستضافة الدورة الحادية والثلاثين لما تُسمى “جامعة الدول العربية”، وخاصة أنّ الأخيرة حازت على الدعم المصريّ الكامل لاحتضان القمة، في ظل الأثر السلبيّ للجامعة العربيّة في القضايا الحساسة، وتحولها بالمال الخليجيّ إلى عراب للتدمير والقتل والتجويع والتطبيع في أكثر من دولة عربيّة، لتمرير صفقات التقسيم والتفتيت التي تهدف إلى محو السياسات المخالفة لبعض الانبطاحيين العرب وبالأخص في منطقة الخليج.

وإنّ الترحيب المصريّ الكبير باستضافة الجزائر للقمة العربية، وإعراب القاهرة عن ثقتها في نجاح الجزائر باستضافة أعمال القمة بالشكل الأمثل، باعتبارها محطة مهمة في توحيد الرؤى العربية إزاء مختلف القضايا، وتعزيز أطر التعاون والتنسيق بين الدول العربية، وهي مهمة شديدة الصعوبة بعد أن تحولت جامعة الدول العربيّة لسنوات طويلة إلى “حجر أصم” وباتت فيه الأراضي العربيّة للأسف، مرتعاً للمؤامرات والتقسيمات والأطماع والحروب، حيث أعطت بمواقفها الرخيصة والمهينة “ضوءاً أخضراً” لبعض العواصم العربية والإدارة الأمريكيّة والصهاينة، لتمزيق أراضي العرب وقتلهم كُرمى عيون بعض الملوك والأمراء.

“أرضية مشتركة للانطلاق في عمل عربي مشترك بروح جديدة”، هذا ما تسعى إليه الجزائر بالتعاون مع مصر في القمة التي لم تنعقد منذ 2019، من خلال تكثيف التنسيق خلال الفترة المقبلة لتفعيل آليات العمل العربي المشترك في إطار جامعة تغيب عنها دولها المؤسسة كسوريا واليمن النازفين، إضافة إلى أنّها لم تأبه يوماً في دعم قتل الأبرياء في العالم العربيّ بشتى الطرق، بل فتحت باب الموت والتدمير على مصراعيه بأمر من صغار السياسة العرب، لتصبح باعتراف العرب أنفسهم أداة طيعة في يد بعض الحكومات التي أحدثت صراعات ودمار كبيرين على التراب العربيّ.

وباعتبار أنّ جامعة الدول العربيّة تأسست في 22 مارس/ آذار 1945، للدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، إضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، تضع الجزائر تحقيق مصالحة عربيّة شاملة أو لم الشمل العربي كأبرز عنوان لهذه القمة التي يشكل انعقادها واحداً من أبرز التحديات، وكثفت تحركاتها في الفترة الأخيرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من التوافقات لإنجاح هذا الحدث الهام في توقيته وتفاصيله المعقدة، والدليل تكلف تبون وزير خارجيته بزيارة دول عربيّة عدة وهي السعودية والإمارات ومصر وقطر.

وبثت التحركات الجزائرية أملاً وإن كان بسيطاً في الشارع العربيّ بما يخص الجامعة التي تنازلت عن أدنى معايير احترام الذات، وأصبحت قناعة الجميع تتمثل في أنّ جامعة الدول العربية يوم من الأيام أحلام الشعب العربيّ ولا تطلعاته، وأفرغت الساحة أمام بعض الدول العميلة التي تتبع أساليب شراء الضمائر، للانخراط في عملية صناعة القرار داخل هذه المؤسسة وجعله رهينة بيدها فقط، مستفيدة من أموالها ونفطها، ما جرد الجامعة من مكانتها التي أُسست من أجلها لتتحول إلى أداة طيعة لإضفاء الشرعيّة على القرارات الهدامة في المنطقة العربيّة.

الحرب في ليبيا

الأزمة الليبية هي ثاني أبرز الملفات التي كانت حاضرة على طاولة المحادثات، لأنّ البلدين يتقاسمان حدوداً واسعة مع هذه الدولة التي أنهكتها الحروب والصراعات بسبب غناها بالنفط، وبالاستناد إلى ما صرح به الجانبين حول هذا الموضوع، يضع نقاطاً مشتركة بارزة بينهما بشأن دعم إجراء انتخابات رئاسية ليبيّة ونيابية إضافة إلى المطالبة بخروج القوات الأجنبية، بعد ما يقارب الـ7 سنوات من حرب المصالح المستعرة هناك، وتعثر المسار السياسيّ رغم ادعاء احتضانه من غالبية القوى المؤثرة الإقليميّة والدوليّة، ووصول حالة الانقسام والصراعات السياسيّة الداخليّة والدوليّة وما يرتبط بها على الساحة العسكريّة إلى حد خطر للغاية.

ويعد هذا الملف حساساً للغاية، جراء الخلافات العميقة بين المؤسسات الرسمية في ليبيا، ولاسيما فيما يتعلق بالقانون الانتخابي، حيث تعذر إجراء انتخابات رئاسية كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وفق خارطة طريق ترعاها منظمة الأمم المتحدة، نتيجة لازدياد أعداد اللاعبين الدوليين غير الآبهين بأرواح أبناء هذا البلد، وازدياد حجم المأساة بسبب عدم الرغبة الدوليّة أولاً والداخليّة المرتبطة بالخارج ثانياً للتوصل إلى حل ينقذ البلاد من وحل الحرب، ناهيك عن التسابق المحموم من قبل عدة دول للتوصل لصفقات وتسهيلات للاستثمار وحجز مكان لبلدانهم في سوق إعادة الإعمار.

ولأنّ “الانتخابات العامة” تُشكل حجر الزاوية في قضية الحل السلميّ الليبيّ، الذي مزقته الصراعات والحروب بالوكالة على مدى سنوات طوال، يحظى هذا الموضوع باعتمام جزائريّ – مصريّ، فيما يأمل الليبيون أن تساهم في إنهاء النزاع في بلادهم، بالتزامن مع معركة “تكسير العظم” بين الأطراف كافة لفرض الشروط على الطرف الآخر، إضافة إلى تأثير التدخلات الخارجيّة على هذه الأرض العامرة بخيرات النفط، لتحقيق أطماعهم وغاياتهم القذرة، في ظل غياب الإرادة الدوليّة الجادة لإنقاذ ليبيا من الحرب الطاحنة التي بدأت منذ العام 2014.

ملف المصالحة الفلسطينيّة

لا يخفى على أحد أنّ الرئيس تبون دعا للمصالحة وسعى باتجاه تنفيذها، لتغليب هذا الملف على كل الملفات الأخرى، من أجل تحدي الاحتلال الغاصب ومقاومة التهويد والضم والاستيطان المستمر، إيماناً بضرورة إعادة ترتيب الصفوف في ظل ما يدور في المنطقة من استهداف لوجود الفلسطينيين بأكملهم وقضيتهم، وقد حظيت المبادرات التي تحدّث عنها الرئيس الجزائري بترحيب كبير من كافة الأطراف والفصائل الفلسطينية، حيث يجمع الفلسطينيون على أنّ الجزائر تقف دائماً إلى جانب القضية الفلسطينية.

والدليل على ماذُكر هو أنّه قبيل زيارة تبون لمصر، بدأ وصول أول وفود الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر، لمباشرة التحضير لمؤتمر جامع تعتزم تنظيمه، ضمن دعم مساعٍ لتحقيق المصالحة الفلسطينية، لأنّه لا يمكن أن يواجهوا بأيّ شكل من الأشكال التحديات والمخاطر التي تواجه فلسطين، والمتمثلة بـ “صفعة القرن” الرامية إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الشعب الفلسطينيّ وتاريخه، حيث تنادي الجزائر بوحدة وشراكة حقيقية من خلال الاتفاق على استراتيجيّة وطنيّة يعيدون فيها بناء مؤسساتهم، ويطلقون يد المقاومة ليدفع الاحتلال الصهيونيّ.

ومن الجدير بالذكر أنّ العلاقات بين السلطة الفلسطينيّة والعدو الصهيونيّ الباغي، أصبحت عقبة في وجه حالة الإجماع الوطنيّ الرافضة للتسوية والمفاوضات، فيما تحاول تل أبيب بكل ما أوتيت من قوّة خلق أمر واقع على الأرض لإقامة الدولة العنصريّة المزعومة على أراضي الفلسطينيين، بيد أنّ الفصائل الفلسطينيّة تؤكّد باستمرار وضوح منهجهم التفاوضيّ في أيّ مباحثات، ويرتكزون في ذلك على مصلحةَ الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، لإنهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية ناظمة للعلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، ولطبيعة المواجهة مع سالبي الأرض وسارقي التاريخ وقاتلي الأبرياء.

وإنّ سر الخلاف يكمن في رفض الفصائل التنازل عن حقهم المشروع في المقاومة بصورة أساسيّة، وتعلن أنّها ضد التسوية السياسية، وضد الاعتراف بالعدو الصهيونيّ القاتل، وضد التنسيق الأمنيّ بين فتح والعدو، والذي يشكل ضربة لأيّ شراكة عمل وطنيّ في عمقه ويناقض التفاهمات الداخليّة، انطلاقاً من أنّ الأمة تُسلب إرادتها وتنهب ثرواتها ليصبح الكيان الصهيونيّ سيداً في المنطقة، والدليل أنّ تل أبيب مستمرة في غيها وتغول كيانها من خلال منهجها العدوانيّ في أكثر من ملف.

وما ينبغي ذكره أنّ مصر تُعد أحد أكبر اللاعبين العرب في الساحة الفلسطينيّة، حيث احتضنت القاهرة لقاءات عديدة للفصائل الفلسطينيّة ضمن جهود تحقيق المصالحة، دون أن تُجسد على أرض الواقع، ولم تبد أي انزعاج من الدور الجزائريّ الجديد حيال هذه القضية العربيّة الهامة، بل على العكس تبادل السيسي وتبون الثناء على “الجهود المخلصة التي يبذلها كل طرف في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية”، في ظل انقسام سياسيّ وجغرافيّ كبيرين منذ العام 2007، حيث تسيطر حركة “حماس” على قطاع غزة، في حين تُدار الضفة الغربيّة المحتلة من جانب السلطة الفلسطينية التي شكلتها حركة “فتح” برئاسة محمود عباس.

ملف الاتحاد الافريقيّ

في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها الجزائر في مختلف المحافل لطرد العدو الصهيونيّ من الاتحاد الأفريقيّ، جاءت زيارة تبون قبل أيام من انعقاد القمة السنويّة للاتحاد في العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا يوم 9 فبراير/شباط المقبل، حيث شدد الرئيسان على دعم الاتحاد الأفريقيّ لتحقيق الاندماج القاريّ الاقتصاديّ، ولعل من أبرز نقاط المباحثات المشتركة، هو موضوع إعطاء الصهاينة المحتلين صفة عضو مراقب داخل المنظمة الهامة.

وفي الأشهر القليلة الماضية، قادت الجزائر ومصر جهودا قارية لإبطال هذا القرار “الإداريّ” الذي يهدد المنظومة القارية بالانقسام، لهذا شكلت الجزائر طاقماً أفريقيّاً لرفض قرار الزج بـ”إسرائيل” في الاتحاد حفاظاً على مبادئه ودعم فلسطين، وهي: (جنوب أفريقيا، وتونس، وإريتريا، والسنغال، وتنزانيا، والنيجر، وجزر القمر، والغابون، ونيجيريا، وزمبابوي، وليبيريا، ومالي، والسيشل) وباركت هذه الدول أي خطوة تتخذها الجزائر ضد تل أبيب، تبع ذلك زيارة جزائريّة لدول أفريقية شملت تونس، ومصر، وإثيوبيا، والسودان، بهدف “محاصرة” المدّ الصهيونيّ في مؤسسات الاتحاد الأفريقي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق