التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

احتفالات يوم التأسيس بين الوهابية ذراع ابن سعود وهيئة الترفيه ذراع ابن سلمان 

في 21 (يونيو/حزيران) من عام 2017، أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود قراره بعزل ولي العهد محمـد بن نايف بن عبد العزيز وتعيين ابنه محمـد بن سلمان الذي كان منذ العام 2015 يشغل منصب ولي ولي العهد مكانه، ومنذ تلك اللحظة توارى الملك سلمان إلى الظل ليجمع ابنه المراهق صلاحيات لم يجمعها ولي عهد من قبله، فقد أصبح مطلق التصرف في العزل والتعيين، واستطاع عقب مدة قصيرة للغاية من ولاية العهد أن يجعل كلا من وزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني والاستخبارات وأمن الدولة خاضعة بصورة مطلقة لأوامره وتصرفه، الأمر الذي جعل صحيفة بلومبيرج الاقتصادية تصفه بأنه “سيد كل شيء”!

كذلك كان الجد المؤسس عبد العزيز آل سعود يجمع في يديه صلاحيات واسعة لحاكم مُطلق التصرف، وبين الحفيد والجد ثمة تشابهات مثيرة فالرجلين اجتمعا على أمور بعينها كانت عاقبتها أليمة وفادحة على بعض جيران المملكة، فضلا عن العداء لبعض دول الإقليم، ثم لسياسة الرجلين في الداخل، فكيف كانت التشابهات؟ وكيف تعامل معها الرجلان؟!

ويبدو أن هذه الفروقات وصلت مؤخراً إلى يوم التأسيس الذي سيجري فيه إحياء ذكرى اليوم الذي تولّى فيه “محمد بن سعود”، مؤسس الدولة السعوديّة الأولى إمارة الدرعية، ولم يكن هذا اليوم في العهود السابقة، إلا يوم يعرفه طلاب المدارس، والجامعات في كتب التاريخ، فيما كان رجال الدين أتباع وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يُحرّمون الاحتفال بغير أعياد المُسلمين، الفطر، والأضحى، بل ويُركّزون على شرعيّتهم الدينيّة “الوهابيّة” التي كانت الأساس في تدعيم ركائز الدولة السعوديّة الوليدة في حينها.

لم تعد اليوم فيما يبدو الحاجة مُلحّة لتذكير السعوديين بالشراكة التي قامت عليها تأسيس الدولة السعوديّة، بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود، فكُتّاب السعوديّة المُقرّبين من الأمير بن سلمان، ومنهم على سبيل المثال تركي الحمد، قالوا بأن الوهابيّة قد انتهت، وتمّ استغلالها لتدعيم الدولة، وهي أشبه بالحركة التطهيريّة المسيحيّة.

وبالنظر إلى تاريخ يوم التأسيس، وذكرى الاحتفال بها سنويّاً بمرسوم ملكي، فإنها تعود إلى فبراير/ شباط/ من العام 1727، أي قبل 300 عاماً، على يد “المُؤسّس الأوّل” محمد بن سعود، هو ما يُراد منه إعطاء صبغة مدنيّة علمانيّة على تأسيس الدولة بعيدًا عن وجهها الوهابي، مع إغفال أو عدم التطرّق إلى تاريخ التأسيس الحقيقي، وتدعيم حكم آل سعود دينيّاً، حين قام التحالف الديني- السياسي بين بن سعود، وبن عبد الوهاب العام 1744، حيث جرى تدعيم حكم محمد بن سعود، بالاستناد إلى رسالة محمد بن عبد الوهاب، الذي يعتبرها الإسلاميّون دعوة مُجدّدة والعودة لضوابط الإسلام.

بدّل الأمير بن سلمان شكل تحالفه مع أحفاد “الشيخ محمد بن عبد الوهاب” أو المعروفة اليوم بآل الشيخ، عن طريق تعيين تركي آل الشيخ رئيساً للهيئات الترفيهيّة، والأخير معروفٌ بشغفه بالحفلات، والغناء، والرقص، على عكس أجداده المُولعين بالضوابط الدينيّة المُتشدّدة، والتي ما انفك الغرب توجيه اتهاماته للمملكة، بوقوف أفكارها الوهابيّة خلف صُعود حركات الإسلام السياسي المُتشدّد، في حين حرص الأمير بن سلمان، على مُحاربتهم باعتقال رموزهم، من العودة، والقرني، والطريفي، وغيرهم، مُرورًا بتقليص صلاحيّات رجال الهيئة، وانتهاءً بتحويل يوم التأسيس، إلى يوم احتفال بطابع مدني.

الأيديولوجية الوهابية الذراع القوي لتمكين حكم ابن سعود

في أواسط العقد الثاني من القرن العشرين، وفي أثناء حروب عبد العزيز آل سعود بدعم من القوات البريطانية ضد آل رشيد ومن خلفهم الدولة العثمانية لطردها بصورة نهائية من الجزيرة العربية، رأى ابن سعود أن إحياء الفكرة الدينية من خلال تنظيم ديني مسلح كامل الولاء للأيديولوجية الوهابية سيكون عامل قوة وجذب له، وهي الفكرة التي أفاد منها أجداده في الدولة السعودية الأولى والثانية.

ومن اللافت أن العلامة ابن خلدون أشار إلى ذلك قبل سبعة قرون حين جعل عنوان الفصل السابع والعشرين من مقدمته “في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة”، فقد لاحظ ابن خلدون أن العربي والبدوي في الصحراء يكون طبعه أقرب للتوحش، وأصعب للانقياد بسبب الأنفة والمنافسة في الرئاسة، وقد رأى أن الفكرة الدينية تجمع العرب، وتؤلف كلمتهم على إظهار الحق، وحصول التغلّب.

وقد فهم عبد العزيز آل سعود هذه الحقيقة جيدا من خلال التجربة والمعارك المتواصلة في الصحراء، ورآها جديرة بالاهتمام والتطبيق، وحققها بالفعل عن طريق إقامة مجمعات سكانية ثابتة في أرجاء نجد لحركة “إخوان من أطاع الله”، التي كانت بمنزلة المدن الدينية المؤدلجة بصورة تامة، والتي كانت على استعداد دائم للقتال في “سبيل الله”، حتى أضحت هذه الحركة السبب الرئيسي في توحيد الجزيرة العربية لابن سعود، وإسقاط إمارة آل رشيد، ومملكة الشريف حسين في الحجاز، وإرهاب الكويت، فضلا عن العراق والأردن، وجنوب الجزيرة العربية.

وحين توحدت الجزيرة العربية تحت رئاسة ابن سعود، انتهت حركة “إخوان من أطاع الله” من مهمتها، وقد أدت الغرض الذي أنشأها عبد العزيز من أجله، وكان عدد مجاهديها قد بلغ 400 ألف مقاتل، حاول ابن سعود تقليص نفوذهم بدعم من بريطانيا، والحد من فكرة “الجهاد” التي زرعها في عقولهم، وآمنوا بها إيمانا عميقا، فكانت النتيجة دخوله في صراع مع أبرز قادتها زعيم قبيلة مطير فيصل الدويش، وزعيم قبيلة العجمان سلطان بن بجاد وآخرين، بدعم من التسليح والمعدات البريطانية، فضلا عن سلاح الجو البريطاني الذي كان كلمة الفصل في معركة “السبلة” بين منطقتي الأرطاوية والزلفى بنجد، والتي انتهت إلى أسر ذراع ابن عبد العزيز اليمنى الأمير فيصل الدويش، ومقتله في السجن بعد ذلك بعامين سنة 1931م جراء مرضه العضال، وهو يشكو إلى الله من ظلم ابن سعود، وانقلابه على “إخوانه”.

هيئة الترفيه الذراع القوي لتمكين حكم ابن سعود

الأمر ذاته لا يخلو من مفارقة مع الحفيد محـمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ذلك الشاب الذي يتطلع إلى مُلك العربية السعودية، فقد اتخذ عدة إجراءات كانت إعلانا صريحا بالانقلاب على مبادئ الدولة السعودية حين أعلن عن إنشاء “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” المعروف باسم “اعتدال” في 21 مايو/أيار 2017م في قمة الرياض التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الذريعة التي بسببها فتحت السعودية الباب على اعتقال كبار العلماء والدعاة بتهم الإفساد في الأرض، والإرهاب وغيرها، وفيهم من لم يُعرف عنه التشدد طوال حياته مثل سلمان العودة وعبد العزيز الطريفي والعُمري وغيرهم.

بل إن ابن سلمان قرر تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء “المطاوعة” الذين كانوا على الدوام عماد الدولة السعودية في كافة أطوارها ومراحلها التاريخية منذ بزوغ فجر العربية السعودية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وفي الأشهر الأخيرة كانت ثمة مناقشات حول إلغاء الهيئة بالكلية، بالتوازي مع إنشاء “الهيئة العامة للترفيه” والتي أُنشئت في إطار رؤية ابن سلمان للسعودية وخطة تطويرها المعروفة بخطة “2030”، ولأول مرة تُقام حفلات غنائية ومسرحية مختلطة في المملكة السعودية التي عُرفت على الدوام بالحفاظ على الآداب العامة والأخلاق.

منذ استلامه زمام الحكم في مملكة الرمال عمل ابن سلمان على إحداث تغييرات جذرية في المملكة متجهاً بها نحو شاطئ الفساد والانحلال الأخلاقي والاجتماعي وإضفاء الطابع الغربي على البلاد بهدف تحقيق أهدافه الشخصية ليس إلا ومتناسياً قدسية البلاد بالنسبة لمسلمي الأرض، وها هو اليوم يضرب بهذه القدسية عرض الحائط بعد أن أسكت صوت المساجد وسمح ببيع الخمور وإقامة الحفلات السافرة وعروض الأزياء واعتقال المئات من العلماء والدعاة البارزين في المملكة.

الأسباب الرئيسية وغير المعلنة لمحاربة الإسلام

هناك ثمة أسباب رئيسية وغيرها دفعت الحاكم الفاسد بتوجيه تعليمات لوزير الشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ لإصدار قراره. حيث أعلن عبد اللطيف آل الشيخ في 23 مايو أن استعمال مكبرات الصوت الخارجية في المساجد سيقتصر على “رفع الأذان والإقامة فقط”.

وذكر أن القرار يشير إلى ضرورة ألا يتجاوز “مستوى ارتفاع الصوت في الأجهزة عن ثلث درجة جهاز مكبر الصوت”. وحدد آل الشيخ سلسلة ضوابط وشروط معقدة لأجهزة مكبرات الصوت داخل المسجد وخارجه.

ومن بين هذه الأسباب تظهر بوضوح رغبة ولي العهد السعودي بحصر الإسلام وتعاليمه داخل المسجد وطمس المظاهر الإسلامية في المملكة واستبدالها بمظاهر غربية وغريبة على المجتمع المحافظ، وهو أيضاً يحاول إسكات أي صوت يذكر الناس بتعرضهم للظلم ويدعوهم للأخلاق والثورة على الظالم.

كما يبدو أن محمد بن سلمان بقراراته هذه يظهر ضعفه وخوفه في آن معاً فهو يخاف من الفئة الكبيرة التي تتمسك بمظاهر الدين الإسلامي في المجتمع السعودي ويحاول بقراراته هذه تقييدها وإرهابها.

قرارات ابن سلمان هي فقط لتمكين حكمه

عن هذه القرارات قال عبد الله نجل الداعية سلمان العودة المعتقل في سجون ابن سلمان، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحارب تيار الإسلام المعتدل بالسعودية منذ أكثر من عام ونصف العام الماضيين، في وقت سوق ذلك للغرب على أنه يحارب التطرف، مستغلاً جهل الغرب بديناميكية المجتمع السعودي وعدم إدراكه الفوارق بين الرموز الدينية المختلفة.

وكشف العودة أن سبب محاربة ابن سلمان لذلك التيار هو خشيته مما يحمله من حزمة إصلاحية تتضمن خطاباً ينادي بالديمقراطية.

وأشار عبد الله في تصريحات صحفية أن ابن سلمان اتخذ قرارات ظاهرية تدعم الحريات مثل «قيادة المرأة للسيارة» ليظهر للغرب بصورة «الأمير المجدد»، في حين يعمل في الحقيقة على كبت الحقوق والحريات واعتقال المطالبين بها.

فما حاجة السعودية للترفيه والعوائد المنتظرة منه وهي تعوم على بحر من النفط؟، وتحتضن الحرمين الشريفين، اللذان يستقطبان ملايين المسلمين سنويا في موسم الحج؟ وتمتلك امكانيات سياحية دينية ضخمة تكفيها وذلك بوصفها بلد الوحي وقبلة المسلمين؟

يعمل ابن سلمان عملياً على محاربة تطرف الوهابية ولكنه يفرض تطرفاً آخر بالانحلال والمجون، الذي انتشر في أرض الحرمين عبر الحفلات السافرة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق