الشراكة الأمنية بين تركيا والإمارات… وعد عملي أم مجاملة سياسية
أجرت تركيا في العام الماضي تغييرات كبيرة في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى، ولا سيما المنطقة العربية، وكان من أبرز مظاهر ذلك السعي لتحسين العلاقات مع الدول الخليجية.
خلال السنوات التي أعقبت بدء تأثير التطورات الثورية بعد عام 2011 في العالم العربي، توترت العلاقات بين تركيا، التي تزعم أنها تقود جبهة الإخوان في المنطقة، والكتلة المناهضة للإخوان في الخليج الفارسي، المتمركزة في الإمارات والسعودية، بسبب التنافس الجيوسياسي في الجغرافيا العربية والإسلامية.
وقد استمرت هذه العلاقات الباردة حتى بداية العام الحالي، حتى أعلن أردوغان في ذلك الوقت: “نسعى لزيادة الصداقات وتقليل العداوات في الفترة المقبلة”؛ وكانت هذه هي بداية تحركات أنقرة الدبلوماسية لتهدئة التوترات مع هذه الدول، أو حتى مع الکيان الصهيوني.
لا شك في أنه لو كان هناك تصنيف للمواجهات والخلافات السياسية بين الدول المنافسة لترکيا في الفترة التي سبقت العام الماضي، لكانت الإمارات تعتبر العدو الرئيسي للإخوان وأردوغان.
بحيث كانت المواجهة بين البلدين في قضايا مهمة مثل الأزمة الليبية، وقضية السودان، وأزمة حصار قطر عام 2017، والإطاحة بمحمد مرسي في مصر، وحتى التحضير لانقلاب فاشل ضد أردوغان نفسه في عام 2016، واضحة تماماً.
لکن الآن، وبعد التحول إلى إحياء العلاقات مع الدول الخليجية، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا وانخفاض قيمة الليرة والتضخم المتفشي، غادر أردوغان إلى الإمارات على أمل النجاة من المستنقع الاقتصادي، بمساعدة الأعداء السابقين والأصدقاء الحاليين، وحتى للإعلان عن النسيان التام للماضي، فقد أدلى بتصريحات غير متوقعة لدعم أمن الإمارات ومجلس التعاون.
وفي هذا السياق، قال أردوغان على تويتر أمس(الثلاثاء 17 فبراير)، عقب زيارته لأبو ظبي: “نحن ندعم أمن الإمارات واستقرارها، ولا نفرق بين أمننا وأمن منطقة الخليج الفارسي”.
ترجع أهمية هذه التصريحات في الوقت الحالي في الغالب، إلى الهجمات الانتقامية لليمنيين بطائرات بدون طيار وصواريخ في عمق أراضي الإمارات وقبل ذلك السعودية، وعجز هذه الدول ويأسها من كيفية صد هذه الهجمات، أو إجبار صنعاء على وقف الهجمات.
دعم أنقرة الأمني لشيوخ الخليج الفارسي؛ شعار أم وعد عملي؟
المسألة الأولى التي يجب أخذها في الاعتبار بشأن تصريحات أردوغان حول دعم أمن الدول الخليجية، وخاصةً الإمارات الآن، هي مسألة إمكانية تحقيق مثل هذا الشعار بناءً على الحقائق السياسية في علاقات تركيا مع هذه المجموعة، إلى جانب قدرات تركيا وقيودها.
تركيا هي إحدى الدول التي انضمت إلى القوى العالمية القليلة التي ساهمت في أمن الخليج الفارسي، بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في قطر عام 2016 ووجود 3000 جندي تركي فيها.
أدى رد فعل السعودية والإمارات على الوجود العسكري لتركيا كخصم إقليمي، بدلاً من خلق الأمن والاستقرار، إلى زيادة التوترات في شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى أزمة حصار قطر واشتراط إغلاق القاعدة العسكرية التركية.
وقد أدى هذا الأمر بشكل غير مباشر إلى اعتماد دول مثل قطر أو عُمان والكويت بشكل أكبر على دعم أنقرة. ففي عام 2017، نمت العلاقات الأمنية والدفاعية بين الكويت وتركيا بسرعة، ووقع الجانبان خطة دفاع مشتركة في عام 2019 تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري. ويُنظر إلى هذه الاتفاقية على أنها تحول كبير في العلاقات العسكرية بين البلدين.
وفي عام 2018 أيضًا، شهدت صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية والطيران إلى عمان زيادةً كبيرةً. وبمساعدة عقد سلطنة عمان مع شرکة “أف أن أس أس” الترکية لصناعات الدفاعية، أصبحت واحدةً من أكبر مستوردي منتجات أنقرة الدفاعية.
ووفقًا لبيانات اتحاد المصدرين الأتراك(TİM)، زادت صادرات تركيا الدفاعية إلى سلطنة عمان من 13 مليون دولار في عام 2017 إلى حوالي 153 مليون دولار في عام 2018.
وأدى هذا الاتجاه في الواقع إلى انقسام مجلس التعاون، وتقليص هيمنة التحالف السعودي الإماراتي على سياسات المجلس. حتى أن الإماراتيين لم يقصروا استياءهم على دور أنقرة في منطقة الخليج الفارسي، بل امتدّ ازدرائهم للتدخل العسكري التركي في سوريا، الجار الجنوبي لأنقرة.
حيث أنه في يناير الماضي، كشف مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش أن الموقف الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة، هو معارضة جهود تركيا لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وهو ما يتماشى مع الجهود المكثفة التي تبذلها السعودية والإمارات لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
في الواقع، في السنوات الأخيرة، لعبت التغييرات في مفهوم التهديد والتوجه الأمني للعديد من دول مجلس التعاون، دورًا مهمًا في تشكيل علاقات الدول الخليجية مع تركيا.
على سبيل المثال، حقيقة أن الإمارات والبحرين قد اتخذتا خطوات لتهدئة علاقاتهما مع سوريا(كجزء من محور المقاومة في المنطقة)، وفي الوقت نفسه لم تکونا سعيدتين برفع الحصار عن قطر، تشير إلى كيفية تقييم البلدين للتهديدات التي تتعرض لها بيئتهما.
كما أن السعوديين أيضًا مترددون في قدوم الأتراك إلى المنطقة، بناءً على نفس الموقف الذي يعتبر زيادة التواجد والتحالفات العسكرية لترکيا الإخوانية في مجلس التعاون تهديداً، ويسعون لتقليص المشاكل والأزمات في علاقاتهم الخارجية، وفي مقدمتها ملف الحرب اليمنية، ويبدو أنهم يريدون استغلال تركيا لتقوية جبهة معارضي صنعاء، حتى على حساب التقارب مع العدو السابق.
في غضون ذلك، تُعدّ قضية اليمن نافذةً لأنقرة للتقارب السياسي، وكسب رأي وثقة دولتي السعودية والإمارات لمزيد من الاستثمار الاقتصادي وكسب الامتيازات، وليست رغبةً حقيقيةً في الدخول في مستنقع إحدى أهم القضايا الإقليمية ذات الأبعاد البشرية المروعة.
إختلال التوازن في السياسة الخارجية التركية
بالتزامن مع التحولات في السياسة الخارجية لخلق مساحة للتنفس والخروج من الدائرة الواسعة لتهديد المنافسين في السنوات السابقة، نتيجة المشاركة النشطة في الأزمات المختلفة في المنطقة، من آسيا الوسطى والقوقاز إلى غرب آسيا والقرن الأفريقي؛ في المقابل، حاولت تركيا عدم تقويض موقفها وتحالفاتها الإقليمية والدولية.
على سبيل المثال، في حين أن أحد الجوانب المهمة لتغيير نهج السياسة الإقليمية لتركيا كان رغبتها في خفض التصعيد وتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، أكدت أنقرة دائمًا أن تحسين العلاقات مع تل أبيب لن يؤثر على دعم تركيا للجماعات والفصائل الفلسطينية.
من ناحية أخرى، غني عن القول إن الانعطاف المفاجئ لأنقرة، على سبيل المثال في محور الإمارات والسعودية ومصر، يضعف التيارات الإخوانية في المنطقة العربية من حيث استمرار دعم أنقرة.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إنه من خلال اتباع سياسة الدفاع عن جرائم المعتدين في اليمن، وتحفيز الجانب السعودي-الإماراتي سياسيًا على مواصلة حربه غير المثمرة والإجرامية، يعمل أردوغان على جعل التوازن المنشود في السياسة الخارجية مستحيلاً أکثر فأکثر، ويضعف مكانة تركيا في المنطقة وفي العالم الإسلامي.
المصدر/ الوقت