أوكرانيا تفتح باب التطوع للأجانب
وكالات ـ الرأي ـ
مع تصاعد أحداث الحرب في أوكرانيا وإعلان الرئيس فولوديمير زيلينسكي إنشاء فيلق دولي من المتطوعين الأجانب للانضمام إلى جيش بلاده وصد الغزو الروسي، يدور الحديث بين الشباب العراقيين حول إمكانية الذهاب والتطوع للحصول على بعض المكاسب وسط ارتفاع نسب البطالة في البلاد.
وفي هذا السياق نقلت وكالات محلية عراقية مؤخرا عن القنصلية الروسية في البصرة (جنوبي العراق)، تلقي طلبات من مواطنين عراقيين للانضمام إلى صفوف الجيش الروسي للمشاركة في حربها على أوكرانيا، الأمر الذي نفته السفارة الروسية في بغداد لاحقا.
ويحذر مراقبون من أن تساهم البطالة بدفع الشباب العراقي للانخراط بالحرب الدائرة في أوكرانيا، خاصة بعد سماح كييف للأجانب للتطوع والمشاركة في القتال هناك.
ورفض المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، التعليق على الأنباء المتداولة حول افتتاح التطوع أمام الأجانب للقتال في أوكرانيا أو روسيا وتوجه بعض الشباب العراقيين بتقديم طلبات للمشاركة.
وأكد على أن العراق بلد فيه حكومة سيادة وقانون، ويرفض زج الشباب العراقي في حروب خارجية، كما أنه يقف في جانب متوازن ومعتدل من قضية الحرب الروسية في أوكرانيا، لافتا إلى أن بغداد تدعو إلى الحوار لحل الأزمة بين البلدين.
خرق للسيادة
ويصف الأكاديمي والباحث السياسي فاضل البدراني ما يثار حول تفكير بعض الشباب بالتطوع في أوكرانيا بأنها “توجهات مريضة” يحملها البعض ممن يساند روسيا لمواقف سياسية دولية وإقليمية، والبعض الآخر ممن يساند أوكرانيا لمواقف مغايرة.
ويؤكد البدراني للجزيرة نت بأن هذا التوجه غير مقبول سواء تطوعت أعداد قليلة أو كثيرة من الشباب ضمن أجندات إقليمية، فهو تجاوز على سيادة العراق وسمعته.
ويلفت إلى أن البطالة قد تدفع بعض الشباب للبحث عن فرصة عمل، حتى لو كانت بهذه المجازفة، لكنها فرصة عمل سيئة جدا ومرفوضة، وفيها مس بسيادة العراق، وهذا الانخراط ممكن أن يكون بذرة سيئة تجعل من شباب العراق مرتزقة يقاتلون في دول خارجية ويخوضون الحروب.
وشدد البدراني على أن واجب الحكومة العراقية والقوى السياسية والنخب الثقافية والفكرية، والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية، الوقوف بقوة ورفض هذا الأمر بقوة القانون وردع هذه التوجهات التي تستفز مشاعر العراقيين.
من جانبه يقول النائب بدر صائغ الزيادي عضو لجنة الأمن والدفاع في الدورة البرلمانية السابقة، إن سياسة العراق وتوجهاته لا تسمح بإرسال متطوعين إلى أوكرانيا أو روسيا؛ لأن العراق غير معني بالأزمة الدائرة بينهما.
ويؤكد الزيادي على أن العراق يتمنى أن يتوقف القتال ويعم الأمان لجميع الدول، ويتم حل الأزمة بالطرق السلمية، مشيرا إلى أن الدستور العراقي لا يسمح بتجنيد متطوعين لصالح دولة أخرى.
تسويق مواقف
ويعتقد المحلل السياسي أياد العنبر أن مسألة تطوع عراقيين للقتال إلى جانب أوكرانيا أو روسيا لا يمكن أخذها على محمل الجد، وقد تكون هنالك مبادرات فردية قليلة لا يعتد بها.
واعتبر العنبر بأن الموضوع لا يعدو كونه محاولة تسويق مواقف لطرف على حساب طرف آخر حيث يحاول البعض أن يكون داعما لروسيا أو أوكرانيا وهنالك جدل في العراق بسبب التأثر بما يحدث في العالم.
ويبيّن المحلل السياسي أنه ما دام العراق ليس لديه حدود مع روسيا ولا مع أوكرانيا فإن الانجرار وراء دعوات الحرب وغيرها قد تكون نوع من التهريج.
وعن قضية رفع صور للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بعض مقرات الفصائل في بغداد، يؤكد العنبر أنه لا أحد يتبنى ذلك.
وعن تزايد جيوش العاطلين عن العمل في العراق، يقول الكاتب والمحلل السياسي أثير الشرع إنه بعد عام 2003 لم تتوفر إستراتيجية لتهيئة بنية تحتية أو توفير فرص عمل، وهذا أدى إلى وجود مئات آلاف الشباب بلا عمل.
ويضيف بأن إغلاق المصانع والمعامل وغياب الخطط الاقتصادية، وإعطاء العراق 5% من عائدات النفط تعويضات للكويت، واعتماد البلاد كليا على عائدات النفط جعل العراق دولة استهلاكية بعد أن كانت دولة منتجة.
ويلفت إلى أن ذلك كله انعكس بالسلب على المجتمع، حيث نلاحظ استشراء الجريمة والابتزاز والمتاجرة بالبشر والمؤثرات العقلية، وكذلك انخراط الكثير من الشباب في الصراع الدائر بسوريا واليمن.
ويرجح الشرع رغبة بعض الشباب بالتطوع إذا ما فتحت إمكانية الذهاب الى أوكرانيا، جراء ما يعانونه من بطالة، خاصة مع تخصيص مبالغ جيدة للمشاركة في الحرب، مشددا على ضرورة إيجاد حلول جذرية من قبل الجهات المعنية والحكومة العراقية التي لم تتشكل حتى الآن بعد الانتخابات، ولا توجد بوادر لتشكيلها قريبا.
تداعيات مستقبلية
وعن التداعيات المستقبلية لدعوات التطوع وتحشيد المقاتلين يرى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن عملية فتح باب التطوع من قبل الرئيس الأوكراني هي إعادة تكوين كارتلات راديكالية وجماعات متطرفة تخلق في أوروبا الشرقية.
ويضيف بأن معظم الجماعات المتطرفة كانت دورة حضانتها في أوروبا الشرقية، والدليل أن المقاتلين في تنظيم داعش من المهاجرين -لا سيما من الغربيين الأجانب- كانوا من دول أوروبا الشرقية بالإضافة إلى آخرين من دول أوروبا الغربية.
ويعرب الخبير الأمني عن اعتقاده بأن دعوات تجنيد الشباب لها تداعيات كثيرة، من بينها أن هناك من سيلتحق بركب الجماعات المتطرفة، وقد يتخطى عتبة الكانتونات التي صنعها المعسكر الروسي المناوئ للمعسكر الغربي، وكذلك المعسكر الغربي الذي لا يتحالف مع المعسكر الروسي.
ولا يستبعد أبو رغيف أن تتكرر الحالة الأفغانية إذا استمر الجانب الروسي بإحكام سيطرته وغزوه لأوكرانيا.
وينوه إلى وجود تخندق واضح وهناك تعميق للمعسكر الشرق أوسطي، “ونحن إزاء قطبيات أخرى تضاف إلى قطبية أميركا وروسيا، وربما هناك قطبية ثالثة، وهي التخندق والتمحزب والتمظهر لصالح هذه الدولة على حساب دولة أخرى”.
بدوره يقول المحلل السياسي جبار المشهداني، إن افتتاح أوكرانيا مجال التطوع أمام الأجانب يعد رسالة واضحة للأوروبيين وأميركا والناتو بعد تراجعها عن وعودها بالدفاع عن أوكرانيا في حال تعرضها إلى هجوم روسي، وهي أشبه برسالة من كييف تفيد بأنه سيكون هؤلاء المتطوعين أكثر التزاما من حلفائها.
ويرى، أن من تداعيات هذا الملف إعطاء نوع من الشرعية في المستقبل لمثل هذه الخطوات، مثلما حدث خلال السنوات الماضية من تنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المسلحة الأخرى التي تدعو إلى إلغاء الحدود وتبني قضايا وأفكار محددة، لافتا إلى أن هذا التوجه غير مقبولا.انتهى