الأزمة الوكرانية والحرب الإعلامية الشرسة بين روسيا والغرب
في العقود الأخيرة، في خضم الأزمات الدولية الكبرى، ثبت أنه بالإضافة إلى المعارك العسكرية وجهاً لوجه، يمكن أيضًا شن حرب إعلامية وحرب نفسية كأداة قوية لتحقيق النصر.
في الواقع، لم يعد من الممكن قياس نتيجة الحرب اليوم بالنصر الميداني وحده؛ يمكن الآن لوسائل الإعلام والحرب الإلكترونية، على نطاق واسع، تحديد نتيجة الانتصار الميداني. إن أي تيار أو مجموعة يمكنها السيطرة على الأخرى في مجال الإعلام قد اتخذت خطوة مهمة نحو النجاح في ساحة المعركة؛ ويمكن رؤية هذا بوضوح في الأزمة الحالية في أوكرانيا. لقد شهدنا حربًا إعلامية شرسة على جانبي الجبهة منذ أن أمر فلاديمير بوتين بشن عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 24 نوفمبر 2022. من جهة، سعت الدول الغربية بوسائل إعلامها القوية إلى تمثيل الاحداث وفقًا لرغباتها ومصالحها، ومن جهة أخرى حاولت وسائل الإعلام الروسية أيضًا في المقابل، أن توفر الأساس المنطقي لتفسير معادلات الحرب بناءً على روايتها الخاصة، مع هذه التمهيدات للحرب، يمكن تفسير الروايات حول حرب أوكرانيا بهذه الطريقة على جانبي القصة.
تغطية متحيزة لوسائل الإعلام الغربية منذ بداية الحرب
البعد الأول للحرب هو سرد الأزمة الأوكرانية فيما يتعلق بالتفسيرات المزدوجة والمختلفة لوسائل الإعلام الغربية منذ بداية الصراع. وفي هذا الصدد، ذكرت وسائل الإعلام الغربية فجائع قرار روسيا بالحرب دون أن تذكر الظروف التي أدت إليها من طرف أوكرانيا أو استفزازات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، وحاولت إظهار الغرب والولايات المتحدة كمدافع عن حقوق الإنسان. في الواقع، كانت مصالح الغرب تتمثل بما قدمته وسائل الإعلام الغربية فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، حيث قامت بسرعة بتقديم روسيا على أنها الدولة المعتدية وغير الشرعية والقمعية. من ناحية أخرى، قدمت وسائل الإعلام الروسية، بتغطية واسعة لتصريحات فلاديمير بوتين، الغرب على أنه سبب الأزمة ومؤسسها، وشددوا مرارًا وتكرارًا على دور الناتو في توسيع مجال نفوذه إلى حدود روسيا بتعد واضح على الحدود الحمراء للأمن القومي الروسي. في الواقع، مهد استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا الطريق لحرب نفسية وإعلام مكثف بقيادة الولايات المتحدة والغرب بشكل عام ضد روسيا، من أجل التستر على محاولتهم إفراغ ظهر حكومة كييف. وكان الغرب قد وعد في وقت سابق بدعم حكومة كييف في مواجهة العدوان الروسي، وها هي اوكرانيا الآن تواجه الترسانة العسكرية الروسية بينما تقف الجيوش الغربية متفرجة عليها من خلف الحدود.
حرب عدد الضحايا ومدى التقدم
البعد الآخر للحرب هو سرد الأزمة الأوكرانية فيما يتعلق بإعلام عدد ضحايا الحرب. في سياق هذا، سعت وسائل الإعلام الغربية باستمرار إلى تصوير نزوح ولجوء الأوكرانيين بأرقام وإحصاءات مذهلة. من ناحية أخرى، من حيث الخسائر والتقدم، يحاول الغربيون أيضًا، وصف مقاومة الأوكرانيين بأنها عظيمة وبطولية، وبينما تضخم خسائر روسيا. فر أكثر من مليون لاجئ أوكراني من البلاد في سبعة أيام فقط من الحرب، وفقًا لأحدث تقرير لوسائل الإعلام الغربية. وتزعم وسائل الإعلام الغربية أيضا أن أكثر من 2000 مدني أوكراني قتلوا خلال الغزو الروسي لأوكرانيا. فيما يتعلق بإحصاءات الضحايا وتقدم الجيش الروسي، تحاول وسائل الإعلام الغربية باستمرار دحض أخبار سقوط مدن ومناطق وإدارات وقواعد مختلف، وتبالغ في تقدير أعداد الضحايا الروس. حتى بعد ستة أيام من بدء العملية العسكرية الروسية، ادعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مقتل حوالي 6000 جندي روسي.
في الطرف الآخر، الروس، الذين يبينون أن موسكو كانت قادرة على تنفيذ تهديدها، لأنه في غضون خمسة أيام، تم تدمير 1200 هدف للجيش الأوكراني، بما في ذلك قصف المطارات ومراكز الرادار ومستودعات الذخيرة التابعة للجيش الأوكراني. حتى أنهم يقيمون الفشل في دخول كييف نتيجة لأمر فلاديمير بوتين بالتريث، وذلك للسماح للجيش الأوكراني بالاستسلام ومنع المزيد من إراقة الدماء، ومن ناحية أخرى، يجنب الجيش الروسي الدخول في معركة شوارع. كما أن هناك فرقًا كبيرًا بين إحصائيات الجهات الغربية وروسيا في تقديم إحصائيات ضحايا الحرب. في 3 مارس، اليوم الثامن من الحرب، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل 498 جنديًا روسيًا وإصابة 1597 بجروح. وقالت روسيا أيضا إن أكثر من 2780 شخصا قتلوا وأصيب نحو 3700 في صفوف الجيش والقوات الأوكرانية. من الواضح أن هذا الرقم مختلف تمامًا عما تدعيه وسائل الإعلام الغربية الرئيسية وكذلك الحكومة الأوكرانية.
العزف على وتر “الكارثة النووية”
أحد الأبعاد المهمة الأخرى للحرب الإعلامية الغربية على روسيا هو احتمال وقوع كارثة نووية. قبل عدة أيام وفي خضم الأزمة الاوكرانية، أعلن فلاديمير بوتين بشكل رمزي عن استعداده للدخول في حرب نووية من خلال إصدار أمر استعداد لقوات “الردع النووي الاستراتيجية”. بعد الأمر وأثناء محاولة روسيا للسيطرة على محطات الطاقة النووية، أكدت وسائل الإعلام الغربية مرارًا وتكرارًا أن سيناريو مثل تشيرنوبيل يمكن أن يتكرر. مما لا شك فيه، كان الحدث الأهم للحرب الإعلامية النووية بين الغرب وروسيا هو فيما تعلق بالحريق الذي حصل في أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، محطة زابوروجي، ليل الجمعة. وفي هذا الصدد، حاولت وسائل الإعلام الغربية أن تنسب الحادث إلى القوات الروسية. وبحسبهم، اشتعلت النيران في المحطة نتيجة قصف القوات الروسية لمحطة توليد الكهرباء في زابوروجي. حتى في وقت سابق، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن محطة زابوروجي بها ست مفاعلات نووية، ولو انفجر أحدها فقط فستكون كارثة. وقال “نريد حماية مصنع زابوروجي من مخاطر القصف الروسي ونريد السماح بإجلاء آلاف المواطنين من موقع زابوروجي”. لكن خلافا للشائعات الغربية المنتشرة حول حريق في مصنع زابوروجي، وصفت وزارة الدفاع الروسية الهجوم على مصنع زابوروجي في أوكرانيا بأنه “عمل تخريبي” من قبل المخربين الأوكرانيين. وبحسب قناة الجزيرة، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف إن المنشأة النووية تعمل بشكل طبيعي وادعى أن المنطقة كانت تحت السيطرة الروسية منذ يوم الاثنين.
هروب زيلينسكي أو بقائه؛ روايات مزدوجة
البعد الآخر للحرب الإعلامية الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا هو فيما يتعلق بالاخبار المتناقضة عن إقامة فولوديمير زيلينسكي في كييف أو فراره منها. روى فياتشيسلاف فولودين، المتحدث باسم مجلس الدوما الروسي، أول مظهر لهذا البعد من الحرب، في اليوم الثالث من الحرب في 26 فبراير، حيث ادعى أن فولوديمير زيلينسكي قد فر من كييف وذهب إلى مدينة لفيف في غرب أوكرانيا. رداً على الأخبار، ادعى زيلينسكي أنه لم يفر في أي مكان وأنه يعيش في كييف. لإثبات أنه يعيش في كييف، أصدر مقطع فيديو من مكتبه في كييف، يظهر أيضًا مساعده أندريه يرماك. لكن رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فالودين كرر هذا الادعاء بعد أيام قليلة، في 4 مارس، كرر أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غادر سرا بلاده متوجها إلى بولندا. حتى يوم أمس (الجمعة، 4 مارس)، قال عضو البرلمان الأوكراني إيليا كيفا: “لقد اقتنعت للتو أن فلاديمير زلينسكي، رئيس أوكرانيا والقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، قد عبر الحدود الأوكرانية – البولندية وهو الآن في مكان آمن في السفارة الأمريكية. لكن الأخبار، التي يمكن أن يكون لها في حد ذاتها تأثير عميق على الحرب الإعلامية، قوبلت برد فعل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ونفى في مقطع فيديو نُشر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “كل يومين تُختلق أخبار جديدة عن هروبي من كييف وأوكرانيا، ما زلت هنا ورئيس الموظفين هنا أيضا بقربي، لم يهرب أحد.”
المصدر/ الوقت