التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

رئيس الوزراء الفرنسيّ.. تصريحات ساذجة وعنصريّة مقيتة 

القدس هي العاصمة الأبديّة للشعب اليهودي” هو تصريح غير مستغرب على لسان رئيس الوزراء الفرنسيّ، جان كاستكس، أثار الغضب الفلسطينيّ من فرنسا التي تتصدر ذيل قائمة الدول الأوروبيّة، في مستوى قدرتها على التعايش مع الديانات والثقافات والأعراق واحترام الأقليات بما فيهم المسلمون البالغ عددهم قرابة 10 ملايين فرنسيّ، في ظل السياسات الحكوميّة التي تُوصف بالعدائيّة تجاه الإسلام ورموزه، في وقت يُغيب الكيان الصهيونيّ القاتل وعصاباته الصهيونيّة، القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين ويستبيح الدم الفلسطينيّ والعربيّ ويخرق بشكل فاضح كل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخططات الضم والتوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في دعم فرنسيّ واضح لحكومة العدو التي قتلت آخر رمق من السلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ.

مساندة المجرم

وفي ظل تصاعد جرائم الصهاينة المُحتلين الرافضين للوجود الفلسطينيّ بشكل مطلق، عدّت حركة المقاومة الفلسطينيّة “حماس” أن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي، تُعد انحيازًا واضحًا لتل أبيب، وتبنّيًا لأجنداته الكيان العنصريّة وسياسته الاستعماريّة ضد الشعب الفلسطينيّ وحقوقه المشروعة وأرضه المغتصبة، التي ترفضها وتدينها كل الأعراف والمواثيق والقرارات الدوليّة، والدليل هي التأكيد المحليّة –العربيّة والإسرائيليّة- والعالميّة على عنصريّة الكيان الذي يقمع الشعب الفلسطينيّ ويستعمر أرضه دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه التي لا تُحصى.

وإنّ دعم رئيس الوزراء الفرنسيّ لأكاذيب “إسرائيل” يوصل رسالة هامة مفادها بأنّ الفرنسيين يقفون مع الدول والشركات والمؤسسات العالميّة التي تساند تل أبيب في جرائمها، والتي تدفع باتجاه تسريع تنفيذ المخططات الاستيطانيّة للعدو الصهيونيّ في الضفة الغربيّة والقدس المحتلتين وخاصة في السنوات الأخيرة، من أجل محاولة وسم هوية العاصمة الفلسطينيّة كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال المجرم واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة أو عربيّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967، حيث تؤكد تقارير دوليّة عدة أنّ قوات العدو الغاصب تريد الهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود.

وعلى ما يبدو، فإنّ حكومة باريس التي لا تطيق شيئاً اسمه الإسلام حتى و إنْ سمحت ببناء المساجد، ولا تحترم قيم الإسلام التي يمارسها مواطنوها المسلمون كقيمة الحجاب و قيمة وجود الله رغم أنّها لا تعترض على القيم اليهوديّة، سعيدة اليوم بارتفاع حدة الاستبداد والظلم والاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لمصلحة المستوطنين في القدس والضفة الغربيّة، بدل أن تصطف في جبهة حملات مقاطعة العدو الصهيونيّ والهيئات والجهات الداعمة له، بما أنّ الدول الغربيّة -وبالأخص فرنسا- لا تكل من التلويح بشعارات الحرية، لكنّها في الوقت نفسه تدعم العصابات السالبة لأراضي الغير وتحاول خلق الشرعيّة للمحتل والعمل على قلب الحقائق وجعل الجاني ضحيّة.

ومن الجدير بالذكر، أنّ الرئيس الفرنسيّ، إمانويل ماكرون، أساء قبل أشهر لأهم رمز إسلاميّ وهو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وانتفض العالم الإسلاميّ ضد الإهانات الفرنسيّة، فيما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعيّ بعبارات التجليل للرسول الأكرم إضافة إلى حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسيّة، واتخاذ مواقف عربيّة وإسلاميّة رادعة للهجمة الفرنسيّة العنصريّة ضد الإسلام، وقد لاقت دعوات المقاطعة استجابة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة.

وعد مَن لا يملك لمَن لا يستحق

“تصريحات رئيس الوزراء الفرنسيّ لا تتوافق حتى مع موقف الاتحاد الأوروبيّ الذي تشكل فرنسا أحد أركانه، كما أنّها تحرض الكيان الصهيونيّ على مواصلة جرائمه ضد مدينة القدس المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية”، وفقاً للمقاومة الفلسطينيّة، ما يدل على أنّ باريس تؤيّد منهجيّة “القتل مسموح فقط لليهود” التي تحدث عنها كتاب إسرائيليون بالتزامن مع محاولات الكيان الغاصب حسم المعركة في الساحة الرئيسة للمواجهة مع الكلّ الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ والمسيحيّ في الأمة، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم المختلفة التي يرتكبونها بحقهم بمثابة “استعادة لحرياتهم السياسية” في فلسطين.

وإنّ وصف حركة حماس لتصريحات رئيس الوزراء الفرنسي جاء مهماً للغاية، بالقول إنّها كانت “وعد مَن لا يملك لمَن لا يستحق”، باعتبارها تعبّر عن سياسة ازدواجية المعايير المرفوضة التي تنتهجها الحكومة الفرنسية في تعاملها مع قضية الشعب الفلسطينيّ العادلة، والذي سيبقى متمسكًا بحقّه المشروع في التحرير والعودة، وإقامة دولته المستقلة، والقدس عاصمتها الأبدية، مع غياب الإجراءات العمليّة للمنظمات الدوليّة ضد استمرار نهج الإجرام الصهيونيّ وانتهاكاته الكارثيّة للقانون الدوليّ وفرضه لغة القوة والاحتلال.

ولأنّ الاحتلال الوحشيّ يعتقد أنّه يسيطر على بقعة واسعة من الأراضي الفلسطينيّة وله اليد الطّولى للقيام بأيّ شيء فيها، يحاول بشكل جديّ ومتصاعد حسم المعركة التاريخيّة لمصلحته عبر الاستيطان وتدمير وتشويه كل الآثار التاريخيّة الفلسطينيّة، لطمس الهوية الثقافيّة والحضاريّة الفلسطينية وإخفاء معالمها بشكل كامل، في الوقت الذي لا يكف فيه الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من قبل قوات العدو في فلسطين للهيمنة على مقدرات البلاد بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود.

ويكمن الهدف الرئيس للكيان الصهيونيّ المجرم من وراء مشاريع الاستيطان وسرقة الآثار الفلسطينية، في تشويه التاريخ عبر تزوير تلك الآثار وإعطائها صبغة يهوديّة، لخدمة الرواية الصهيونيّة المخادعة حول احتلال فلسطين، لتحقيق المشروع الصهيونيّ في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين، مثل تلك التي رافقت إنشاء وطنهم اليهوديّ على أرض فلسطين.

إضافة إلى ذلك، إنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة تل أبيب لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، ما يفرض على الفلسطينيين العمل الجاد لإعادة الاعتبار للمشروع الوطنيّ المتمثل في التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينيّة على كل التراب الوطنيّ، واعتباره قاعدة بناء التوافق الوطنيّ على برنامج نضاليّ جامع.

في النهاية، إنّ جزءاً كبيراً من هذه العقليّة الفرنسيّة العنصريّة تجاه الفلسطينيين والمسلمين بشكل عام يعود إلى إرث فرنسا الإمبرياليّ (سعي دولة لتوسيع سلطتها وتأثيرها عبر الاستعمار العسكريّ والثقافيّ والسياسيّ، باستخدام القوة العسكريّة ووسائل أخرى)، حيث احتلت فرنسا العديد من الدول المسلمة في افريقيا والشرق الأوسط خلال القرن العشرين، وعملت على فصل الدين واللغة العربيّة عن الشأن العام، ولم تضمحل تلك العقلية الاستعماريّة بمرور الزمن، بل شكلت جذور “الإسلاموفوبيا” التي تعني كراهية شديدة أو خوفاً من الإسلام، أو عداءاً و تحيزاً ضد المسلمين، التي تميّز توجهات الدولة الفرنسيّة في الفترة الحاليّة، كما أن ادعاء الحكومة الفرنسية المتعلق بحرية التعبير لا يكفي لإخفاء نفاقها الفاضح، فما معنى حرية التعبير إذا كانت تنطبق على لون أو عرق أو جنس أو دين بعينه؟ ، وما فائدة شعارات الحكومة الفرنسيّة بشأن “حرية التعبير” إذا كانت هي أول من يخترقها!.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق