أربعة أبعاد لأهمية قرار المحكمة الاتحادية بتنحية زيباري من الترشح لرئاسة العراق
وسط التوترات المتزايدة والأزمات السياسية في العراق، أدى حكم محكمة فيدرالية هذه الأيام إلى تعقيد مستقبل السياسة والحكم في العراق أكثر من أي وقت مضى. في الواقع، كانت البلاد تواجه أزمة فراغ قانوني بعد أن فشل البرلمان العراقي في الانعقاد لانتخاب رئيس جديد في 7 و8 تشرين الثاني (نوفمبر).
قررت المحكمة الاتحادية العراقية في جلستها اليوم -الأحد- بقرار هام من جهة تمديد ولاية رئاسة برهم صالح حتى انتخاب الرئيس الجديد لقصر السلام، من ناحية أخرى، وفي النظر في الدعوى المرفوعة ضد ترشيح هوشيار زيباري لرئاسة هذا البلد، قررت المحكمة عدم صلاحيته للترشيح. والسؤال الان الى اي مدى يعتبر القرار الاخير للمحكمة الاتحادية العراقية بشأن التنحية الواعية لزيباري مهما وما هي اثاره على مستقبل الحكم في العراق؟ فيما يتعلق بأبعاد أهمية وتأثيرات هذا الحدث، يمكن ذكر أربعة محاور مهمة.
1- إضعاف التحالفات الأربعة للصدر والبرزاني والحلبوسي والخنجر
يشكل تنحية هوشيار زيباري عن الترشيح للرئاسة وهو مرشح من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي صفعة كبيرة لائتلاف الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلافي تقدم وعزم. اعتقد التحالف في البداية أنه بعد اجتماع 29 كانون الأول (ديسمبر) 2021 الذي تم فيه انتخاب رئيس مجلس النواب ونوابه، يمكنهم بسهولة ترشيح الرئيس الذي رشحه مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي، ثم رئيس الوزراء، الذي سيتم تعيينه من قبل مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري رئيسا لمجلس الوزراء. إلا أن حكم المحكمة الاتحادية العراقية بشأن المادة 70 من الدستور بشأن عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس جديد في 3 شباط / فبراير 2022، وجه ضربة أولى للتحالف. وبحسب المحكمة الاتحادية العراقية، فإن “مجلس النواب سينتخب رئيساً جديداً بأغلبية الثلثين. كما أن العدد القانوني للنواب الحاضرين في البرلمان لانتخاب رئيس جديد سيكون على الأقل ثلثي العدد الإجمالي للنواب في البرلمان. يعني هذا التفسير بشكل صريح أنه سيُطلب من 220 على الأقل من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس جديد. وهذا يعني أن تيار المعارضة في الائتلاف يمكن أن يعرقل بسهولة الطريق إلى الأمام لانتخاب الرئيس. في الوقت الحالي، يعتبر التصويت الأخير على استبعاد هوشيار زيباري بمثابة ضربة كبيرة أخرى أضعفت التحالف.
2- عملية تشكيل الحكومة الجديدة أصبحت أكثر صعوبة
على المستوى الثاني، أدى القرار الأخير للمحكمة الفيدرالية العراقية إلى تعقيد مشهد السياسة والحكم في العراق أكثر من أي وقت مضى. ويأتي القرار بعد أن أوقفت المحكمة الاتحادية العراقية ترشيح زيباري، وبذلك لم يستطع الصدر والبارزاني والحلبوسي والخنجر تمرير رئاسة زيبارى في جلسة مجلس النواب في 7 تشرين الثاني / نوفمبر. في الوضع الحالي، جعل حكم المحكمة الفيدرالية الجديد عملية صنع القرار في هذا الائتلاف أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى؛ لأنه، على الأقل، توقفت المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة حتى يتم اتخاذ قرار بشأن الرئاسة. التأخير ذاته قد يجعل تشكيل حكومة جديدة أكثر صعوبة من أي وقت مضى، ومن المرجح أن تشهد عملية حكم العراق حالة تعليق كما كان الحال بعد الانتخابات البرلمانية 2010، مع تعليق تشكيل الحكومة لعدة مرات لشهور.
3- احتمال تقارب متزايد بين إطار التنسيق الشيعي ومقتدى الصدر
في الفترة التي سبقت آخر حكمين للمحكمة الفيدرالية العراقية، تصور الصدر انه يمكن تشكيل حكومة أغلبية من التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وائتلاف “الحاكم” المكون من ائتلافي تقدم وعزم، بدون إطار تنسيقي وقيادة البلد، لكنه الآن يواجه حقيقة أن البيت الشيعي لديه، من ناحية، القدرة على كسر قواعد اللعبة رغماً عنه، ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون حلفاؤه موثوقين كما ينبغي وربما يكونون كذلك. نتيجة لهذه العملية، تشير جميع الأدلة والإشارات الآن إلى أن مقتدى الصدر اتخذ مسارًا أقرب إلى إطار التنسيق الشيعي لحل الخلافات. مما لا شك فيه أن رغبة مقتدى في عقد لقاء مع قيادات الإطار التنسيقي في الآونة الأخيرة متجذرة في الاتجاه الأخير. لأنها تقبل حقيقة عدم وجود مخرج من عدم التعاون مع البيت الشيعي.
4- تصاعد التوترات بين الاحزاب الكردية حول رئاسة قصر السلام
على المستوى الرابع، يمكن استخدام قرار البرلمان الأخير كعامل لتصعيد التوتر بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني. قبل كل شيء، من المهم أن نلاحظ أنه في كل السنوات منذ عام 2005، عندما تم تشكيل أول حكومة وطنية عراقية، تم منح الأكراد الرئاسة وفقًا للتقاليد السياسية. في عامي 2006 و2010، انتخب جلال طالباني رئيسا لقصر السلام دون أي عقبات جدية، وفق اتفاق استراتيجي بين الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي لكردستان العراق. في عام 2014 بحسب الاتفاق بين الحزبين، تم تعيين فؤاد معصوم في المنصب، لكن في عام 2018، بعد وفاة الطالباني، حدث صراع كبير بين الجانبين بعد جدل سياسي كبير، وتمكن برهم صالح أخيرًا من الفوز بأغلبية الأصوات في التصويت البرلماني بفارق قليل عن فؤاد حسين ممثل الحزب الديمقراطي. لكن في أعقاب انتخابات 10 أكتوبر / تشرين الأول 2021، دخل الحزبان الديمقراطي الكردستاني العراقي بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني في صراعات كبرى حول انتخاب الرئيس العراقي. فمن جهة، يصر حزب الاتحاد الوطني على إعادة انتخاب برهم صالح، وفي الوقت نفسه رشح لطيف رشيد نفسه من هذا الحزب. من جهة أخرى أصر الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي على ترشيح هوشيار زيباري وعم مسعود بارزاني ووزير الخارجية والمالية العراقي الأسبق لرئاسة قصر السلام.
مجموع هذه العوامل الآن ستؤدي إلى اختيار بديل لهوشيار زيباري من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأصبحت مسألة ما إذا كان الحزب الديمقراطي سينتخب شخصًا جديدًا أو الموافقة في نهاية المطاف على إعادة انتخاب برهم صالح للاستمرار كرئيس لقصر السلام مسألة مهمة. كما تم طرح فرضيات مثل قرار الحزب الديمقراطي بانتخاب نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، إلى البرلمان العراقي لمنصب الرئاسة. وتشير فرضيات أخرى إلى رضا الحزب الديمقراطي عن رئاسة فؤاد معصوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي.
المصدر/ الوقت