التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

تغيير توازن الرعب بين حزب الله وتل أبيب… الإسرائيليون واجهوا ما کانوا يخشونه 

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، حلقت طائرة “مرصاد 1” دون طيار لأول مرة فوق فلسطين المحتلة، وعادت بأمان إلى قاعدتها في لبنان. وكانت هذه أول رحلة لطائرة مسيرة تابعة للمقاومة في سماء الأراضي المحتلة، رداً على الانتهاكات المتكررة للسيادة اللبنانية.

في الواقع، كان وصول هذه الطائرة دون طيار إلى فلسطين المحتلة بدايةً لمرحلة جديدة من المفاجآت للکيان الصهيوني، وبشَّر أنه في المستقبل القريب، بعد الصواريخ الدقيقة، ستكون طائرات حزب الله دون طيار هي التي ستغير معادلة الصراع مع الکيان الصهيوني.

بداية مرحلة جديدة من مفاجآت حزب الله للمحتلين

على مدى العقدين الماضيين، أكملت المقاومة اللبنانية “استراتيجية المفاجئة” ضد الکيان الإسرائيلي، ويمكن رؤية هذه الاستراتيجية في كل الميادين البرية والبحرية والجوية.

وکان آخرها تسلل طائرة “حسان” المسيرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط ارتباك الصهاينة وعدم قدرتهم على إسقاطها. وقد أظهرت هذه الحادثة أنه إضافة إلى الأرض، لم تعد سماء الأراضي المحتلة آمنةً للصهاينة أيضًا.

في عدة مراحل من المواجهة المباشرة للمقاومة مع الكيان الصهيوني، كانت استراتيجية حزب الله في مفاجأة العدو واضحةً المعالم، وأكثرها وضوحاً تصنَّف على النحو التالي:

– نفَّذ “أحمد قصير” العملية الاستشهادية الأولى لحزب الله عام 1982 ضد المقر العسكري للکيان الإسرائيلي في منطقة صور، ما أسفر عن مقتل العشرات من الضباط والجنود الصهاينة.

– في عام 1986، تمكنت المقاومة ولأول مرة في عملية بقيادة الشهيد “سمير مطوط”، من أسر جنديين صهيونيين في منطقة كونين.

– في عام 1987، شنت المقاومة اللبنانية أولى عملياتها البحرية التي استهدفت السفينة الحربية الإسرائيلية “ديفورا” قبالة سواحل عدلون، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الجنود الصهاينة وإلحاق أضرار ببدن السفينة.

– في عام 1992، وبعد اشتباكات بين حزب الله والکيان الصهيوني عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله آنذاك السيد عباس الموسوي، استخدمت المقاومة صواريخ الكاتيوشا لأول مرة كسلاح رادع.

– في عام 1997، أسفرت عملية المقاومة في منطقة الأنصارية عن مقتل 13 عنصراً من الوحدة الخاصة التابعة للکيان الصهيوني.

مفاجآت حزب الله ضد الکيان الإسرائيلي في مجال الردع

في عام 2005، أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أن عدد صواريخ المقاومة وصل إلى أكثر من 12 ألفًا، والتي يمكن أن تستهدف منشآت إسرائيلية حيوية في شمال فلسطين المحتلة.

وبعد حرب تموز (يوليو) 2006، أعلن حزب الله أن لديه أكثر من 20 ألف صاروخ، ومنذ ذلك الحين لم يصدر أي بيان رسمي بشأن العدد الدقيق لصواريخ حزب الله.

لكن الصهاينة، الذين يعيشون على الدوام كابوس صواريخ حزب الله، يقدّرون عدد صواريخ المقاومة بمئات الآلاف. بحيث أنه في أي حرب مقبلة، سيتم إطلاق ما لا يقل عن 3000 صاروخ يوميًا على فلسطين المحتلة.

وفي عام 2010، رسم السيد حسن نصر الله معادلة “مباني الضاحية مقابل مباني تل أبيب” و”مطار رفيق الحريري مقابل مطار بن غوريون”. هذه المعادلة تعني معادلة “العين بالعين”؛ أي إذا استهدف الصهاينة أي جزء من لبنان، فسوف يتلقون رداً مماثلاً داخل الأراضي المحتلة.

وفي 2011، دعا الأمين العام لحزب الله مقاتلي المقاومة إلى الاستعداد لأي حرب مستقبلية، لأن قيادة المقاومة في هذه الحرب قد تأمر بالسيطرة على منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة.

وهددت المقاومة عام 2016 باستهداف مستودعات الأمونيا في ميناء حيفا، ما أجبر الکيان الصهيوني على إغلاقها بعد 30 عامًا.

وفي عام 2017، حذر السيد حسن نصر الله الکيان الصهيوني من تفكيك مفاعل ديمونة النووي قبل استهدافه. وفي عام 2018، أعلن الأمين العام لحزب الله رسميًا أن المقاومة حصلت علی الصواريخ الدقيقة.

وفي عام 2020، دخلت طائرة استطلاع دون طيار للمقاومة سماء فلسطين المحتلة، وصورت مناورات الکيان العسكرية دون أن تتمكن إسرائيل من اعتراضها، وعادت بسلام إلى لبنان.

وفي عام 2022، إضافة إلى الإعلان عن إنتاج طائرات دون طيار متطورة وتحويل صواريخ بسيطة إلى صواريخ دقيقة منذ سنوات، وكذلك تفعيل الدفاع الجوي لحزب الله ضد الکيان الصهيوني، حذر السيد حسن نصر الله من قيام المقاومة بتنفيذ عملية “أنصارية 2” إذا تحرك الکيان للعثور على ترسانة حزب الله الصاروخية.

تغيير ميزان القوى بين حزب الله والکيان الإسرائيلي من وجهة نظر الخبراء الصهاينة

في غضون ذلك، تتواصل انعكاسات اختراق طائرة حزب الله دون طيار سماء فلسطين المحتلة البالغ عمقها 70 كيلومترًا، على المستويين الرسمي والإعلامي للکيان الصهيوني.

وفي هذا الصدد، فإن معظم الأسئلة التي تطرحها مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني ​​الإسرائيلية، تتعلق بدور وموقع الطائرات دون طيار في معادلات الصراع الجديدة في المنطقة، ولا سيما في ظل التقدم الكبير الذي أحرزه حزب الله في لبنان في مجال إنتاج واستخدام الطائرات المسيرة، فضلًا عن الضربات التي وجهتها حركة أنصار الله اليمنية لتحالف العدوان السعودي-الأمريكي-الإماراتي.

إن حقيقة أن الدوائر الرسمية في الكيان الصهيوني تحاول التزام الصمت تجاه عملية حزب الله اللبناني بطائرة بدون طيار، تظهر أنها تدرك خطورة تحذيرات المقاومة والوضع الحرج للإسرائيليين ومحدودية الخيارات المطروحة أمامهم.

على أي حال، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الكيان الصهيوني قد أدرك ما كان يخشى. في الواقع، إن تحليق طائرات حزب الله دون طيار في سماء فلسطين المحتلة، هو ترجمة عملية للخوف الذي اعترف به المسؤولون الصهاينة مرارًا وتكرارًا؛ خوفٌ من طائرات حزب الله المتطورة بلا طيار وانعكاساتها على ميزان القوى في المنطقة.

وتشير المعطيات إلى أن من أهم أهداف حزب الله في تنفيذ هذه العملية المتقدمة، تعزيز معادلة ردع المقاومة وإرسال هذا التحذير إلى الکيان الصهيوني بضرورة التصرف بحكمة وعقلانية أكبر في اختيار خياراته ضد المقاومة.

وكانت صحيفة هآرتس الناطقة بالعبرية قد ذكرت في مقال لها في تموز/يوليو الماضي: “إيران تقف في وجه تفوق سلاح الجو الإسرائيلي في مجال الطائرات دون طيار، والجيش الإسرائيلي قلق من أن تصل قدرة إيران هذه إلى حلفائها في المنطقة”.

بعد ذلك، وبعد انكشاف تقدم محور المقاومة في مجال إنتاج واستخدام الطائرات المسيرة، ازدادت مخاوف إسرائيل. وقبل فصائل المقاومة الأخرى، كان الشغل الشاغل للصهاينة يتعلق بالقدرة الكبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال الطائرات دون طيار.

وفي هذا الصدد، حذر بيني غانتس، وزير الحرب الصهيوني، في الشهر الأخير من عام 2021 في مؤتمر معهد هرتسليا، من أن إحدى الأدوات المتقدمة التي طورتها إيران هي الطائرات دون طيار؛ وأسلحة مميتة ودقيقة مثل الصواريخ الباليستية والطائرات التي يمكن أن تقطع آلاف الكيلومترات.

كما تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى هذا التهديد المهم ضد إسرائيل، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وقال: “يمكن للطائرات الإيرانية دون طيار أن تستهدف في أي وقت وفي أي مكان تريده، وإسرائيل قلقة من إمكانية نقل التكنولوجيا الإيرانية إلى حلفائها في المنطقة”.

بطبيعة الحال، فإن خوف الصهاينة من قدرات جمهورية إيران الإسلامية في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة ليس بالأمر الجديد، لكن من الواضح تمامًا أنه لم يخطر ببال نفتالي بينيت وبيني غانتس أن حزب الله، كما أعلن السيد حسن نصر الله مؤخرًا، قد دخل مرحلة إنتاج الطائرات بدون طيار المتقدمة، والعمل في هذا المجال بشكل مستقل تمامًا.

إن ما تقوله الدوائر والخبراء الصهاينة خلال الأشهر الماضية، وخاصةً بعد تسلل طائرات مسيرة تابعة لحزب الله إلى سماء فلسطين المحتلة وفشل إسرائيل في اعتراضها، يعكس قلق تل أبيب من استخدام الطائرات المسيرة ضمن الأدوات العسكرية للمقاومة، الأمر الذي سيكون له أثر كبير في تغيير ميزان الرعب.

خطر الطائرات دون طيار يساوي الصواريخ الدقيقة

“يوزي روبين” هو خبير الصواريخ الإسرائيلي البارز الذي أجرى دراسةً مفصلةً للطائرات دون طيار ودورها في التهديدات ضد إسرائيل قبل حوالي ثلاثة أشهر، وقال إن مستوى تطوير طائرات المقاومة المسيرة وصل إلى مرحلة تعتبر تهديداً رئيسياً لإسرائيل، وستواجه إسرائيل العديد من المشاكل في التعرف عليها واعتراضها.

وبخصوص تطوير طائرات المقاومة المسيرة، أكد أن إنتاج الطائرات المسيرة أرخص وأبسط من إنتاج الصواريخ. کما أن الطائرات بدون طيار هي أسلحة دقيقة يمكنها استهداف أهداف محددة بدقة.

هذا الخبير الصهيوني الذي ترأس نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “حيتس” لمدة عامين، خلص في دراسة شاملة حول الطائرات دون طيار، إلى أن إحدى المزايا الرئيسية للطائرات دون طيار هي أنه من المستحيل التنبؤ بالمكان الذي ستتحرك إليه، ما يجعل من الصعب للغاية تحديد وتتبع الطائرات دون طيار.

كما أن بعض طائرات المقاومة دون طيار لديها القدرة على الاختباء ولا تستطيع الرادارات اكتشافها. وبشكل عام، يعتبر اعتراض الطائرات دون طيار تحديًا كبيرًا لإسرائيل في أي صراع.

ولفت إلى المخاطر العملياتية التي يمكن أن تشكلها الطائرات المسيرة للکيان الصهيوني، موضحًا أن الطائرات المسيرة الهجومية والانتحارية يمكن أن تستهدف مواقع حساسة مثل مخازن الأسلحة لحالات الطوارئ والعربات المدرعة.

إضافة إلى ذلك، يمكن للطائرات دون طيار أن تعطل تحركات الجيش الإسرائيلي، وأن تلقي بظلالها على مناوراته البرية.

وأشار الخبير العسكري الإسرائيلي إلى عدم قدرة أنظمة الدفاع الجوي التابعة للکيان، بما في ذلك القبة الحديدية وأنظمة أخرى، على اعتراض طائرات المقاومة بدون طيار، وخلص إلى أنه لا يمكن اعتبار الطائرات بدون طيار سلاحًا ثانويًا؛ لأن الطائرات دون طيار هي أجهزة موازنة خطيرة مثل الصواريخ الدقيقة.

يمكن لحزب الله بسهولة أن يدفع الإسرائيليين إلى الجنون

من ناحية أخرى، قال يواف ليمور، محلل الشؤون العسكرية الإسرائيلية في صحيفة هيوم الإسرائيلية، إن المقاومة حققت قفزةً كبيرةً في قدرات طائراتها دون طيار في السنوات الأخيرة.

تطير هذه الطائرات دون طيار بعيدًا جدًا، ولديها القدرة على حمل المزيد من الوقود والأسلحة، كما أن تهربها من الرادار أفضل بكثير مما كان عليه في الماضي. وعلى عكس الصواريخ، يصعب اعتراض الطائرات دون طيار وصواريخ كروز؛ لأنها تحلق ببطء وقريبة جدًا من الأرض.

وتابع الخبير الصهيوني: “ليس من الحكمة أن يهرب سكان المنطقة الشمالية إلى الملاجئ في كل مرة تدخل فيها طائرة مسيرة إسرائيل(فلسطين المحتلة). فهذا يجعل من السهل جدًا على حماس وحزب الله دفع الإسرائيليين إلى الجنون متى أرادوا”.

وفي ظل هذه الظروف، وكما اعترف الصهاينة أنفسهم مرارًا وتكرارًا، فإن بداية حرب ثالثة بين هذا الکيان وحزب الله بعيدة كل البعد عن المتوقع، على الأقل في المستقبل القريب. لأنه بقدر التزام حزب الله بالابتعاد عن الحرب لمصلحة لبنان وشعبه، فإن إسرائيل ليست مستعدةً للدخول في مثل هذه الحرب، في ظل تغير ميزان القوى وقواعد الصراع.

لكن إذا حدثت مثل هذه الحرب لأي سبب من الأسباب، ولا سيما في ظل حسابات الصهاينة الخاطئة، فستعني بداية حرب إقليمية، ستلحق بالتأكيد أضرارًا أكبر بكثير بالکيان الصهيوني من حزب الله، وكما توقع قادة المقاومة مرارًا وتكرارًا، يمكن لهذه الحرب أن تنهي الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق