“الضفة الغربية” على صفيح ساخن.. والسلطة الفلسطينيّة عنوان عريض لمأساة فلسطين
لا يخفى على أحد أنّ الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة تتصاعد يوماً بعد آخر بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967، حيث تعيش المنطقة أوضاعاً متوترة للغاية وعمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال عقب الجريمة الاغتيال البشعة التي ارتكبها جيش العدو مؤخراً بحق ثلاثة شبان فلسطينيين ينتمون لحركة “فتح” في مدينة نابلس، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أغلب المحللون أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ التي بات ملموساً على كافة المستويات الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة.
إجرامٌ غير مسبوق
مع كل عدوان جديد تنفذه العصابات الصهيونيّة القاتلة، يحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، وكأن الصهاينة وآلتهم العسكريّة يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، باعتبار أنّ المقاومون هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل الباغي.
“جريمة إعدام ميدانيّ وحشية وبشعة” هكذا وصفت السلطة الفلسطينيّة التي يرأسها محمود عباس الحادثة، بعد أن نعت حركة “فتح” الشبان الثلاثة المحسوبين على جناحها العسكريّ “شهداء الأقصى”، بعد أن أصبحت كالعدو عيناً في العدوان على الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية التي ذاقت الويلات من جرائم الأجهزة الفلسطينيّة المتعاونة أمنياً مع “إسرائيل”، لضرب أي انتفاضة للمقاومين، وهذا ما بات يزعج سكان الضفة بشدّة ويزيد من غضبهم العارم تجاه السلطة الخانعة لعدوهم.
والدليل على ذلك، أنّه وبمجرد الإعلان عن استشهاد المقاومين الثلاثة، هاجم مقاومون آخرون بالرصاص قوة للاحتلال قرب حاجز مستوطنة “دوتان” المقامة على أراضي قرية يعبد، كما ذكرت وسائل إعلام فلسطينيّة إن مقاومين آخرين أطلقوا النار من مركبة مسرعة تجاه جنود الاحتلال قرب قرية “كفر قود” غرب جنين، قبل أن ينسحبوا من المكان بسلام، وقد أعلنت وسائل إعلام عبريّة عن إصابة مستوطن بعد إلقاء جسم معدني تجاهه قرب مستوطنة “شيلو” شمال رام الله، فيما اندلعت مواجهات عنيفة مع العصابات الصهيويّة على أكثر من محور في الضفة، بينها مخيم قلنديا وبلدة بيتا ومخيم الفوار غضباً بعد اغتيال المقاومين الثلاثة.
وفي الوقت الذي أدان فيه الفلسطينيون العملية الإسرائيليّة الإجراميّة وشيعوا بغضب شهدائهم الذين اغيلوا بعملية دمويّة عقب اعتراض سيارتهم وتصفيتهم، باعتبارها “عملية إعدام واغتيال” و”إعدام”، تستمر الحسابات الإسرائيليّة الخاطئة بامتياز في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها سنشاهدها في الأيام القادمة لا محالة، مع إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحالي وفقاً لكثيرين، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، وإنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية أصبح قريباً أكثر مما يتخيل الأعداء، بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكافة أنواع التعاون مع تل أبيب.
وتسير العملية الأخيرة ببساطة إلى عدم استعداد العدو الصهيونيّ لأدنى تغيير في منهجه وحتى تصريحاته الفارغة التي تزعم “تحقيق العدالة” من خلال الإعدامات الميدانية البشعة، وقد أثقبت حكومة العدو مسامعنا بأنّها ستضاعف المراقبة وهي جاهزة لإفشال ما تزعم أنّه “إرهاب” و”إرهابيون” في الضفة الغربيّة الرازحة تحت نير إجرامها، حيث أثبتت عملية تصفية الشبان الثلاثة (أشرف المبسلط وأدهم مبروك ومحمد الدخيل) مدى الحقد الإسرائيليّ الأعمى على هذا الشعب، وكشفت مجدداً حقيقة العدو الاستبداديّ الذي فرضه المستعمرون على المنطقة والعالم.
وتأتي تلك الأنباء، عقب سلسلة من الهجمات وعمليات الهدم في القدس والضفة الغربية في الفترة الأخيرة، وفي ظل تَواصل الاستيطان الصهيونيّ الذي يعتبره المجتمع الدوليّ غير قانونيّ في عهد كل الحكومات الإسرائيليّة منذ عام 1967، فيما تنقسم الحكومة الائتلافية للعدو حول مسألة العنف المفرط الذي يرتكبه مستوطنون يهود بحق أبناء فلسطين، باعتبار أنّ الضفة الغربيّة المحتلة مرهونة بقرارات السلطة الفلسطينيّة المتعاونة مع العدو الإرهابيّ، وقد وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبداً، حيث إنّ التاريخ والواقع يثبتان بأنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة، والدليل على ذلك هو قتل الفلسطينيين بشكل مباشر وبمختلف الطرق دون أيّ رادع قانونيّ أو إنسانيّ أو أخلاقيّ.
وتشهد الضفة الغربية التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، مواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية بشكل منتظم، حيث تنفذ قوات العدو بين الحين والآخر اقتحامات تحت مبرر “اعتقال مطلوبين”، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، بالإضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يعترف المجتمع الدوليّ بأنّها “غير قانونية”.
إدانة وخيانة
“إدانة هزيلة وخيانة عظيمة”، عبارة تُلخص حال السلطة الفلسطينيّة التي خذلت شعبها، وما الفائدة من أن تصف وزارة الخارجية الفلسطينية الحادثة بأنها “جريمة إعدام ميدانيّ وحشية وبشعة” وهي السبب الأول والأخير لتصاعد العنف بحق الأبرياء في الضفة الغربية المحتلة، حيث إنّ تعاونها الصادم مع القيادات الأمنيّة الصهيونيّة، يودي بحياة المدنيين الفلسطينيين بشكل مروع، وإنّ ازادياد جرائم الإسرائيليين في إطلاق النار على الفلسطينيين وتسببهم باستشهاد كثيرين، لم يدفع محمود عباس لاتخاذ أيّ إجراء لقطع اليد العدوانيّة للمحتل الذي رحب بتلك العملية وتفاخر بها.
“ندين بأشد العبارات جريمة الإعدام الميداني الوحشية البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال”، اسألوا الفلسطينيين كم مؤة سمعوا هذه الجملة من السلطة، التي ترفع تصرفاتها الطائشة مع الوقت احتماليّة تصعيد المواجهة ضدها وضد الكيان الغاشم، في ظل ارتفاع حدة الإعدامات والاغتيالات والاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لصالح المستوطنين في القدس والضفة التي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن، فيما تدعو فصائل المقاومة الإسلاميّة بشكل مستمر أبناء الشعب الفلسطينيّ في الضفة والقدس والداخل المحتل إلى إشعال الأرض الفلسطينيّة المحتلة تحت أقدام جنود الاحتلال رداً وثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، لأنّ قوات الاحتلال لا تكف عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم.
والمثير للسخرية أنّ السلطة الفلسطينيّة حمّلت حكومة العدو برئاسة نفتالي بينيت فقط المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الجريمة البشعة وطالبت بتحقيق دولي في الجريمة المروعة التي ارتكبها جنود الاحتلال، في الوقت الذي تمنع فيه إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، بغض النظر عن الرد الفرديّ على هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، رغم أنّ الضفة المحتلة ترسل رسالئل متوصلة بأنّها ستكون دائماً وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ ولن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، حيث إنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون بالفعل مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
ولا يخفى على أحد أنّ الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ “العنصريّ” دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الفصائل الفلسطينيّة أدانت بشدّة العدوان الإسرائيليّ الغادر، مؤكّدة أنّها ستشعل كل نقطة يتواجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنيه، وأنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة مضيفسن أنّ “دماء شهداء نابلس ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً”، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من “بلادهم”، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
نتيجة لكل ما ذُكر، يعلم الفلسطينيون وفصائل المقاومة باستثناء السلطة الفلسطينيّة أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، والمسبب الأوحد لتلك الحوادث والجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة بنظرهم هو الخنوع الكامل من قبل حركة فتح التي ستشهد مع حليفتها تل أبيب بلا شك وقوع “ثورة غضب عارمة” بالقريب العاجل، لأنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كافة الوسائل.
المصدر/ الوقت