فلسطين في ميدان الرياضة… لعبة الشرف والکرامة
مع بداية عملية تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والکيان الصهيوني عقب اتفاقيات عام 2020، إضافة إلى القضايا السياسية والاقتصادية، أصبحت الأحداث الثقافية والرياضية المتعلقة بهذه القضية أكثر جديةً في الرأي العام في العالم الاسلامي.
كان الکيان الصهيوني منذ تأسيسه معزولًا ومحظورًا دائمًا، باعتباره كيانًا سياسيًا مزيفًا ومحتلًا ومزروعاً من قبل الإمبريالية في جغرافيا العالم الإسلامي.
إن غالبية المسلمين والدول الإسلامية، دعماً لحقوق شعب فلسطين المظلوم وهوية القبلة الأولى للشريعة الإسلامية، رفضوا تعديات ومؤامرات الصهيونية العالمية لتغيير هوية هذا المكان الإسلامي المقدس؛ وأحد المظاهر الرئيسية والشهيرة والدائمة لرفض قبول شرعية الکيان يرتبط بالمجالات الثقافية والرياضية.
على سبيل المثال، في كل عام، يرفض الرياضيون المسلمون في مختلف المسابقات الدولية في مختلف التخصصات مواجهة خصومهم الصهاينة، وبالتالي يدينون من خلال ذلك الظلم الصهيوني التاريخي للشعب الفلسطيني.
لكن بعد إعلان تطبيع العلاقات مع الصهاينة من قبل بعض الحكومات العربية مثل البحرين والإمارات والسودان، وكذلك استعداد بعض الدول الإسلامية الأخرى كالسعودية للتحرك في هذا الاتجاه، كان من المتوقع أن يقبل بعض الرياضيين من هذه الدول بإمكانية المشاركة في المنافسة مع الرياضيين الصهاينة.
وقد وقع هذا الحدث في الأيام القليلة الماضية؛ بحيث إنه في خطوة تعكس بالكامل دعم الرياض للتطبيع وتمهيد الطريق لدخول هذه الساحة، واجهت رياضية سعودية تدعى “يارا الحقباني” منافستها الإسرائيلية “ريني نيكيشوف” في الجولة الثامنة من بطولة نيروبي الدولية للتنس.
والشيء المثير للاهتمام في هذا الإجراء الذي قامت به الرياضية السعودية، هو الحجة التي قدمتها لتبرير تصرفها، بحيث لا يُعتبر خيانةً للشعب الفلسطيني ويشجع في الوقت نفسه على تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
حيث قالت في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية إن “كلمة الانسحاب ليست موجودةً في قاموس الرياضيين إطلاقاً، لأنها تعني الخوف من المواجهة؛ ولذا قررت عدم التنازل عن المواجهة مع أي لاعب”.
الترويج لسياسات الحكومة من خلال الرياضة والسينما
وراء هذه الحجة المغلوطة، أولاً وقبل كل شيء، السياسة الرئيسية للحكومة السعودية في التعامل مع قضية توقيع اتفاقية التطبيع من قبل الإمارات والبحرين كأعضاء آخرين في مجلس التعاون.
السعوديون، الذين يعتبرون أنفسهم داعمي الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يستشهدون بذلك كسبب لعدم الانضمام إلى عملية التطبيع، لكن في الوقت نفسه، لم يكتفوا بالكشف عن علاقاتهم السرية مع الصهاينة، بل قاموا أيضًا بالترويج بشكل فعال لدعم التطبيع من خلال إجراءات مثل ترخيص عبور الطائرات الإسرائيلية فوق شبه الجزيرة.
ولذلك، فإن ما قامت به الرياضية السعودية والحجة التي قدمتها، يتماشى بالتأكيد مع السياسات الرسمية للحكومة السعودية في مجال الرياضة.
ويمكن تتبع مظهر آخر لهذه السياسة التي تنتهجها الحكومة السعودية في القطاع الثقافي أيضًا. على سبيل المثال، في الأيام الأخيرة، وبينما تم حظر عرض فيلم “الموت على ضفاف النيل” في العديد من الدول العربية مثل لبنان والكويت بسبب دور الممثلة الإسرائيلية “غال غادوت” فيه، عرض السعوديون هذا الفيلم في دور السينما التي افتتحت حديثًا في بلادهم.
يشار إلی أن حكومتي الكويت ولبنان قررتا حظر بث فيلم “الموت على ضفاف النيل”، تلبيةً لطلبات المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي. حيث دعا مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي إلى حظر عرض الفيلم، التي شارکت فيه غادوت، لأنها أشادت بالجيش الإسرائيلي وانتقدت حماس خلال حرب غزة 2014.
باسم فلسطين، ولکن لمصلحة الصهيونية
لكن القضية الأخرى التي يمكن ملاحظتها في حجة الرياضية السعودية، هي تبرير الخيانة الصارخة لحق الشعب الفلسطيني وتحرير القدس، تحت ستار عدم الخوف أو الانتصار على الرياضيين الصهاينة.
في الواقع، تسعى مثل هذه التصريحات للقول إن العمل المشرف والبطولي للرياضيين في غض الطرف عن الميداليات واكتساب الألقاب والشهرة والثروة، للتعبير عن الاشمئزاز من الفصل العنصري الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، هو خوف الرياضيين من الفشل!
لإثبات سخافة هذه الحجة، يكفي القول إن مقاطعة المسابقات الرياضية أو المهرجانات الثقافية، احتجاجاً على السياسات التمييزية والقمع ضد جماعة أو أمة، لها تاريخ طويل وحالات مماثلة كثيرة على الساحة الدولية؛ وهذه التصريحات هي فقط الاختباء وراء تبرير غير واقعي للهروب من الانتقادات بسبب الاستسلام لسياسات الحكومة السعودية والإقدام علی إجراء مخجل وخائن.
لا شك أن دخول ميدان المنافسة مع الرياضيين الصهاينة، بغض النظر عن نتيجة المنافسة، هو في مصلحة الكيان الصهيوني بالكامل، كما أنه عندما يرفض رياضي ما التنافس مع الصهاينة، فإنه يجلب السعادة والرضا للشعب الفلسطيني والرأي العام في العالم الإسلامي.
المصدر/ الوقت