من حاول اغتيال خضر عدنان ولماذا
في ظل محاولات “إسرائيل” المستمرة لتنفيذ منهج الاغتيالات الشنيعة بحق رموز وعقول وأبطال المقاومة الفلسطينيّة، بسبب اعتقاد الصهاينة عن جهل أنّ مقاومة ظلمه وعدوانه ربما تنتهي بارتكابه تلك الجرائم القذرة، حيث كشف مؤخراً القياديّ الفلسطينيّ المنتمي إلى حركة “الجهاد الإسلاميّ”، الشيخ خضر عدنان، والذي تعرض لمحاولة اغتيال من مسلح يقود سيارة أطلق عليه الرصاص في مدينة نابلس، بأنّه “يعرف إسم الشخص الذي حاول اغتياله، ويشير إلى أنّه بانتظار قرار وطني في هذا الشأن”، وقد سجل عدنان حالة أسر نادرة في تاريخ الحركة الفلسطينية في السجون الإسرائيليّة بعد أن أضرب فرديا عن الطعام مدة 65 يوماً، وكان تلك المدّة أطول إضراب فرديّ للأسرى قبل عقد من الزمن.
أسباب الاغتيال؟
“تعرّضت لمحاولة اغتيال وأعرف اسم المنفذ”، هذا ما أشار إليه الشيخ خضر عدنان القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلاميّ، مؤكّداً أن الحدث الذي وقع في الأيام القليلة الماضية يأتي ضمن سلسلة أحداث سابقة وقعت معه في المدينة نفسها ولم يتم وضع حلول لها حيث كانت البيانات تلاحقه في كل مرة، موضحاً أنه في عام 2017 خرج بيان من جزء من القوى الوطنية المختصة بالأسرى، حملته حينها المسؤولية عن إفشال إضراب مروان البرغوثي (سياسي فلسطيني، وأحد الرموز الفلسطينية في الضفة الغربية، وزعيم التنظيم في حركة فتح)، بالإضافة إلى منعه لأكثر من مرة من دخول جامعة النجاح التي تعد أحد أكبر الجامعات الفلسطينية من حيث عدد الطلاب. لعبت الجامعة دوراً في الحياة اليومية السياسية، والاقتصادية الفلسطينية. وبرز منها العديد من الشخصيات الذين أسهموا إسهاما كبيرا في تاريخ القضية الفلسطينية.
والمطلوب هو إبعاد الشيخ خضر عدنان عن الساحة الفلسطينية وبالتالي إن أكثر من يرغب بذلك هو الاحتلال الإسرائيليّ، الذي يُعد “المسؤول الأول” عن الجريمة وفقاً لتصريحات صحفيّة للقياديّ الفلسطينيّ الذي بدأ حياته السياسية بشكل مبكر للغاية خلال دراسته الجامعية حيث انتسب إلى حركة الجهاد الإسلاميّ، وكان أول اعتقال له من قبل السلطة الفلسطينية بتهمة التحريض على رشق رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، ليونيل جوسبان، بالحجارة لدى زيارته جامعة بيرزيت عام 1998 والتي لعبت دورا رياديّاً في الأحداث السياسيّة في فلسطين، وأمضى في الاعتقال نحو عشرة أيام مضرباً عن الطعام.
من ناحية أخرى، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة الدراسة الجامعية نفسها، وأمضى في الاعتقال الإداريّ التعسفيّ حوالي أربعة أشهر، ثم اعتقل مرة أخرى لمدة عام، وقد تكرر اعتقاله عقب المرحلة الجامعيّة أكثر من 10 مرات خلال 6 سنوات فقط، كان بينها الاعتقال ما بين 03/05/2004 و11/04/2005، حيث خاض إضراباً مفتوحاً عن الطعام لما يقارب الشهر احتجاجا على وضعه في عزل انفراديّ، ولم يوقف إضرابه إلا بعد الاستجابة لمطلب نقله إلى أقسام السجون العادية مع باقي الأسرى الفلسطينيين.
لتعاود السلطة الفلسطينيّة اعتقاله من جديد في تشرين الأول 2010، وأمضى 12 يوما في السجن أضرب خلالها عن الطعام، بيد أنّ الاعتقال الأشهر بالنسبة لعدنان خضر كان في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2011، حيث خاض فيه أطول إضراب فرديّ عن الطعام في سجون العدو الإسرائيليّ احتجاجاً على اعتقاله الإداريّ دون تهمة، واستمر الإضراب لأكثر من شهرين، انتهى بتحقيق مطلب الإفراج عنه بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2012، ليفتح الباب أمام الإضرابات الفرديّة فيتبعه الكثير من الأسرى الإداريين.
ويُعد القيادي الفلسطينيّ أحد أبرز الشخصيات المستهدفة بالنسبة للعدو ومن يقف معه، حيث عمل منذ الإفراج عنه في فعاليات التضامن مع الأسرى والأسرى المضربين عن الطعام، والفعاليات السلميّة، حتى اعتقلته قوات المحتل الإسرائيليّ في يوليو/تموز عام 2014 في كمين نصبته عند حاجز جنوب مدينة جنين، على خلفية إشادته عبر وسائل الإعلام بالمقاومة الفلسطينيّة التي تتصدى للعدوان الهمجيّ الإسرائيليّ على قطاع غزة المحاصر، لتفرج عنه في يوليو/تموز 2015، حيث استقبلته جماهير غفيرة في بلدته “عرابة”.
جريمة كاملة
“جريمة مُدانة ومكتملة الأركان، هدفها تغييب الرموز الوطنيّة وأصحاب التأثير في الضفة الغربيّة”، هكذا وصفت فصائل المقاومة الفسطينية محاولة اغتيال الشيخ خضر عدنان، مؤكّدة أنّ هذه الجريمة لا يمكن أن تخمد صوت الشرفاء والأحرار بل ستعزز من إرادتهم وثباتهم على مواقفهم الوطنية الفاضحة لجرائم الاحتلال الإسرائيليّ وأعوانه، بعد أن بات للعدو اليد الطولى في المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينيّة، وهذا ما يدفعه لاغتيال وقتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، وكأن الصهاينة وآلتهم العسكريّة لديهم كرت أخضر من حركة “فتح”.
ولم تخف حركة “الجهاد الإسلاميّ” وجود منظومة تعمل على تحييد القيادات والرموز الوطنية في فلسطين، وذلك للحد من تأثيرها في المقاومة وأداء الواجب الوطنيّ بالضفة الغربيّة، مشيرة إلى أنّه “لا يستطيع أحد جعل نابلس أو أي منطقة أخرى حكراً على فئة معينة، والأهم منع جنود العدو الإسرائيليّ والمستوطنين من دخول المدينة”، بعد أن أصبحت السلطة الفلسطينيّة كالعدو تماماً في العدوان على الفلسطينيين من أبناء الضفة التي ذاقت الويلات من جرائم الأجهزة الفلسطينيّة المتعاونة أمنياً مع “إسرائيل”، لضرب أيّ مقاوم أو انتفاضة للمقاومين، وهذا ما بات يزعج سكان الضفة بشدّة ويزيد من غضبهم العارم تجاه السلطة الخانعة لعدوهم الدمويّ.
“رصاص صهيونيّ” ذاك الذي أُطلق على الشيخ خضر عدنان بحسب الحركة التي تملك قاعدة شعبيّة لا يستهان بها في فلسطين، معتبرة أنّ الجريمة التي حدثت “متكاملة الأركان” وتقف خلفها أجهزة المخابرات الإسرائيليّة وأذنابها، داعية كل القوى والفصائل والهيئات والمراكز الحقوقية إلى رفع صوتها في وجه الفلتان الذي تديره وتوجهه مراكز قوى ونفوذ وهي ذاتها من تقود التنسيق الأمنيّ مع العدو الإٍرائيليّ في إشارة لحركة فتح وقيادات السلطة، حيث إنّ مظاهر الفلتان بالمنطقة مفتعلة، وهدفها خلق صدامات داخلية وإحداث فتنة لخدمة تل أبيب.
خيانة متصاعدة
“خيانة عظيمة ومتصاعدة”، عبارة تُلخص حال السلطة الفلسطينيّة التي خذلت شعبها الفلسطينيّ وبالأخص في الضفة الغربية المحتلة، حيث إنّ تعاونها الصادم مع القيادات الأمنيّة الصهيونيّة، يودي بحياة المقاومين والمدنيين الفلسطينيين بشكل مروع، وإنّ ازادياد جرائم الإسرائيليين في إطلاق النار على الفلسطينيين وتسببهم باستشهاد كثيرين، لم يدفع محمود عباس أو غيره من حركة فتح لاتخاذ أيّ إجراء لقطع اليد العدوانيّة للمحتل الذي يتفاخر بقتل الفلسطينيين.
وإنّ احتماليّة تصعيد المواجهة ضده السلطة والكيان الإسرائيليّ الغاشم تزداد يوماً بعد آخر، نتيجة لارتفاع حدة الإعدامات والاغتيالات والاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لصالح المستوطنين في القدس والضفة التي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن، فيما تدعو فصائل المقاومة الإسلاميّة بشكل مستمر أبناء الشعب الفلسطينيّ في الضفة والقدس والداخل المحتل إلى إشعال الأرض الفلسطينيّة المحتلة تحت أقدام جنود الاحتلال رداً وثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، لأنّ قوات الاحتلال لا تكف عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم.
ومن المعروف أنّ السلطة الفلسطينيّة تمنع بأي شكل من الأشكال إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، بغض النظر عن الرد الفرديّ على هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، حيث إنّ الضفة المحتلة ترسل رسالئل متوصلة بأنّها ستكون دائماً وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ ولن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، لأن رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم الشنيعة سيكون بالفعل مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
ويُدرك الجميع، أنّ الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ “العنصريّ” دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ الاعتداء على حركة الجهاد والشيخ خضر عدنان يُعد بمثابة اعتداء على كافة المقاومين والرموز الوطنيّة الفلسطينيّة التي يشهد تاريخها على حجم نضالها، وإنّ كافة أبناء فلسطين ومقاومتهم باستثناء “السلطة الفلسطينيّة ممثلة بحركة فتح” أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون بالتعاون معه ضد أبناء الجلدة الواحدة، بل بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما سُلب بقرارات الدول المُسبدة ومدافع الدبابات كيف يُسترجع بالورود؟، وقد علملتنا السنين مع الإسرائيليين أنّ “التصدي” والمواجهة هو السبيل الوحيد لإيقاف جرائم الإسرائيليين وعربدتهم لحماية فلسطين وشعبها، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كافة الوسائل.
المصدر/ الوقت