التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

معادلات المنطقة والعالم قبل الثورة الإسلامية الإيرانية وبعدها 

لمزيد من المعرفة حول تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على عملية المقاومة في المنطقة، وكذلك التغيير في الأدبيات السياسية العالمية، يجب دراسة التطورات في المنطقة والعالم قبل وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية بعناية، مع تقييم المكونات المهمة والمؤثرة في انتصار الثورة الإيرانية، وطبيعتها وكيفية تشكيلها.

ثورةٌ كانت لها سمة مختلفة عن الثورات الأخرى في العالم، وأدت هذه السمة إلى خلق جبهات كثيفة وعدد كبير من الأزمات والضغوط السياسية والحصار الاقتصادي وإدارة الأزمات. وانعكس تفسير قلق الغرب من اندلاع الثورة الإيرانية في طابعها الإسلامي، وكذلك الاهتمام بالجنسية، فضلاً عن رزمتها القيمة ومحتواها الأيديولوجي.

لم يكن فهم هذا التهديد صعبًا على الغرب حتی يفاجأ به، لكن تسارع تشكيل وتأثير الثورة الإيرانية في العملية السياسية والمقاومة في المنطقة، حرم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الغربية القدرة علی أي تقييم.

وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن تشكل الثورة الإيرانية تهديدًا خطيرًا للهيكل التنظيمي للکيان الإسرائيلي وكذلك للمصالح الغربية في المنطقة والعالم، فقد كان يُعتقد أن قوتها وزخمها ونفوذها يمكن أن يتضاءل على عدة مراحل.

من سيناريو الحرب العسكرية إلى الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية، إلى جانب محاولة تغيير عقيدة المواطن الإيراني وتغيير المفاهيم والوقائع الميدانية التي يتم تحديدها في الغالب في مراكز الفكر لوسائل الإعلام الغربية، تم تصميمها وتنفيذها کأداة لتقليل زخم الثورة الإيرانية.

من خلال النظر إلى الوضع السياسي والجغرافي للمنطقة، يمكننا فهم عمق تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية. قبل الثورة الإيرانية، كان هناك وضع غير مستقر ومقلق بين الجماعات والفصائل المناضلة والساعية للحرية في المنطقة(فلسطين ولبنان) والدول العربية.

إن النتيجة الوحيدة لمجرد الاعتماد على القومية العربية وعدم وجود نموذج ناجح في النضال ضد الکيان الصهيوني، كانت الهزائم المتتالية في حروب 1973-1967 واحتلال أجزاء مهمة واستراتيجية من الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين.

وبلغ الإحباط ذروته عندما تقدم الإسرائيليون إلى وسط بيروت عام 1982 دون أي مقاومة، وقيل إنه لو كان هناك معرفة بعدم المقاومة لجلبوا معهم فرقة موسيقی بدلاً من الجيش!!

والمجموعات التي تشكلت في فلسطين بأسماء الديمقراطية والقومية والعرقية العربية، زادت من إحباط الفلسطينيين والعرب فقط. خاصةً أنه عندما تحركت مصر، كقائدة للعالم العربي، نحو توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتسوية الكاملة مع الکيان الإسرائيلي، نشأ الانطباع بأن القضية الفلسطينية أوشكت على الانتهاء.

ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي كان من المقرر أن تحارب إسرائيل، تم تخفيض مكانتها إلى شريك تفاوضي مع تل أبيب، وأطلقت رصاصة الرحمة علی القضية الفلسطينية بتوقيع اتفاقيات أوسلو. وعلى الرغم من كل اتفاقات التسوية مع الكيان الصهيوني، رغم أنها كانت لصالح الکيان، إلا أن الحد الأدنی من التنازلات التي وُعد بها لم يتحقق.

أصبحت إسرائيل أسطورةً لا تقهر أمام العرب والجيوش العربية، واتجه القادة العرب إلى الولايات المتحدة وإسرائيل لضمان قوتهم السياسية واستقرارهم. هنا وجدت الشعوب العربية والإسلامية نفسها وحيدةً في مواجهة الجرائم الإسرائيلية والخيانة والتسوية من قبل القادة الذين يزعمون العروبة.

کما أصبحت السلطة الفلسطينية بكل ادعاءاتها قوة شرطة إسرائيلية لقمع المقاومة الفلسطينية. ومع تسارع التسويات مع إسرائيل، كذلك تسارعت الإبادة الجماعية وجرائم تل أبيب، والشيء الوحيد الذي فعله زعماء الدول العربية أو الإسلامية هو الإدلاء ببيانات تنديد وتشكيل لجان لتقصي الحقائق!!

ولم ير الکيان الإسرائيلي أي عقبات أمامه لارتكاب المزيد من جرائم الحرب، رغم أن لديه أيضًا حوافز بريطانية وعربية لمواصلة هذه العملية. والعالم العربي قد سئم كل هذه التبعية والخيانة من قادته، الذين ما زالوا فخورين بعروبة فلسطين ويطالبون بتحريرها.

وفي مثل هذه الظروف، انتصرت الثورة الإيرانية؛ ثورةٌ جلبت معها في جوهرها مفاهيم عقائدية قيمة والنضال العملي والإسلام السياسي. وكانت خارطة الطريق الخاصة بها واضحة واستراتيجية وبعيدة كل البعد عن التكتيكات السياسية والشاملة، وتم تحديد أولويتها حتى قبل الانتصار. وحوَّلت فلسطين من صراع عربي إلى أولوية إسلامية، وأصبحت أرضيةً مشتركةً بين الأمتين العربية والإسلامية.

وبالنتيجة، تشكلت معادلة مقاومة جديدة نظرت إلى النضال بكل أبعاده العملية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، فتحولت المقاومة من الحجارة إلى صواريخ تستهدف عمق الأمن الإسرائيلي.

کما انهارت أسطورة إسرائيل التي لا تقهر، ونمت القوة الرادعة للمقاومة إلى حد المعادلة الفعالة. فانهارت المعادلات العسكرية والسياسية، وتشكلت معادلة جديدة تسمى خطاب المقاومة.

والإسرائيليون، الذين أتوا إلى وسط بيروت عام 1982، حوصروا داخل عمقهم الأمني هذه المرة في عام 2006، وهزموا من قبل مجموعة صغيرة. وقد تكررت هذه الهزيمة في غزة عام 2008 في حرب استمرت 51 يوماً و 11 يوماً.

ورغم أن هذه المؤثرات والمتغيرات استندت إلى قضية فلسطين والنضال ضد الکيان الصهيوني، إلا أنها تجلت أيضًا في التطورات اللاحقة في سوريا والعراق واليمن. لكن القاسم المشترك بين كل هذه الجبهات هو الغرب والکيان الصهيوني. ومن اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، يمكننا رؤية آثار هذا الخطاب في تحقيق الشعوب لنموذج جديد.

بشكل عام، وخاصةً بعد عام 2006، حدث تغيير عام في العملية السياسية والميدانية في المنطقة. كما أن إنشاء نماذج بديلة لمواجهة الثورة الإيرانية، مثل نموذج الإسلام التركي أو الإخواني، أو ظهور نسخ مزيفة مثل القاعدة وداعش، لا يمكن أن يقلل من فعالية الثورة الإيرانية.

وبالتوازي مع المؤامرات الأجنبية، كانت الضغوط الداخلية على إيران تتزايد حتى تتمكن من منع هذا التسارع المتزايد وعلى الأقل القضاء على نفوذ إيران الإقليمي. وبالإضافة إلى هذه التدابير، كان نهج وسائل الإعلام هو تشويه الحقائق وتغيير وتشويه سمعة ومكونات قوة جمهورية إيران الإسلامية.

وفي كل عملية سياسية وإنجاز ميداني وعلمي تقريبًا، تم استخدام هذه العملية الإعلامية لتجاهل کون الثورة الإيرانية نموذجاً. وكان الشغل الشاغل لمعسكر التسوية، هو تحويل الثورة الإيرانية إلى خطاب مهيمن ومنتصر.

ورغم أن صعود داعش وتقويته وإدارته كمجموعة إرهابية مدربة وغنية، كان من أجل احتواء الثورة الإيرانية وخلق نموذج جديد ضدها، لكن وقائع الثورة الإيرانية وتأثيرها أدت إلى خلق نماذج جديدة للنضال في العراق وسوريا ولبنان.

کذلك، تم تشكيل حزب الله في لبنان؛ وبدأت فصائل المقاومة في فلسطين بصفة إسلامية نضالاً عملياً ضد الكيان الصهيوني. وفي العراق، تشكل الحشد الشعبي وتطور؛ وفي اليمن أيضًا، تم إنشاء أنصار الله كمعادلة جديدة ضد التحالف السعودي.

كانت هذه هي النسخ والأنماط التي كان الغرب قلقاً من ظهورها وتطورها، وأنها قد غيّرت الآن الجغرافيا السياسية للمنطقة. کما تشكلت دائرة مقاومة في المنطقة، امتدت من اليمن إلى فلسطين.

ولولا هذا التأثير لابتلع داعش اليوم، الذي أراد تأسيس دولة إسلامية في سوريا والعراق، جزءًا كبيرًا من أوروبا والعالم بنهجه المجنون والمتطرف.

کما دخلت المقاومة والصمود الأدبيات السياسية للشعوب؛ والشعوب العربية والإسلامية التي كانت تعتمد في السابق على القومية العربية فقط، ولم تجد سوى الهزيمة والإذلال، تتمتع الآن بقدرة مساومة وتوازن سياسي وعسكري، من خلال الاعتماد على تعاليم خطاب المقاومة الإسلامية.

ولذلك، من البديهي أن قلق المعسكر الغربي من اندلاع الثورة الإيرانية كان واضحًا وطبيعيًا وصحيحًا. ثورةٌ، بالمعنى الكامل للكلمة، أحدثت ثورةً وتحولًا في جميع المجالات، وما زالت تتحرك بطريقة متسارعة وخارطة طريق عالمية في مجال السياسة الميدانية والاجتماعية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق