التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

سيناريوهات الاستراتيجية العسكرية التركية في العراق 

رغم أن أهم قضية في المشهد السياسي العراقي خلال السنوات القليلة الماضية كانت وجود قوات الاحتلال الأمريكية ، إلا أن الجيش التركي وسع وجوده العسكري كقوة محتلة على نطاق واسع.

وأدى ذلك إلى مواجهة الوجود العسكري التركي كضرورة وطنية من قبل الرأي العام والسياسيين العراقيين بعد معالجة موضوع إخراج الوجود العسكري الأمريكي. وفي السياق ذاته، أفادت مصادر إخبارية عراقية في 3 شباط / فبراير 2022 عن إطلاق عدة صواريخ على قاعدة “زيليكان”، قاعدة الجيش التركي في شمال العراق. ووقعت الهجمات مساء 1 تشرين الثاني/نوفمبر عندما شن سلاح الجو التركي هجوما بذريعة استهداف عناصر إرهابية من حزب العمال الكردستاني على سلسلة جبال “مخمور” بمحافظة نينوى (شمال العراق).

وردًا على الهجوم، رد أبو آلاء الولائي، أمين عام كتائب سيد الشهداء في العراق، على الفور على حسابه في تويتر في 2 تشرين الثاني / نوفمبر بالقول: الجار السيئ -تركيا -يدخل اعماق العراق براحة كاملة وبدون رادع ومن دون موقف حكومي. “حكومة دفنت رأسها في التراب في مواجهة الهجمات المتكررة [على البلاد]”.

وفي أعقاب التصريحات في 3 شباط / فبراير، قُتل أو جرح ثلاثة جنود أتراك في هجوم صاروخي على قاعدة تركية في الموصل، بحسب قناة صابرين نيوز. وشنت تركيا عدة عمليات عسكرية منذ أبريل الماضي بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبحديثها عن بسهولة عن احتمال وقوع هجوم على منطقة سنجار غربي محافظة نينوى، فإن حدوث موجة جديدة من الضغط من قبل جماعات المقاومة ضد العدوان التركي والتي تحظى بتشجيع ودعم الرأي العام محتملة جدا.

استمرار الاحتلال التركي وصمت كبير من قبل بغداد واربيل

وتأتي الهجمات التركية على شمال العراق إضافة إلى وجود القوات التركية في محافظة الموصل بذريعة مكافحة الإرهاب في وقت وضعت تركيا بشكل علني ومكثف إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي العراقية على جدول الأعمال. ومع ذلك، التزمت الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق الصمت الكبير في مواجهة هذه الهجمات. بشكل اولي، رأينا أردوغان في السنوات القليلة الماضية يحاول السيطرة على جزء كبير من محافظة الموصل في العراق باعتماد عقيدة العثمانية الجديدة في المنطقة. وفي هذا الصدد، فقد انتهكت السيادة الإقليمية للعراق بذرائع مختلفة منها حجة وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

ومع ذلك، لا توجد معلومات وإحصاءات دقيقة عن القواعد التركية والعدد الدقيق للقوات التركية في العراق لكن دون شك يمكن اعتبار أهم قاعدة تركية هي تلك الموجودة في منطقة بعشيقة شرقي محافظة نينوى. ويقع معسكر بعشيقة في مصيف مدينة بعشيقة على مسافة 22 كيلومترًا شمال الموصل على عمق 100 كيلومتر في العراق. كما تشير التقارير إلى أن عدد القواعد العسكرية التركية في إقليم كردستان العراق يصل إلى أكثر من 19، بينها 15 قاعدة عسكرية وأربع قواعد استخباراتية أخرى. في المجموع، تشير التقارير إلى أن العدد الإجمالي للقوات التركية في العراق يتراوح بين 2500 و3000، يتمركز معظمهم في ست قواعد عسكرية دائمة. شنت تركيا في العامين الماضيين عمليتين عسكريتين الاولى يوم 15 يونيو 2020، عملية “مخلب النسر”، ونفذت في 17 حزيران / يونيو 2020 عملية مخلب النمر، وفي 23 نيسان / أبريل 202 عملية مخلب البرق وشوكة الرعد في مناطق شمال العراق. على الصعيد الثاني، تسبب الصمت الغريب للحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان في رد فعل سلبي كبير من المواطنين العراقيين. لا شك أن غزو تركيا للعراق أمر يجب أن توليه حكومة مصطفى الكاظمي مزيدًا من الاهتمام والاحتجاج، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وأدى هذا الحادث إلى احتجاجات من قبل المواطنين والعديد من التيارات السياسية، لكن الأهم من بغداد هو التعاون الرائع والصمت من قبل أربيل، بقيادة بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. يرى الرأي العام الكردي في هذا الصمت نوعًا من التواطؤ بين بارزاني وأنقرة ضد حزب العمال الكردستاني، بينما استخدمت تركيا تهديد حزب العمال الكردستاني فقط كأداة لتنفيذ خططها لاحتلال في العراق وسوريا ودفعها إلى الأمام.

تركيا وذرائعها غير المشروعة بمحاربة الإرهاب

يمكن اعتبار ادعاءات تركيا بشأن محاربة الإرهاب والهجوم على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ادعاءً كاذباً وغير مشروع.

النقطة المهمة في البداية هي أنه وفقاً لمعايير القانون الدولي، فإن احترام سيادة دولة مستقلة مثل العراق أمر طبيعي. لذلك فإن نشاط المقاتلات والقوات العسكرية التركية على أراضي العراق غير مشروع وغير مبرر وفق القانون بأي ذريعة دون الحصول على إذن من بغداد.

على المستوى الثاني، لا يمكن اعتبار شعار محاربة حزب العمال الكردستاني إلا ذريعة لدوافع تركيا العدوانية باحتلال اراضي العراق. بالنظر إلى انتشار القوات التركية في أجزاء مختلفة من العراق، يتضح أن جزءًا كبيرًا من القواعد التركية يقع في مناطق لا يوجد فيها وجود نشط لمجموعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. على سبيل المثال، لا يمكن للوجود التركي في منطقة بعشيقة بالموصل القيام بأي عمل فيما يتعلق بمحاربة حزب العمال الكردستاني. حتى حجة أنقرة حول محاربة داعش في المنطقة لا يمكن أن تكون صحيحة؛ لأن الحكومة العراقية مسؤولة من جهة عن مواجهة تحركات داعش ضمن سيادتها، ومن جهة أخرى، في عام 2018، أعلنت الحكومة العراقية رسمياً الانتصار على داعش وتدمير خلافة أبو بكر البغدادي المزعومة، ولا داعي للعب دور الأُم الحنون من قبل أردوغان والحكومة التركية.

على صعيد آخر، أعلنت تركيا حقها المشروع في الرد على التهديدات على الأراضي العراقية. الآن يمكن للعراق أن يقدم نفس الادعاء نظرًا لوجود التتمة الرئيسية لحزب العمال الكردستاني على الأراضي التركية، فيمكنه انتهاك السيادة الإقليمية التركية متى شاء ومهاجمة عناصر حزب العمال الكردستاني. السؤال الآن هو ما إذا كانت تركيا تقبل مثل هذا السيناريو أو الحجة. حقيقة الأمر أن حزب العمال الكردستاني ليس فقط جماعة إرهابية بالنسبة لتركيا، ولكن الحكومة العراقية تعتبره أيضًا تهديدًا أمنيًا له وجود غير قانوني في البلاد. وبهذه التفسيرات، من الأفضل الآن لأردوغان أن يعترف بحقيقة أن القوات الجوية العراقية تستطيع دخول أراضي البلاد في أي وقت، بحسب التفسير الذي قدمته أنقرة، لاعتراض عناصر هذه المجموعة.

السيناريوهان المتوقعان للجيش التركي في العراق

الحقيقة التي لا جدال فيها حول العمليات العسكرية التركية على الأراضي العراقية هي أن تاريخ انتهاء صلاحية أنقرة قد انتهى تمامًا. والمطلب العام للمواطنين العراقيين هو أن تغادر القوات التركية المحتلة البلاد. الآن، في ظل الوضع الراهن، خاصة بعد تنفيذ تهديدات فصائل المقاومة العراقية ضد الوجود العسكري للبلاد، يمكننا الحديث عن سيناريوهين متوقعين لتركيا. السيناريو الأول يقوم على أساس استمرار الاستراتيجية الحالية، أي استمرار الاحتلال والوجود العسكري الشامل في العراق، الأمر الذي سيكون له بالتأكيد عواقب وخيمة على تركيا.

ما لا شك فيه أن فصائل المقاومة، كما في السنوات السابقة، لم تستسلم للمحتلين الأمريكيين، الذين كانوا أكثر قوة وتأثيرًا من تركيا، والآن لن يكونوا اقل استعداداً في مواجهة المحتلين الأجانب الاتراك. لذلك، يمكن توقع استمرار الهجمات الصاروخية وسقوط قتلى وخسائر فادحة في صفوف القوات التركية في قواعد مختلفة في المستقبل. ومما لا شك فيه أيضا أن استمرار النهج التركي الحالي يثير احتمال تصعيد التوترات مع فصائل المقاومة العراقية ومصير الولايات المتحدة، مما يخلق موجة سلبية في الرأي العام العربي ويحد من القوة الناعمة لتركيا في العالم الإسلامي ويؤثر سلبًا على العلاقات مع إيران.

لكن السيناريو الثاني لأنقرة هو أنها ستنسحب بشكل عاجل من موقعها الحالي في العراق في الأشهر القليلة المقبلة قبل أن تواجه مصيرًا مشابهًا للولايات المتحدة. قد يكون هذا النهج نتيجة البصيرة والعقلانية وإظهار حسن الجوار من قبل أنقرة لبغداد، ويمهد الطريق لتحسين العلاقات بين الجانبين. لن يكون ذلك غير مؤثر على الأمن القومي لتركيا فحسب، بل قد يمهد الطريق أيضًا لزيادة التعاون الأمني ​​بين البلدين في مواجهة تحركات جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق